إن مَثَلَ الحياةِ الدنيا -عندي- كفتاةِ الحي، فتاة آية في الحُسن والجمال، حين تمشي في الشارع وقد ارتدت ملابسها الفاتنة، ووضعت مساحيقها الزاهية البرَّاقة، وقوامها الممشوق، وعطرها الفوَّاح، وهي تتمايل في مشيتها، وتتخايل بسحر جمالها. كل العيون تكاد تقفز من النوافذ رغبة في اللحاق بها وقلوبهم تهفو حبا وشغفا ولهفة، وقد زاغت أبصارهم ووجلت افئدتهم، رجال ونساء كبارا وصغارا، الكل يراها بعين ذاته، ناظرا إلى ما يريد منها ويبتغي، الجميع يجري خلفها ويلهث، يتمناها لنفسه دون غيره، متبوعا خلف أهوائه ورغباته، يبغون رضاها وينشدون ودها وقد غرَّتهم زينتها ومباهجها وما يتَّبعون إلا الظن وهم عن حقيقتها غافلون مغَيبون لاهون. يبيت الجميع كلً بليلته حالما بنظرة رضا من تلك الفتاة الغرورة، حين يستيقظ أحدهم من سباته يفتح النافذة ويتلفت يمينا ويسارا، فإذا وقعت عيناه على تلك الفتاة فوجدها تبادله نظرة رضا؛ ابتهج وفرح وسُر قلبه وانتعش فؤاده، وازداد شغفا ورغبة.. وإذا ما نأت عنه وأعرضت بجانبها، ونظرت لغيره؛ أصابه النكد، وتلحَّفه الغم والهم، وازداد من اليأس كيلا ومن القنوط ما يكفي، على عكس حال غيره الذي كان الدور عليه في نظرة الفتاة الساحرة بابتسامتها فنال منها حظا. يتجلى هذا التناقض في المشهدين من سورة الفجر حيث يقول الله تعالى ناهيا عن الحالتين:{فَأَمَّا الْإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ﴾.. يفرح العبد إذا ابتسم له القدر، وييأس ويحبط إذا ضاق عليه رزقه!.
يقول قائل ألم يقل الله تعالى:{زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ}.. لاحظ أنه جاء عند الحرث وتوقف، وقبل أن نكمل الآية الكريمة دعوني أجتهد في الإشارة إلى حكمة الله في أن زيَّن وحسَّن في نفوسنا حب المال والنساء والبنين.
الله سبحانه عندما أراد خلق الإنسان خلق له الأرض وهيأها وجعلها في متناول يد الإنسان فخلق له الأنعام وأنزل المطر وأخرج الزرع بأنواعه، وخلق الله كل ما يُعين هذا الإنسان على البقاء فوق أرض الحياة الدنيا، ومن أجل بقاء الجنس البشري واستمرارية الحياة بالقدرة على المعيشة وتحمل صعابها وشقاءها.. لذلك كان لابد وأن يزين الله في قلب الإنسان ووجدانه حب المال للعمل لكسب هذا المال الذي يعينه على أعباء المعيشة، كذلك حب النساء وحب الأولاد للتكاثر والحفاظ على نسل بني البشر، كذلك حب الولد الذي يعمل ويكد ويتحمل أعباء أسرته ويكون سندا لأبيه، كذلك حب التملك للمقتنيات والعقارات والأراضي كل ذلك حتى لا ييأس الإنسان ويقنط وتصبح حياته بلا قيمة وبلا هدف. لكل ذلك ولغيره أراد الله أن يزين الناس هذه الأشياء المال والنساء وغيره من متاع الدنيا وزينتها، وكلمة متاع تحيلنا بدورها إلى قراءة بقية الآية الكريمة: (ذَٰلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ) ﴿14 آل عمران﴾.
ولتأكيد أن كل شيء بتدبير من الله سبحانه وتعالى وبيان قدرته على فعل كل شيء وهو السميع البصير؛ يقول الله تعالى في موضع قرآني آخر:{مَّن كَانَ يُرِيدُ ثَوَابَ الدُّنْيَا فَعِندَ اللَّهِ ثَوَابُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ۚ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا بَصِيرًا}.( النساء 134)..
الحياة الدنيا هي متاع الغرور، تغر الناس بزينتها ومباهجها، وتلهيهم عن الآخرة، الحياة الدنيا هي دار اختبار للإنسان، حيث يبتلى بالخير والشر، والمال والبنين، والصحة والمرض، وغيرها، وما زال القرآن يحذر من الاغترار بزينة الحياة الدنيا وملذاتها.
هكذا الحياة دواليك، هي مجرد أيام يداولها الله بين الناس، فلا تبقى دوما مع أحد دون غيره، فما الدنيا سوى مجموعة من الأحاسيس المتفاوتة والمختلفة، فرحا وحزنا، ضيقا وفرجا، رفاهية وكبدا، وهكذا نحن أمامها مختلفون في طباعنا، متفاوتون في رغباتنا، في أحلامنا، في أمانينا، كلٌ منّا يراها بعينه لا بعين غيره، ويحسّها بقلبه ووجدانه ويريدها لنفسه دون غيره، في حين هي لم تُخلق لأحد بعينه، بل خُلقت للجميع، جمالها زائف وبريقها زائل ومتاعها متاع غرور. اصطفانا فأورثنا الكتاب تشريفا وتكليفا الثانوية العامة دمار أعصاب وحلم كذاب هذه هي فتاة الحي وهذه هي الحياة الدنيا، لا يختلفان كثيرا، فكلنا بلا استثناء ندور في نفس الفلَك، فلَك الحياة؛ شاخصة أبصارنا تصارعنا أفكارنا، هو نفسه فلَك فتاة الحي التي خدعت الجميع بتمايلها وبريقها، جذبتنا بأكاذيبها وأوهامها، سحرنا جمالها المصطنع، وسحلنا سرابها البعيد، إلا من رحم ربي وهداه ورزقه الحكمة ووهبه العلم بحقيقة تداعيات الحياة الدنيا، وحقيقة الآخرة والعمل للفوز بجنتها. ونقدم لكم من خلال موقع (فيتو)، تغطية ورصدًا مستمرًّا على مدار ال 24 ساعة ل أسعار الذهب، أسعار اللحوم ، أسعار الدولار ، أسعار اليورو ، أسعار العملات ، أخبار الرياضة ، أخبار مصر، أخبار اقتصاد ، أخبار المحافظات ، أخبار السياسة، أخبار الحوداث ، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الدوريات العالمية مثل الدوري الإنجليزي ، الدوري الإيطالي ، الدوري المصري، دوري أبطال أوروبا ، دوري أبطال أفريقيا ، دوري أبطال آسيا ، والأحداث الهامة و السياسة الخارجية والداخلية بالإضافة للنقل الحصري ل أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية والأدبية. تابع موقع فيتو عبر قناة (يوتيوب) اضغط هنا تابع موقع فيتو عبر قناة (واتساب) اضغط هنا تابع موقع فيتو عبر تطبيق (نبض) اضغط هنا تابع موقع فيتو عبر تطبيق (جوجل نيوز) اضغط هنا