لم يعد مشهد العنف داخل المدارس أمرًا نادر الحدوث، بل تحوّل في الأسابيع الأخيرة إلى ظاهرة مقلقة دفعت المجتمع كله للتساؤل: ماذا يحدث داخل عقول المراهقين؟ وكيف تحوّلت ساحات العلم إلى ساحات للعنف والدماء؟ ففي أقل من شهر، شهدت مصر أكثر من ثلاث جرائم مؤلمة أبطالها طلاب في عمر الزهور، لكنها كشفت عن خلل تربوي ونفسي خطير يهدد جيلًا كاملًا إن لم تتم مواجهته بوعي وجدية. من حادث الإسماعيلية إلى حوادث المدارس الأخرى البداية كانت من حادث الإسماعيلية الذي هزّ الرأي العام، حين أقدم طالب مراهق على قتل زميله داخل المدرسة بعد مشادة بينهما. المتهم في اعترافاته أشار إلى أنه تأثر بما يشاهده من أفلام وألعاب مليئة بالعنف والدماء، وهو ما دفع الكثيرين للتفكير في تأثير التكنولوجيا والإعلام على عقول أبنائنا. وقبل هذا الحادث بأيام، وقعت مأساة أخرى حينما انهال مجموعة من الطلاب بالضرب على زميلهم حتى الموت لأنه رفض دفع "إتاوة" كانوا يفرضونها عليه يوميًا داخل المدرسة، في صورة صادمة من صور التنمر والتسلط بين المراهقين. ولم تتوقف سلسلة المآسي، فهناك تلميذ فارق الحياة بعد إصابته بنزيف داخلي إثر ارتطامه بمقعد أثناء مشاجرة مع زملائه داخل الفصل، ومراهق آخر استخدم آلة حادة (كتر) لتشويه وجه زميله، ما تسبب له في إعاقة دائمة وتشويه نفسي وجسدي لا يُمحى بسهولة.
تلك الوقائع ليست حوادث فردية كما يظن البعض، بل جرس إنذار قوي على انهيار منظومة القيم في بيئة المراهقين داخل الأسرة والمدرسة والمجتمع.
ما وراء العنف.. من منظور نفسي أكد الدكتور أحمد فهمي استشاري الطب النفسي، أن المراهقة مرحلة غليان داخلي وصراع بين الطفولة والبلوغ، يعيش فيها الشاب حالة من الارتباك في المشاعر والهوية والسلوك. وحين يغيب التوجيه الأسري والتربوي، تتضخم هذه الاضطرابات لتتحول إلى عنف وعدوان على الذات أو الآخرين.
من أبرز الأسباب النفسية التي تفسّر سلوك العنف بين المراهقين: الحرمان العاطفي: المراهق الذي لم يتلقّ حبًا واحتواءً كافيًا في البيت غالبًا ما يعبّر عن غضبه وعدوانه في الخارج، لأنه يبحث عن توازن نفسي مفقود.
النماذج السلبية داخل الأسرة: الطفل الذي يرى أباه يصرخ أو يضرب أو يستخدم القوة لحل الخلافات يتعلم تلقائيًا أن العنف وسيلة مقبولة للتعبير عن الغضب.
التأثر بالمحتوى الإلكتروني العنيف: كثير من الألعاب والأفلام اليوم تعتمد على القتل والمطاردة والثأر كوسيلة للانتصار، ومع التكرار يصبح المراهق فاقد الحس بالفرق بين الخيال والواقع.
غياب الإحساس بالأمان النفسي: المراهق الذي يعيش في بيئة مليئة بالصراخ أو المقارنة أو الإهمال يشعر بالتهديد الدائم، فيتحول دفاعه الطبيعي إلى عدوان.
الرغبة في لفت الانتباه: أحيانًا يتحول العنف إلى وسيلة للحصول على الاعتراف أو الاحترام وسط المجموعة، خصوصًا في ظل ضعف التواصل الأسري وفقدان القدوة.
