بحضور وزير الشئون النيابية.. "الشيوخ" يوافق نهائيًا على تعديل قانون نقابة المهن الرياضية    التموين تضخ زيوت الطعام بالمجمعات الاستهلاكية بخصومات تصل إلى 20%    أطباء بلا حدود: نتعرض لاعتداءات إسرائيلية ونواجه ضغوطا شديدة لإنهاء عمل المنظمة في غزة    حكايات الكان 2025| منتخب مصر يطارد النجمة الثامنة في سماء أفريقيا    تأجيل محاكمة سارة خليفة و27 متهما للغد لاستكمال مرافعات الدفاع    استقبال حار من عمر الفيشاوي لشقيقه أحمد بعزاء سمية الألفي    بعد مرور 25 عاما.. نيويورك تايمز تكشف عن أفضل 100 فيلم فى القرن ال 21    وزير العمل يصدر قرارًا لتحديد الجهة الإدارية المختصة بتقديم خدمات الوزارة    "هعيش حزين".. أول تعليق من أحمد الفيشاوي بعد وفاة والدته    جنايات الإرهاب تقضى بالمؤبد والسجن المشدد ل5 متهمين بخلية التجمع    يضم 950 قطعة أثرية.... محافظ المنيا يتفقد متحف آثار ملوي    رمضان عبدالمعز: احذر دعوة المظلوم ليس بينها وبين الله حجاب    تبدأ 10 يناير، ننشر جداول امتحانات الفصل الدراسي الأول للنقل ببني سويف    قائد أوغندا قبل مواجهة تونس: لن نكون لقمة سائغة لمنافسينا في أمم إفريقيا    مدبولي لسفير الإمارات: العلاقات بين القاهرة وأبوظبي نموذج للتعاون العربي    الدنمارك تستدعي السفير الأمريكي على خلفية تعيين مبعوث لجرينلاند    مفتي الجمهورية يبحث مع نظيره الماليزي سبل تعزيز التعاون المشترك    قبل بدء التصوير ..أيتن عامر تعتذرعن ظروف خاصة «حق ضايع»    في مشهد مهيب.. الأزهر ينجح في إخماد فتنة ثأرية بالصعيد    مجلس الوزراء يؤكد: أدوية البرد والأمراض المزمنة متوفرة بشكل طبيعي في الأسواق    مدرب نيجيريا قبل مواجهة تنزانيا: تركيزي منصب على الانتصار ولا أنشغل بمستقبلي    وزير الخارجية يؤكد على الأهمية المحورية للإعلام الوطني في دعم الأمن القومي المصري    الاثنين 22 ديسمبر 2025.. البورصة تعاود الهبوط    تصعيد إسرائيلي.. قوات الاحتلال تهدم مبنى سكنيا في القدس الشرقية    قصة قصيرة ..بدران والهلباوى ..بقلم ..القاص : على صلاح    فرحة وحيدة لمنتخب مصر في الاستضافة العربية لأمم أفريقيا    مدير تعليم الجيزة يواصل سياسة العمل الميداني بزيارة مفاجئة لإدارتي «العياط والصف»    هل طلب بيراميدز ضم ناصر ماهر من الزمالك ..مصدر يوضح    إطلاق حملة "ستر ودفا وإطعام" بالشرقية    دكتور مصطفى الروبى : مستقبل التكنولوجيا المالية في مصر (FinTech) كيف تستفيد الشركات الناشئة من التحول الرقمي    الخطيب يبحث مع وزير التجارة الكوري تعزيز العلاقات الاستثمارية    الانتقام المجنون.. حكاية جريمة حضرها الشيطان في شقة «أبو يوسف»    السيطرة على حريق بسوق عرفان فى محرم بك بالإسكندرية دون إصابات.. صور    حداد ودموع في طابور الصباح.. مدرسة بمعصرة صاوي تنعى تلميذين لقيا مصرعهما في حادث الطريق الإقليمي    حكم المسح على الشراب الخفيف أثناء الوضوء.. دار الإفتاء توضح    مصدر من الأهلي يكشف ل في الجول تطورات ملف المحترفين والراحلين.. وموقف توروب    مدبولي: توجيهات من الرئيس بإسراع الخطى في تنفيذ منظومة التأمين الصحي الشامل    رئيس جامعة سوهاج يلتقي الفريق الطبي المُنقذ للطفل «يوسف» ويشيد بجهودهم    محافظ المنوفية يتفقد مركز خدمة عملاء مركز معلومات شبكات المرافق بقويسنا.. صور    جامعة قناة السويس تكرّم قياداتها الإدارية بمناسبة التجديد    مصر تواصل تقديم المساعدات الإنسانية والإغاثية العاجلة إلى قطاع غزة    كنز بطلمي يخرج من باطن الأرض محافظ بني سويف يتفقد أسرار معبد بطليموس الثاني بجبل النور بعد أكثر من عقد على اكتشافه    المصري يواجه دكرنس اليوم في بطولة كأس مصر    غرف دردشة الألعاب الإلكترونية.. بين التفاعل الرقمي وحماية الأطفال    وكيل الأزهر يحذِّر من الفراغ التربوي: إذا لم يُملأ بالقيم ملأته الأفكار المنحرفة    وزير الصناعة والنقل يصل العاصمة العمانية مسقط على رأس وفد رجال أعمال للمشاركة في منتدى الأعمال المصري العماني    الحقيقة الكاملة لسحب الجنسية من البلوجر علي حسن    روائح رمضان تقترب    وزير الثقافة ورئيس صندوق التنمية الحضرية يوقّعان بروتوكول تعاون لتنظيم فعاليات ثقافية وفنية بحديقة «تلال الفسطاط»    وزير قطاع الأعمال: نحرص على تعزيز الشراكات مع القطاع الخاص المحلي والأجنبي    الداخلية تفتتح قسمًا جديدًا للجوازات داخل مول بالإسكندرية    «التضامن» تقر توفيق أوضاع جمعيتين في محافظتي الجيزة القاهرة    نائب وزير الصحة والسكان يعقد اجتماعاً مع وفد رفيع المستوى من دولة ليبيا    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاثنين 22-12-2025 في محافظة قنا    أسعار السمك اليوم الاثنين 22-12-2025 في محافظة قنا    مواعيد مباريات الإثنين 22 ديسمبر والقنوات الناقلة.. مصر تبدأ مشوارها في أمم أفريقيا    ويتكوف: روسيا لا تزال ملتزمة تماما بتحقيق السلام فى أوكرانيا    أكسيوس: لا توجد مؤشرات حتى الآن على هجوم إيرانى وشيك ضد إسرائيل    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فيلم عيار نارى
نشر في فيتو يوم 04 - 02 - 2024

