تأثرت العلاقات بين الرئيس الأمريكى باراك أوباما ورئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو فى الفتر الأخيرة، و فى أعقاب الفوز الهزيل الذى حصل عليه نتنياهو فى الانتخابات النيابية الإسرائيلية، وامتناع المسئولين الأمريكيين عن التعليق على ما تركته هذه الانتخابات من آثار على العلاقات بينهما. بالنسبة إلى الرئيس أوباما، الذى كثيراً ما كانت علاقته مع نتنياهو شبيهة بعلاقة بين زوجين مرتبطين بعلاقة تعوزها المحبة، لا بد أن تكون الأشهر الثلاثة الماضية قد وفرت قدرًا من الرضا القاتم. ففى نوفمبر تغلب أوباما فى الانتخابات الرئاسية على ميت رومنى الذى كان المرشح المفضل، لكن غير الحصيف لدى نتنياهو، ويوم الثلاثاء الماضى تعثر نتنياهو فى محاولة إعادة انتخابه، وقد فاز حزب "الليكود" الذى يرأسه بما يكفى من المقاعد فى البرلمان ليبقى فى منصبه، لكنه قصر كثيراً فى تحقيق التوقعات أمام ارتفاع نسبة التصويت فى أوساط حركة "الوسط" النشطة. ومع ذلك فإن البيت الأبيض لم يعلق على نتائج انتخابات إسرائيل، وظل المسئولون فى الإدارة الأمريكية مترددين فى التعليق على مدى تأثير النكسة التى أصابت نتنياهو على علاقته مع أوباما، خاصة أن الزعيم الإسرائيلى لم يبدأ بعد العمل لتشكيل ائتلاف حكومى. وقال مراقبون وهم ينقبون فى التداعيات: إن هناك الكثير على الساحة السياسية الإسرائيلية الجديدة وسوف تقدم أكثر من تبرير لأوباما. وقد يمهد موقف نتنياهو الضعيف الطريق نحو تحسين علاقته مع الرئيس الأمريكى، إن لم يكن نحو إعادة تشكيل تلك العلاقات، حسب التعبير الذى تستخدمه الإدارة منذ فترة طويلة. وإذا حاول نتنياهو كما يتوقع بعض المحللين أن يشكل ائتلافًا يضم الوسط واليمين الإسرائيلى بحيث يشمل يائير لابيد، الذى فاز حزبه "هناك مستقبل" ب19 مقعدًا من أصل 120 مقعدًا فى البرلمان، فقد يخفف ذلك من حدة الأطراف الأكثر تشددًا فى ائتلاف اليمين الحالى الذى يرأسه نتنياهو. وبإمكان لابيد أن يدفع حكومة جديدة فى الاتجاه الذى يقلل من أسباب التوتر التى ظلت قائمة لفترة طويلة مع أوباما، وعلى سبيل المثال، فإن لديه حرصاً على إيجاد وظائف وتوفير مساكن أكثر من اهتمامه فى توسيع البناء فى المستوطنات الإسرائيلية فى الضفة الغربية، وهى مصدر احتكاك متكرر بين أوباما ونتنياهو. وقد يجد نتنياهو نفسه، بعد مغادرة إيهود باراك، الجنرال السابق الصقورى، منصبه وزيرًا للدفاع، أبعد إلى حد ما عن الضغوط للتفكير فى تسديد ضربة منفردة ضد إيران بسبب برنامجها النووى، وسيكون هذا مصدر ارتياح لدى البيت الأبيض الذى اضطر للتوسل إلى الإسرائيليين للتجمل بالصبر، فى الوقت الذى يقوم فيه بمتابعة جهود اللحظة الأخيرة الدبلوماسية مع طهران. وقال آرون ديفيد ميلر، المفاوض لفترة طويلة فى قضية الشرق الأوسط: "ترؤس نتنياهو وهو فى موقف ضعيف لحكومة تضم بعض عناصر الوسط هو أفضل نتيجة يمكن للبيت الأبيض أن يتوقعها، إذ أن ذلك يمنح الإدارة الأمريكية فرصة أفضل لتحاشى الحرب ضد الإيرانيين وللمحافظة على فرصة إحلال السلام مع الفلسطينيين". وقال ميلر: إن أكثر النتائج التى تشيع التفاؤل ستكون على غرار علاقة "الزوجين المتنافرين" بين أوباما ونتنياهو، يخفيان فيها خلافهما حول قضايا مثل المستوطنات، ولكن يعرفان كيف يتناولانها بمهارة أفضل. ولن يكون هذا خطوة بسيطة، على ضوء الشكوك المتبادلة التى عانت منها علاقاتهما، وقد ظهرت على المسئولين فى البيت