الاضطرابات السلوكية غير المكتشفة: بعض المراهقين يعانون اضطرابات في التحكم بالانفعالات أو نقص التعاطف نتيجة عوامل نفسية لم يتم علاجها في الوقت المناسب. التعامل مع المراهق المنظور التربوي: خلل في منظومة القيم والتعليم
أما الدكتورة عبلة ابراهيم استاذ التربية ومستشارة العلاقات الأسرية، فأشارت إلى أن هذه الجرائم ليست إلا انعكاسًا لفشل مزدوج في الأسرة والمدرسة. فالأسرة في كثير من الأحيان تكتفي بتوفير الماديات، بينما يغيب دورها في غرس القيم وضبط السلوك. وفي المقابل، المدرسة أصبحت منشغلة بالتحصيل الدراسي فقط، دون اهتمام ببناء الشخصية أو الجانب الوجداني للطلاب.
هناك عدة عوامل تربوية تساهم في تفشي العنف بين المراهقين، ومنها ما يلي:
ضعف التنشئة الأخلاقية: لم تعد القيم مثل التسامح والاحترام تُغرس في نفوس التلاميذ كما كانت من قبل، وغابت القدوة سواء من البيت أو من المعلمين.
غياب الأنشطة الوجدانية: المدرسة اليوم نادرًا ما تقدّم أنشطة رياضية أو فنية تفرغ طاقة المراهق بشكل صحي، ما يجعله يفرّغها في سلوك عدواني.
ازدحام الفصول وإهمال الدعم النفسي: في ظل كثافة الطلاب وغياب الأخصائي النفسي المؤهل، يصعب اكتشاف السلوك العدواني مبكرًا قبل أن يتحول إلى خطر فعلي.
تدهور العلاقة بين المعلم والطالب: حين يشعر المراهق بأن معلمه لا يحترمه أو لا يستمع إليه، يفقد ثقته في السلطة المدرسية ويتمرّد عليها.
التساهل في العقاب التربوي: بعض المدارس تكتفي باللوم اللفظي أو الفصل المؤقت، مما يفقد العقاب أثره التربوي ويشجع على التمادي في الخطأ.
التكنولوجيا.. المعلم الخفي للعنف لا يمكن إنكار الدور الكبير للتكنولوجيا الحديثة في تشكيل وعي المراهقين. فمعظمهم يقضي ساعات طويلة أمام الشاشات دون رقابة، يتلقون خلالها محتوى عنيفًا أو تحريضيًا دون وعي بخطورته.
الألعاب الإلكترونية على وجه الخصوص تعمل على تعزيز مفهوم "الانتصار بالقوة"، وتكافئ اللاعب عندما يقتل أو يدمر، فيترسخ لديه أن العنف وسيلة مشروعة للحصول على ما يريد. ومع الوقت، يفقد المراهق حسّ التعاطف، وتصبح مشاهد الدم والألم مألوفة لا تثير بداخله أي مشاعر إنسانية.
العنف كنتيجة وليس سببًا من منظور علم النفس، السلوك العدواني لا يظهر فجأة، بل هو نتيجة تراكم طويل من الإحباط والرفض والإهمال. كل مراهق متورط في العنف هو في الأصل ضحية قبل أن يكون جانيًا؛ ضحية بيئة أسرية متوترة، أو تعليم قاسٍ، أو محتوى إعلامي مشوّه.
الإنسان لا يولد عنيفًا، بل يُشكَّل عنفه حين لا يجد من يسمعه أو يحتويه أو يوجهه. لذلك، فإن مكافحة العنف بين المراهقين لا تبدأ من العقوبة، بل من العلاج والوقاية والتربية الواعية.
