رئيس الوزراء يلتقي الملحقين العسكريين المرشحين للعمل بالخارج    رئيس وزراء جرينلاند: لن نحيد عن قيمنا الديمقراطية وجرينلاند ملك لشعبها    الأزمة تتفاقم.. إحالة محمد عواد للتحقيق في الزمالك    تحذير عاجل من الأرصاد بشأن طقس الليالي القادمة خاصة في الساعات المتأخرة    فضل صيام شهر رجب وأثره الروحي في تهيئة النفس لشهر رمضان    زيلينسكي: أوكرانيا بدأت إنتاج أنظمة الدفاع الجوي محليًا    الرئيس السيسي يبحث سبل تعزيز العلاقات الاقتصادية بين مصر وتنزانيا    رئيس الهيئة الدولية لدعم فلسطين: الاحتلال لا يسمح سوى بدخول أقل من ثلث المساعدات المتفق عليها إلى غزة    بعد شائعة ارتباطه بدينا الشربيني، كريم محمود عبدالعزيز يشارك بالعرض الخاص لفيلم طلقني (صور)    ميرال الطحاوي تفوز بجائزة سرد الذهب فرع السرود الشعبية    السيسي: مستعدون لدفع المزيد من الاستثمارات المصرية إلى السوق التنزانية    رمضان عبدالمعز: دعوة المظلوم لا تُرد    فيديو.. الصحة مستشهدة بالتعريف العالمي: لا يوجد نقص في أدوية علاج البرد    مصدر من الأهلي ل في الجول: لا نعرقل انتقال حمزة عبد الكريم ل برشلونة.. وهذا موقفنا    تعيينات جديدة بكلية التربية جامعة عين شمس    السيسي يشيد بتطور العلاقات المصرية التنزانية والحرص على تعزيز التشاور السياسي    البورصة تختتم تعاملاتها اليوم الإثنين بتباين كافة المؤشرات    مصلحة الضرائب تكشف تفاصيل الحزمة الجديدة من التسهيلات الضريبية    توني يقود هجوم الأهلي ضد الشرطة العراقي في دوري أبطال آسيا للنخبة    إيهاب هيكل: خريجو كليات أطباء الأسنان مش لاقيين شغل (فيديو)    "يتمتع بخصوصية مميزة".. أزهري يكشف فضل شهر رجب(فيديو)    آيتن عامر تعتذر عن استكمال "حق ضايع" قبل بدء التصوير    لأول مرة بجامعة عين شمس.. نجاح جراحة زرع جهاز تحفيز العصب العجزي    أجواء حماسية لمتابعة مباريات المنتخب الوطني بكأس أمم أفريقيا في الإسكندرية.. 28 شاشة بمختلف الأحياء.. الشباب والرياضة: تعكس الدور الحيوى لمراكز الشباب كمنابر وطنية.. وإجراءات تنظيمية وأمنية أثناء المباراة.. صور    خلال 24 ساعة.. رصد 153 مخالفة على الطرق في الغربية    نائب الصحة لشئون الحوكمة والرقابة يشهد الاجتماع الأول للجنة تطوير منظومة طب الأسنان    "هعيش حزين".. أول تعليق من أحمد الفيشاوي بعد وفاة والدته    جنايات الإرهاب تقضى بالمؤبد والسجن المشدد ل5 متهمين بخلية التجمع    يضم 950 قطعة أثرية.... محافظ المنيا يتفقد متحف آثار ملوي    في مشهد مهيب.. الأزهر ينجح في إخماد فتنة ثأرية بالصعيد    قائد أوغندا قبل مواجهة تونس: لن نكون لقمة سائغة لمنافسينا في أمم إفريقيا    جامعة قناة السويس تعتلي قمة الجامعات المصرية في التحول الرقمي لعام 2025    فرحة وحيدة لمنتخب مصر في الاستضافة العربية لأمم أفريقيا    كأس أمم أفريقيا 2025.. تعرف على تشكيل زامبيا لمواجهة مالى    قصة قصيرة ..بدران والهلباوى ..بقلم ..القاص : على صلاح    رئيس جامعة القاهرة يجري سلسلة لقاءات رفيعة المستوى بالصين لتعزيز التعاون الأكاديمي والبحثي    مدير تعليم الجيزة يواصل سياسة العمل الميداني بزيارة مفاجئة لإدارتي «العياط والصف»    السيطرة على حريق بسوق عرفان فى محرم بك بالإسكندرية دون إصابات.. صور    هل طلب بيراميدز ضم ناصر ماهر من الزمالك ..مصدر يوضح    إطلاق حملة "ستر ودفا وإطعام" بالشرقية    تشكيل مجلس إدارة غرفة الرعاية الصحية فى اتحاد الصناعات    وزارة شئون القدس تطالب بتدخل دولي عاجل لوقف هدم منازل المقدسيين    مصدر من الأهلي يكشف ل في الجول تطورات ملف المحترفين والراحلين.. وموقف توروب    الانتقام المجنون.. حكاية جريمة حضرها الشيطان في شقة «أبو يوسف»    مدبولي: توجيهات من الرئيس بإسراع الخطى في تنفيذ منظومة التأمين الصحي الشامل    محافظ المنوفية يتفقد مركز خدمة عملاء مركز معلومات شبكات المرافق بقويسنا.. صور    محافظ سوهاج يعلن إتاحة التصديق القنصلي على المستندات بمكاتب البريد    غرف دردشة الألعاب الإلكترونية.. بين التفاعل الرقمي وحماية الأطفال    كنز بطلمي يخرج من باطن الأرض محافظ بني سويف يتفقد أسرار معبد بطليموس الثاني بجبل النور بعد أكثر من عقد على اكتشافه    وكيل الأزهر يحذِّر من الفراغ التربوي: إذا لم يُملأ بالقيم ملأته الأفكار المنحرفة    ننشر مواعيد امتحانات الفصل الدراسى الأول بمحافظة القاهرة    كامل الوزير يلتقى وزير التجارة والصناعة فى عمان    وزير قطاع الأعمال: نحرص على تعزيز الشراكات مع القطاع الخاص المحلي والأجنبي    وزير الثقافة ورئيس صندوق التنمية الحضرية يوقّعان بروتوكول تعاون لتنظيم فعاليات ثقافية وفنية بحديقة «تلال الفسطاط»    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاثنين 22-12-2025 في محافظة قنا    أسعار السمك اليوم الاثنين 22-12-2025 في محافظة قنا    حصاد 2025 جامعة العاصمة.. 7 آلاف طالب وافد و60 منحة دراسية جديدة    أكسيوس: لا توجد مؤشرات حتى الآن على هجوم إيرانى وشيك ضد إسرائيل    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فيلم عيار نارى
نشر في فيتو يوم 04 - 02 - 2024