الأبيض علامات الغضب والتعجب أثناء الحملة الرئاسية عندما تبين أن نتنياهو يؤيد رومنى، بدعوته له لتناول العشاء فى منزله خلال زيارة المرشح الجمهورى إلى مدينة القدس فى يوليو الماضى. ورد أوباما على هذه المكرمة خلال الانتخابات الإسرائيلية، حسب اعتقاد أعضاء حزب "الليكود" عندما نشر جيفرى غولدبرغ، الصحفى الأمريكى الذى كثيراً ما يتناول شئون إسرائيل فى كتاباته، مقالًا قال فيه إن الرئيس حمل على نتنياهو عندما أعلنت الحكومة الإسرائيلية عن خططها لبناء مستوطنة فى المنطقة المتنازع عليها "اى-1" فى الضفة الغربية. ونقل غولدبرغ عن أوباما قوله فى أكثر من مناسبة: "لا تدرك إسرائيل أين تكمن مصلحتها الاأضل"، ولم يؤكد البيت الأبيض أو ينفى تصريحات أوباما. لم يلبث نتنياهو بعد أيام سبقت الانتخابات وقال "المواطنون الإسرائيليون هم الذين سيقررون من الذى يمثل بأمانة المصالح الحيوية لإسرائيل"، وهو تذكير قوى بعلاقته الباردة مع رئيس أكثر حلفاء إسرائيل أهمية. وفيما كان القادة الإسرائيليون فى الماضى، بمن فيهم نتنياهو نفسه أثناء توليه فى السابق منصب رئيس الوزراء، يعاقبون من جانب الناخبين الإسرائيليين على سوء إدارتهم لعلاقاتهم مع الرؤساء الأمريكيين. ومع ذلك فإن السفير الأمريكى السابق لدى إسرائيل مارتن إنديك يقول: "إن لجمهور الإسرائيلى يهتم بالعلاقة (بين رئيس الوزراء الإسرائيلى والرئيس الأمريكى)، ولم يسعفه أنه أساء التعامل معها، وكان هناك تذكير بمدى السوء الذى تعامل فيه معها عشية الانتخابات". ويقول أيضًا: إن من بين المسائل المحيرة، ما إذا كان لابيد سيصر على الحصول على تنازلات مقابل الانضمام إلى ائتلاف مع نتنياهو، مثل تجميد البناء الاستيطانى، وفى الوقت الذى صب حزب لابيد اهتمامه على أمور مثل الوظائف والإسكان، فإن اتخاذ موقف من المستوطنات سيطلق شرارة الانفصال عن أجندة اليمين. غير أنه ليس هناك من يتكهن بأن حكومة إسرائيلية جديدة ستعمد فجأة إلى السماح لأوباما أن يعيد الأضواء نحو هدفه فى ولايته الأولى للتوصل إلى اتفاق سلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، إذ أن حزب لابيد لم يحقق فوزه بالدعوة لإحياء محادثات السلام التى ظلت غائبة لفترة طويلة، فالأجواء السياسية للطرفين تظل معادية لمثل هذه الخطوة. كما أنه لا يبدو أن هناك احتمالات بأن يعمد أوباما، بعد الإحباط الذى أصيب به فى ولايته الأولى، إلى الضغط بقوة من أجل تحقيق السلام فى الشرق الأوسط، وقلما يشير الرئيس إلى هذا الموضوع فى الأيام الحالية. وبينما قال إنديك: إن السيناتور جون كيرى، الديمقراطى من ولاية مساشوسيتس، المرشح لخلافة هلارى رودهام كلينتون فى منصب وزير الخارجية، سيجازف للمحافظة على حل الدولتين، فإن من غير المرجح أن يحقق إنجازًا اكبر مما حققته كلينتون. أما ميلر، وهو الآن فى مركز وودرو ويلسون الدولى، فقال: إنه يكاد لم يشاهد أى علاقة غير فاعلة باستمرار كتلك التى بين أوباما ونتنياهو، وما كان فوز مؤزر لنتنياهو إلا ليزيد من تعاظم تلك التوترات. ورغم ذلك فقد تكون أمام نتنياهو، والنتيجة المتواضعة التى حجمته، فرصة لرأب الصدع، حسب قول ميلر. وقال: "ما يحمله أنباء طيبة إلى نتنياهو، إذا هو تمكن من تشكيل ائتلاف، هو أن حكومة ذات قاعدة أعرض ستخفف من التوتر وتجعل من السنوات الأربع المقبلة مسارًا أقل صعوبة، وسيكون بإمكان نتنياهو أن يعمل فى إطار علاقة أكثر فاعلية مع الولاياتالمتحدة".