الحلول من منظور نفسي وتربوي
وتقدم الدكتورة عبلة الحلول، وتؤكد أنه لمعالجة جذور هذه الظاهرة، لابد من خطة متكاملة تتعاون فيها الأسرة والمدرسة والمجتمع:
أولًا: على مستوى الأسرة تخصيص وقت يومي للحوار مع الأبناء، وسماعهم دون أحكام. التعبير عن الحب والاحتواء بالقول والفعل، وعدم الاكتفاء بالإنفاق المادي. وضع حدود واضحة للسلوك مع الالتزام بالعدل والاحترام. مراقبة المحتوى الإلكتروني الذي يتابعه الأبناء بطريقة واعية غير متسلطة. تقديم القدوة في كيفية إدارة الغضب وحل الخلافات داخل المنزل.
ثانيًا: على مستوى المدرسة تفعيل دور الأخصائي النفسي والاجتماعي بشكل حقيقي، وليس شكليًا. إدراج برامج ثابتة لتعليم مهارات التسامح، ضبط النفس، وحل النزاعات بالحوار. تنظيم أنشطة فنية ورياضية تساعد الطلاب على تفريغ طاقاتهم. عقد ندوات توعوية للطلاب وأولياء الأمور حول مخاطر العنف الإلكتروني. تطبيق لوائح انضباط تربوية عادلة وحازمة في آن واحد.
ثالثًا: على مستوى الإعلام والمجتمع الحد من تمجيد العنف في الدراما والألعاب والإعلانات. تقديم حملات إعلامية إيجابية تشجع على القيم والسلوك السليم. تشجيع المبادرات الشبابية التي تنشر ثقافة الحوار والسلام النفسي.
مراهق اليوم.. مشروع إنسان الغد ما يحدث اليوم داخل المدارس ليس مجرد حوادث متفرقة، بل انعكاس مباشر لحالة مجتمعية عامة. المراهق الذي يتعلم أن القوة هي وسيلة لحل الخلاف، سيحمل هذا المبدأ معه إلى المستقبل، فيصبح شابًا غاضبًا لا يعرف سوى لغة العنف.
أما إذا وجد في بيئته من يحتضنه ويُشعره بقيمته، فسيتحول إلى إنسان متوازن قادر على الحب والعطاء. لذلك، فإن مستقبل المجتمع مرهون بكيفية تعاملنا اليوم مع هؤلاء المراهقين. تكرار جرائم العنف بين المراهقين خلال فترة قصيرة لا يمكن التعامل معه كأحداث عابرة، بل هو جرس إنذار حقيقي يستدعي إعادة النظر في أساليب التنشئة والتربية. فالعنف لا يُولد في لحظة، بل يُزرع في النفوس منذ الصغر، وينمو بصمت حين يغيب الحب والتربية والقدوة.
إن مواجهة هذه الظاهرة تتطلب وعيًا مجتمعيًا شاملًا يضع التربية قبل التعليم، والاحتواء قبل العقاب، والحوار قبل الحكم. فالمراهق ليس خصمًا، بل عقل وقلب يحتاجان إلى من يفهمهما قبل أن يوجّههما.
ونقدم لكم من خلال موقع (فيتو)، تغطية ورصدًا مستمرًّا على مدار ال 24 ساعة ل أسعار الذهب، أسعار اللحوم ، أسعار الدولار ، أسعار اليورو ، أسعار العملات ، أخبار الرياضة ، أخبار مصر، أخبار اقتصاد ، أخبار المحافظات ، أخبار السياسة، أخبار الحوداث ، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الدوريات العالمية مثل الدوري الإنجليزي ، الدوري الإيطالي ، الدوري المصري، دوري أبطال أوروبا ، دوري أبطال أفريقيا ، دوري أبطال آسيا ، والأحداث الهامة و السياسة الخارجية والداخلية بالإضافة للنقل الحصري ل أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية والأدبية. تابع موقع فيتو عبر قناة (يوتيوب) اضغط هنا تابع موقع فيتو عبر قناة (واتساب) اضغط هنا تابع موقع فيتو عبر تطبيق (نبض) اضغط هنا تابع موقع فيتو عبر تطبيق (جوجل نيوز) اضغط هنا