قديما وحديثا يرددون - مثقفين أو عوام - أن التاريخ المكتوب هو أكبر معرض للأكاذيب، والمعنى أن ما استقرت عليه معارفنا عن الماضى ليس الحقيقة التى عاشها الأسلاف، بل تارة هى كتابات المنتصرين ومزاعم الملوك والقادة والرؤساء ومن شايعهم، وتارة هى انحياز لعقائد يؤمن بها الكاتبون المؤرخون.
فيلم عيار نارى يثبت نتيجة لافتة وحقيقة يتجاهلها الكثيرون، وهى أن تزوير الحقائق -تبديلها- تعديلها بالخصم أو بالإضافة، كل ذلك ليس بالضرورة عملا أمنيا يتترس بالهدف الأسمى للسلام الاجتماعى المزعوم، أو نشاطا مخابراتيا يتحجج بالمصالح العليا للأمة، وليس على الدوام حرفة المؤرخين لحماية الثوابت الدينية والقومية، أو حيلة الصحفيين لتوجيه متعمد أو لإثارة مقصودة..

نعم تزوير الحقائق الكبرى قد يكون بعيدا عن كل ذلك، قد يكون عملا اجتماعيا تتكاتف على تحقيقه مجموعات من الناس، وتشترك فى تضعيد حبكته وتدعيم حدوته المبتكرة حتى تزعم من خلالها أن اختلاقهم المشترك هو الحقيقة.

