مصر شكّلت لاعبًا محوريًّا في التفاعلات السياسية على المستويين الإقليمي والدولي.. فمنذ فجر التاريخ ارتبط اسمها بمفهوم الجسر بين الحضارات، حيث التقت على أرضها طرق التجارة والثقافة والسياسة.. واليوم، وفي عالم تتسارع فيه الاستقطابات بين الشرق والغرب، تظهر الدبلوماسية المصرية كأحد النماذج الأكثر تميزًا في فن التوازن بين القوى العظمى، مع الحفاظ على الاستقلالية في القرار الوطني والسعي لحماية المصالح القومية العليا. وفى الحقيقة أرى أنه لم يكن التوازن الدبلوماسي مجرد خيار مؤقت لمصر، بل هو إرث راسخ في سياستها الخارجية.. فمنذ عصر محمد علي في القرن التاسع عشر، حاولت مصر الإفلات من الهيمنة العثمانية المباشرة عبر الانفتاح على أوروبا، وفي الوقت ذاته بناء قوة داخلية تجعلها لاعبًا إقليميًا مستقلًا. ثم فى العصر الحديث رفضت مصر أن تكون أداة في يد المعسكر الغربي أو الشرقي أثناء الحرب الباردة، وساهمت فى تأسيس حركة عدم الانحياز، لتصبح القاهرة عاصمة الحياد الإيجابي. ومنذ ذلك الوقت، ترسخت صورة مصر كدولة تحاول الجمع بين الانفتاح على الغرب والتمسك بحقها في علاقات متوازنة. ورغم الضغوط السياسية في ملفات مثل حقوق الإنسان أو الموقف من بعض القضايا الإقليمية، نجحت مصر في تفادي القطيعة أو التبعية الكاملة. فمصر تدرك أهمية دول القوى عظمى، لكنها في الوقت ذاته تعي أن الاعتماد المفرط عليها قد يضر بقدرتها على المناورة. ومنذ بداية الألفية الثالثة، ومع تراجع الهيمنة الأمريكية الأحادية، أعادت مصر إحياء شراكتها مع موسكو. في المجال العسكري، وعلى الصعيد الاقتصادي، وعلى سبيل المثال لا الحصر تجسّد التعاون في مشروع محطة الضبعة النووية، الذي يعكس ثقة متبادلة ورغبة في تنويع مصادر التكنولوجيا والطاقة. هذا الانفتاح على روسيا أعطى مصر أوراق قوة إضافية في مواجهة الضغوط الغربية، وأكد أن مصر لا تميل الى طرف واحد. وفي الوقت ذاته، حافظت مصر على علاقات متوازنة مع أوروبا، خاصة فرنسا وألمانيا، لتعزيز التعاون في مجالات الطاقة والبنية التحتية ومكافحة الإرهاب. وإذا كان القرن العشرين قد شهد استقطابًا بين واشنطنوموسكو، فإن القرن الحادي والعشرين يشهد صعودًا لشرق آسيا بقيادة الصين. وهنا لم تتردد مصر في الانفتاح على بكين، خاصة مع مبادرة الحزام والطريق، التي ترى مصر نفسها جزءًا أساسيًا منها بفضل موقعها الجغرافي وقناة السويس. فالصين اليوم واحدة من أكبر المستثمرين في مصر، خصوصًا في المنطقة الاقتصادية لقناة السويس، إضافة إلى دورها المتزايد في مشروعات البنية التحتية والطاقة المتجددة. وبذلك، تعزز مصر مكانتها كنقطة التقاء بين الشرق الصاعد والغرب التقليدي. ولا تقتصر دبلوماسية مصر على القوى الكبرى فقط، بل تشمل كذلك دوائرها الإقليمية. ففي إفريقيا، تولي مصر أهمية خاصة لعلاقاتها مع دول حوض النيل، حيث تعتبر قضية المياه والأمن المائي مسألة وجودية. وفي العالم العربي، ما زالت مصر تتحمل مسؤولية دورها التاريخي كقلب المنطقة، من دعم القضية الفلسطينية إلى السعي لتسويات في ليبيا والسودان واليمن. إن نجاح مصر في الحفاظ على مكانتها الدولية مرهون بقدرتها على تعزيز نفوذها الإقليمي، لأن العالم ينظر إلى قوة الدولة من خلال مدى تأثيرها في محيطها المباشر.. وأرى أنه لتحقيق هذا التوازن، تعتمد مصر على عدة أدوات: منها الحياد الإيجابي وعدم الانحياز التام لأي طرف مع القدرة على لعب دور الوسيط. والتنوع في التحالفات بشبكة واسعة من العلاقات مع قوى متعددة في الشرق والغرب، بالاضافة