العاهل السعودى الملك فيصل بن عبدالعزيز- رحمه الله- كانت له مواقفه العظيمة في حرب أكتوبر 1973، فسياسات الملك الراحل وتصوراته تدل على أنه زعيم عربى وإسلامى شديد الورع والتدين ومهموم بقضايا أمته.. ولعب الملك السعودى الراحل دورًا كبيرًا في دعم انتصار العرب في حرب أكتوبر 1973، حيث هدد الغرب والولاياتالمتحدةالأمريكية بمنع تدفق البترول لهم إذا قدما مساعدات لإسرائيل. وعندما أقامت الولاياتالمتحدةالأمريكية جسرًا جويًا لإمداد إسرائيل بالسلاح تعويضًا لما دمر في الحرب، قام الملك فيصل بإيقاف تدفق البترول للغرب وجن جنون العالم، وكان أبلغ ما تناقلته صحف العالم صورة رئيس وزراء بلجيكا وهو يقود دراجته متوجهًا إلى مقر رئاسة الوزراء، طالبًا أفراد شعبه بأن يتحلوا بالصبر، وأن يقتدوا به إزاء الأمر الراهن. وخرجت في الولاياتالمتحدةالأمريكية تظاهرات أجبرت الرئيس الأمريكي أن يقوم بزيارة عاجلة إلى منطقة الشرق الأوسط قاصدًا المملكة العربية السعودية كأول رئيس أمريكي يزور هذه المنطقة في ذروة الحرب الباردة، واستقبله الملك فيصل في مطار جدة، وفي الاجتماع المغلق بين الزعيمين كان الملك فيصل قد طلب أن يُوضع أناء وبه "لبن" وآخر "بالتمر" وعند دخولهما مقر الاجتماع قال له الملك فيصل: "لقد عاش آبائي وأجدادي على هذا الذي أمامك، وأيضا كان شعبي ولا أمانع من العودة إليه".. فرد الرئيس الأمريكي "ألا تخشى من تجميد الأموال التي في بنوكنا..؟!" فرد عليه:" لك ما تشاء، ولكن ما هو رأى شعب الولاياتالمتحدةالأمريكية وأيضا حلفائكم؟" وأنهي الاجتماع. وفى مذكرات هنرى كيسنجر وزير الخارجية الأمريكى الأسبق حلل كيسنجر أوضاع المنطقة عقب وفاة عبد الناصر، وخرج بنتيجة مفادها أن الوقت أصبح مناسبا للوصول لحل سلمى للصراع بين مصر وإسرائيل بشرط أن يكون هذا الحل أمريكى، وبثلاثة شروط أولها طرد النفوذ السوفيتى من المنطقة كلها، وثانيها ضمان أن تبقى مصر ضعيفة وبلا نفوذ في العالم العربى، وثالثها اظهار التجربة الثورية التي قادها عبد الناصر في مظهر التجربة الفاشلة. وخلف السادات الرئيس عبد الناصر، وكانت علاقته بالملك فيصل قوية، فالسادات في مذكراته يشير إلى صداقته بالملك فيصل منذ كان الأخير وليا لعهد المملكة العربية السعودية وكان السادات يعمل سكرتيراً للمؤتمر الإسلامى.. ويقول السادات، إنه ظل صديقًا للملك فيصل برغم حرب اليمن، التي كانت مصر والسعودية خلالها في معسكرين متصارعين، وكان السادات هو المسئول السياسي من الجانب المصرى عن الثورة اليمنية، كما ربطت صداقة وثيقة بين السادات وكمال أدهم مستشار الملك فيصل ومدير المخابرات السعودية وهمزة الوصل بين المخابرات السعودية والمخابرات المركزية الأمريكية وتوثقت هذه الصداقات خلال حرب اليمن. ويقول السادات في مذكراته، إنه عرف أن الملك فيصل قال ( إذا أراد الله بمصر خيرا يحكمها السادات"، وفى نوفمبر 1970 يزور كمال أدهم مصر ويلتقى الرئيس السادات وينقل له نصائح الملك فيصل، ويبدى السادات تجاوبه مع إحدى النصائح. وواصل الملك فيصل دعمه السادات ولم يكن وحده الداعم بل شاركه معظم الزعماء العرب (الرئيس معمرالقذافى، والرئيس هوارى بومدين، والرئيس أحمد حسن البكر)، حيث دعموا مصر وقواتها المسلحة اقتصاديا وعسكريًا بعدما أدرك الجميع أن الحرب هي السبيل الوحيد للبحث عن حل للصراع العربى الإسرائيلى. وعندما اتخذ الرئيس السادات قرار الحرب، في 6 أكتوبر 1973، استطاعت القوات المسلحة المصرية والسورية تحقيق انتصارات واضحة على جبهتى القتال، وبالذات على الجبهة المصرية التي شهدت عملية العبور العظيم، ولكن بعد قرار السادات بالوقفة التعبوية الذي أتاح لإسرائيل فرصة الانفراد بالجبهة السورية، ثم قراره المتأخر بتطوير الهجوم نحو المضايق وحدوث ثغرة الدرفسوار، بدأت الأمور تتأزم على الجبهات العربية وأستعادت إسرائيل زمام المبادأة خاصة مع