الخطورة يا سادة أن يحدث الفصام التام بين القيادات والشعوب حينها سوف تقرر الشعوب مصائرها في ضمير التاريخ أكثر مما تستطيع تقريرها في واقع الحياة.
حدوتة الفيلم
إبان الخامس والعشرين من يناير اختلطت كثير من الأمور وسادت الفوضى عقول الناس وضمائرهم تماما كما استولت على ميادينهم وشوارعهم، ومن ثم صار استخلاص الحقيقة عملا جراحيا دقيقا لا يتولاه جراح ماهر ذو أنامل موهوبة متمرسة، ولكن ينبغى أن يتعهده ولى صالح يبصر ضميره قلب الحقيقة قبل أن يطلع على أوجهها وتفاصيلها.

ومن ثم تتعقد مهمة الكتابة التاريخية كثيرا عند تلك التى يطلقون عليها الثورات، أو كما كان الأستاذ أنيس منصور ينعتها أمامى دائما بالهوجة، ويؤكد أننا فى مصر لم نصنع فى حياتنا سوى ثورة واحدة هى ثورة 1919، وما عدا ذلك فهى هوجات على غرار هوجة عرابى.

وبعيدا عن المسميات وأيا ما كانت الخامس والعشرون من يناير فالمهم هو التسجيل التاريخى لتفاصيل وقائعها، التى نظن أننا نعرفها -باختصار لإننا عشناها- بينما يضحض هذا الزعم أنه ليس بالضرورة أن يكون اقترابك الشديد من بعض تفاصيل الحدث دليلا على أنك عرفته، فأنت فى النهاية لم تشاهد سوى من تلك الزاوية بينما غفلت العديد من الزوايا الأخرى، وتغافلت عن العديد من الزوايا الأخرى البعيدة جدا عن المكان والقريبة جدا من عمق الحادث والحديث.

إن فيلم عيار نارى يعيد تذكيرنا بعبقرية السينما التى تفردت بها على كافة الفنون الأخرى، والتى كفلت لها التسمية الشهيرة ب الفن السابع، لإنها احتوت ست فنون قبلها كفلت لها الاقتراب الأوثق من حقائق المواضيع والحواديت والأحداث التى تتناولها، بالعرض والتجسيم والتجسيد والتنقيب والتفسير وربما التخليد كذلك.. وليس عجيبا إذن أن يعتبرها بعض النقاد مؤرخ العصر بحق.

فيلم عيار نارى يكشف لنا زوايا عديدة نستطيع أن نرى منها حقيقة الحدث وكلها لا تشترط وجودك فى زمن الحدث أو مكانه، ولكنها تشترط منطقا عادلا وبحثا أمينا لروايات الفاعلين للحدث والمشتركين فيه مكانا وزمانا.

فالملقب بالشهيد علاء أبو زيد لم يتلق عيارا ناريا من مسافة بعيدة ومن مكان مرتفع وهو يتظاهر في الميدان من أجل الحرية.. هكذا يؤكد الطبيب الشرعى الذى شرح جثته، إذ أن عملية التشريح قد أفضت إلى أنه تلقى عيارا ناريا من مسافة قريبة جدا ربما تكون المسافة صفر، ومن ثم فهو لم يقض جراء فعل قناص من الأمن كما يقول أهله وأصحابه وجيرانه.

الطبيب الذى يملك منطق الحقيقة بكل أسف هو رجل سكير مشهور بشرب الخمر وعدم الانضباط الحياتى، وإن كان انحرافه الظاهرى ينطوى على احتجاج شديد على كل الأكاذيب، إذ يطوى في ذكرياته آلاما كامنة عن أب طبيب أورثه سمعة طبية رديئة، حاول أن يتخلص من آثارها بالخمور
حينما يكتب تقريره، ويتسرب ذلك التقرير للصحافة والإعلام يثور أهل الشهيد المزعوم فهم يرفضون رفضا قاطعا أية قصة أخرى لموت إبنهم، وإبن حيهم خاصة أن الاستشهاد المزعوم يجلب حينها الكثير من المزايا المادية والعينية التى يحتاجونها.
رفض الحقيقة
والقيادة حينها لا تعاند الجماهير بل تنافقهم فكما كانت تخفى عنهم الحقائق في حالتها السلطوية فهى تزور لهم الحقائق فى حالتها الفوضوية غير المركزية، ومن ثم تخرج مديرة الطب الشرعى بتوجيه أمنى لتنفى تقرير الدكتور ياسين وتفرض تقريرا آخر مزورا مؤلفا ليتفق مع رغبة الجمهور.. يرفض الدكتور تزوير إرادته ويقوم برفقة صحفية طموحة أمينة باستقصاء تام للأسباب التى تدفع الجميع لتزوير حقيقة قتل هذا الشاب.