إلى القوة الناعمة عبر الثقافة والفن والتعليم والأزهر الشريف والكنيسة المصرية، ولا يفوتنى أن أشير إلى الموقع الجغرافي وقناة السويس التي تمنح مصر ورقة ضغط استراتيجية في التجارة العالمية بالاضافة الى عامل هام ألا وهو المؤسسة العسكرية كعامل قوة يفرض احترام مصر في أي معادلة إقليمية. ورغم نجاح هذه الاستراتيجية، تواجه الدبلوماسية المصرية تحديات كبرى منها محاولة الاستقطاب الدولي، والحرب الروسية الأوكرانية حيث وضعت مصر أمام اختبار صعب في الموازنة بين مصالحها مع موسكو وضغوط الغرب.. ولكنها تسير بمنهج دبلوماسي رائع. بالاضافة إلى التحولات في الطاقة، فالمنافسة العالمية على الغاز في شرق المتوسط تجعل مصر في قلب صراع إقليمي ودولي، بل وتحدى العالم كله ينظر إليه ألا وهو القضية الفلسطينية واستمرار التوترات يجعل مصر مطالبة بحق الشعوب وسيادة الدول ورفض التهجير والوصول إلى حل الدولتين، وهو ما يرهق دبلوماسيتها. أما الاقتصاد الداخلي.. فنجاح السياسة الخارجية مرتبط بقدرة الاقتصاد المصري على الصمود أمام الضغوط الداخلية والخارجية. ورغم هذه التحديات، فهناك فرص حقيقية أمام الدبلوماسية المصرية منها الوساطة الدولية: مصر مؤهلة للعب دور الوسيط في أزمات الشرق الأوسط وإفريقيا بفضل علاقاتها المتوازنة والموقع الاستراتيجي حيث تطوير محور قناة السويس ليصبح مركزًا عالميًا للتجارة واللوجستيات. التكامل الإفريقي: استثمار رئاسة مصر السابقة للاتحاد الإفريقي لتعزيز نفوذها في القارة. وفى مجال التكنولوجيا والطاقة حيث التعاون مع الشرق (الصين والهند) والغرب (أوروبا وأمريكا) في مجالات الابتكار والطاقة النظيفة. وأخير أختم مقالى هذا بأن الدبلوماسية المصرية اليوم ليست مجرد رد فعل على المتغيرات الدولية، بل هي استراتيجية واعية تقوم على التوازن.. فمصر لا تريد أن تكون تابعًا لواشنطن، ولا أسيرة لموسكو أو بكين، بل تسعى أن تكون لاعبًا مستقلًا يُحسب له حساب. وفي عالم يتسم بالسيولة وعدم اليقين، قد يكون النموذج المصري القائم على التوازن بين الشرق والغرب واحدًا من أكثر النماذج قدرة على الصمود، ليس فقط لحماية المصالح الوطنية، بل أيضًا للمساهمة في استقرار منطقة تعج بالصراعات. ويحكي التاريخ عن الوعي الجمعي للمصريين العذراء مريم.. رمز البركة في قلوب المصريين ويبقى السؤال أمامنا مطروحا عزيزى القارىء: هل تستطيع مصر الحفاظ على هذا التوازن في ظل تفاقم الصراع بين الشرق والغرب، أم أن ضغوط الواقع تجعلها في المستقبل تميل للانحياز لطرف بعينه؟! والإجابة اتركها لعقل القارئ طبقا للمشهد الآنى ولتاريخ دولة بحجم وطننا الحبيب. ونقدم لكم من خلال موقع (فيتو)، تغطية ورصدًا مستمرًّا على مدار ال 24 ساعة ل أسعار الذهب، أسعار اللحوم ، أسعار الدولار ، أسعار اليورو ، أسعار العملات ، أخبار الرياضة ، أخبار مصر، أخبار اقتصاد ، أخبار المحافظات ، أخبار السياسة، أخبار الحوداث ، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الدوريات العالمية مثل الدوري الإنجليزي ، الدوري الإيطالي ، الدوري المصري، دوري أبطال أوروبا ، دوري أبطال أفريقيا ، دوري أبطال آسيا ، والأحداث الهامة و السياسة الخارجية والداخلية بالإضافة للنقل الحصري ل أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية والأدبية. تابع موقع فيتو عبر قناة (يوتيوب) اضغط هنا تابع موقع فيتو عبر قناة (واتساب) اضغط هنا تابع موقع فيتو عبر تطبيق (نبض) اضغط هنا تابع موقع فيتو عبر تطبيق (جوجل نيوز) اضغط هنا