الدعم العسكري الأمريكى لنجدتها من كارثة الأيام الأولى للمعركة. وفى يوم 17 أكتوبر، وعقب طلب الرئيس السادات من الملك فيصل أن يستخدم سلاح البترول في المعركة، اجتمع وزراء البترول العرب (الأوابك) في الكويت وقرروا تخفيض الإنتاج الكلى العربى بنسبة 5% فورا، وتخفيض 5% من الإنتاج كل شهر حتى تنسحب إسرائيل إلى خطوط ما قبل يونيو 1967. ثم قررت ست دول بترولية من الاوبك رفع سعر بترولها بنسبة 70%، وقررت بعض الدول العربية حظر تصدير البترول كلية إلى الدول التي يثبت تأييدها لإسرائيل بما فيها الولاياتالمتحدة، واستدعى الملك فيصل السفير الأمريكى في السعودية وأبلغه رسالة للرئيس نيكسون تحتوى على ثلاث نقاط: الأولي: إذا استمرت الولاياتالمتحدة في مساندة إسرائيل، فإن العلاقات السعودية الأمريكية قد تتعرض للمشاكل، ثانيًا: إن السعودية سوف تخفض إنتاجها بنسبة 10% وليس فقط 5% كما قرر وزراء البترول العرب، ثالثًا: ألمح الملك إلى احتمال وقف شحن البترول السعودى إلى الولاياتالمتحدة إذا لم يتم الوصول إلى نتائج سريعة وملموسة للحرب الدائرة. واعتبر كيسنجر هذه القرارات ماسة بكرامة وهيبة الولاياتالمتحدة كقائدة للعالم، ووجد أن استخدام البترول كسلاح أمراً بالغ الخطورة، لأنه يعكس نزعتهم إلى محاولة السيطرة على الغرب، ولأن منتجى البترول، ولأول مرة في التاريخ أعطوا أنفسهم حق تحديد سعر البترول. وفى يوم 20 أكتوبر أعلنت الولاياتالمتحدة أنها ستدعم إسرائيل بمبلغ 2 مليار و100 مليون دولار كشحنات أسلحة جديدة، وفى نفس اليوم أعلنت الدول العربية حظر تصدير بترولى كامل على الولاياتالمتحدةالأمريكية، هذه هي وجهة النظر السائدة لقرار استخدام سلاح البترول في حرب أكتوبر 1973. وركز الرئيس السادات على دور الملك فيصل في دعم مصر، وصرح الملك فيصل عندما تم اتخاذ قرار الحظر البترولى الشامل على الولاياتالمتحدة بأن الحظر لن يرفع قبل انسحاب إسرائيل من كل الأراضى العربية التي احتلت عام 1967. وبعد انتهاء حرب أكتوبر 73 استمر توقف البترول عن الغرب وزاد سعره أضعاف أضعاف ما كان عليه، وكان للملك فيصل موقف آخر عندما قال وزير خارجية أمريكا آئنذاك هنري كسينجر حين زارالمملكة طالبًا استعادة ضخ البترول أوائل عام 1975، قال له الملك فيصل: "عيد الأضحى قادم يجب أن تسلمني مفاتيح القدس فإنى أنوى أن أصلى العيد في الأقصى، ولا يهمنى الرأي العام الأمريكى الذي تتشدقون به فقد صبرت عليكم ثلاثين عاما اتهمت فيها بلادي بالرجعية والتخلف والعمالة ولم أعد أحتمل صداقة لا فائدة لبلادي من ورائها ولا أسمع غير المواعيد التي لا تنفذ". وعندما هددت الدول الغربية باستخدام القوة للسيطرة على منابع البترول، قال الملك فيصل:" ماذا يخيفنا، هل نخشى الموت وهل هناك أفضل ولا أكرم عند الله من أن يموت الإنسان بالشرف والكرامة"، وبعدها بعث الرئيس الأمريكى للملك فيصل برقية عاجلة عن حرب 73 يناشده فيها التدخل لما له من ثقل عربي وعالمي، فرد عليه الملك فيصل ببرقية كتب فيها: "فخامة الرئيس: إن الشعوب العربية تمارس حقها الطبيعي في استرداد أراضيها"، وقام وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل- ابن الملك فيصل- باستعادة مواقف والده ليقف مساندًا وداعما للموقف المصري الحالي بشكل قوي، حيث استبق الأمير سعود الاجتماع الذي كان مزمع أن تعقده دول الاتحاد الأوربي لبحث تطورات الأوضاع في مصر وقام بزيارة لباريس ألتقى فيها الرئيس الفرنسي "فرانسوا أولاند"، ليشرح للفرنسيين حقيقة تطورات الأحداث في مصر، وتأكيد تأييد المملكة لما قامت به الحكومة المصرية من إجراءات ضد تنظيم الإخوان المسلمين، حتى تنقل فرنسا إلى الدول الأوربية وجهة النظر السعودية إلى شركائها الأوربيين الذين يهددون بفرض عقوبات على مصر.. وقام الفيصل بالتحذير من أن "هذه المواقف إذا استمرت لن ننساها ولن ينساها العالم العربي والإسلامي.