العجيب أنهما فى رحلتهما الاستقصائية يصطدمون بإصرار الجميع من الأهل والاقارب والأصدقاء والجيران على تقرير القصة المختلقة، ورفض الحقيقة المخلوقة.. هذه الحقيقة التى يصلان إليها في النهاية من خلال اعتراف أمه بكل التفاصيل ليتأكدا من أن الشاب كان شابا منحرفا غير بار بوالدته بل إنه قبيل وفاته حاول إكراهها على التوقيع على التنازل عن البيت، حتى يمتلكه ويتزوج فيه ويطرد أخاه منه..

ولما رفضت أمه أوقعها أرضا واجترها على نحو سافر سافل فأتى أخوه الأكبر مهرولا ودفعه بكل قوة عن والدتهما، فحاول الاعتداء على أخيه بل استخرج مسدسا وحاول قتله فتبادلا الصراع البدنى حتى انطلقت الرصاصة فأصابت هذا الشاب العاق السيئ فقتلته على الفور.

ولم يكن أمام الأخ والأم بل والأهل والجيران والأصدقاء إلا استغلال أحداث الثورة والتكاتف على اختلاق قصة الاستشهاد المزعومة في الميدان، ويكفى أن يجتمع خمسة أفراد ليؤكدوا نفس القصة حتى تتسرب التفاصيل المختلقة إلى العديدين الآخرين ومن ثم تحتل مكان الحقيقة.

يتعرف الدكتور والصحفية على الحق والحقيقة فى نفس اللحظة التى يقران فيها بإن الكذب أجدى من الحقيقة فى دنيا الناس، وأن المختلق فى القصة يبدو أكثر نفعا من المخلوق فيها، وتعجز الصحفية وهى تكتب أول تحقيقاتها من أن تحكى للناس بصدق ما أفضت إليه رحلتها فى البحث، وتكتب جملا تفتتح بها عرض الرواية المزيفة وهى الأرض كروية- الشمس تسطع من الشرق- الحقيقة لها وجه واحد.
ثم تعود لتكتب لنفسها هذه الجملة الأسيرة الآسرة التى لا ينبغى أن تبرح عقولنا وضمائرنا أبدا، ألا وهى الحقيقة التى تقرأون هى ليست بالضرورة ما حدث، بل هى دائما ما استقرت عليه جموع الناس من روايات ربما تخدم مصالحهم أو قناعاتهم أو ترتاح لها أنفسهم.
إبداع متفرد
* أحمد الفيشاوى موهبة كبيرة تملك مفتاحا ساحرا لرسم الشخصيات الحياتية بعد تبين تفاصيل مونولوجها الداخلى، حتى ينطبع على جوارح الوجه ونبرات الصوت نحتا أصيلا لا كلفة فيه لعرق زائد ولا صنعة فيه للون مضاف.
* محمد ممدوح فنان تحتاجه السينما كثيرا ليملأ فراغا عندها هو نفسه ممتلئ بالعديد من الشخصيات في واقع الحياة.

* روبى الممثلة دقيقة وصادقة ومتقنة وكفيلة بأن تمحو ذكرى روبى الأخرى.
* القصة والسيناريو والحوار يشكلون أساس الإبداع المتفرد فى هذا العمل السينمائي المتميز. ولكن فى عيار نارى التقاط الفكرة الفلسفية المتعمقة من واقع الأحداث كان جوهر الإبداع.. فتحية لكل صناع الفيلم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.