قديما وحديثا يرددون - مثقفين أو عوام - أن التاريخ المكتوب هو أكبر معرض للأكاذيب، والمعنى أن ما استقرت عليه معارفنا عن الماضى ليس الحقيقة التى عاشها الأسلاف، بل تارة هى كتابات المنتصرين ومزاعم الملوك والقادة والرؤساء ومن شايعهم، وتارة هى انحياز لعقائد يؤمن بها الكاتبون المؤرخون.
فيلم عيار نارى يثبت نتيجة لافتة وحقيقة يتجاهلها الكثيرون، وهى أن تزوير الحقائق -تبديلها- تعديلها بالخصم أو بالإضافة، كل ذلك ليس بالضرورة عملا أمنيا يتترس بالهدف الأسمى للسلام الاجتماعى المزعوم، أو نشاطا مخابراتيا يتحجج بالمصالح العليا للأمة، وليس على الدوام حرفة المؤرخين لحماية الثوابت الدينية والقومية، أو حيلة الصحفيين لتوجيه متعمد أو لإثارة مقصودة..

نعم تزوير الحقائق الكبرى قد يكون بعيدا عن كل ذلك، قد يكون عملا اجتماعيا تتكاتف على تحقيقه مجموعات من الناس، وتشترك فى تضعيد حبكته وتدعيم حدوته المبتكرة حتى تزعم من خلالها أن اختلاقهم المشترك هو الحقيقة.

الخطورة يا سادة أن يحدث الفصام التام بين القيادات والشعوب حينها سوف تقرر الشعوب مصائرها في ضمير التاريخ أكثر مما تستطيع تقريرها في واقع الحياة.
حدوتة الفيلم
إبان الخامس والعشرين من يناير اختلطت كثير من الأمور وسادت الفوضى عقول الناس وضمائرهم تماما كما استولت على ميادينهم وشوارعهم، ومن ثم صار استخلاص الحقيقة عملا جراحيا دقيقا لا يتولاه جراح ماهر ذو أنامل موهوبة متمرسة، ولكن ينبغى أن يتعهده ولى صالح يبصر ضميره قلب الحقيقة قبل أن يطلع على أوجهها وتفاصيلها.

ومن ثم تتعقد مهمة الكتابة التاريخية كثيرا عند تلك التى يطلقون عليها الثورات، أو كما كان الأستاذ أنيس منصور ينعتها أمامى دائما بالهوجة، ويؤكد أننا فى مصر لم نصنع فى حياتنا سوى ثورة واحدة هى ثورة 1919، وما عدا ذلك فهى هوجات على غرار هوجة عرابى.

وبعيدا عن المسميات وأيا ما كانت الخامس والعشرون من يناير فالمهم هو التسجيل التاريخى لتفاصيل وقائعها، التى نظن أننا نعرفها -باختصار لإننا عشناها- بينما يضحض هذا الزعم أنه ليس بالضرورة أن يكون اقترابك الشديد من بعض تفاصيل الحدث دليلا على أنك عرفته، فأنت فى النهاية لم تشاهد سوى من تلك الزاوية بينما غفلت العديد من الزوايا الأخرى، وتغافلت عن العديد من الزوايا الأخرى البعيدة جدا عن المكان والقريبة جدا من عمق الحادث والحديث.

إن فيلم عيار نارى يعيد تذكيرنا بعبقرية السينما التى تفردت بها على كافة الفنون الأخرى، والتى كفلت لها التسمية الشهيرة ب الفن السابع، لإنها احتوت ست فنون قبلها كفلت لها الاقتراب الأوثق من حقائق المواضيع والحواديت والأحداث التى تتناولها، بالعرض والتجسيم والتجسيد والتنقيب والتفسير وربما التخليد كذلك.. وليس عجيبا إذن أن يعتبرها بعض النقاد مؤرخ العصر بحق.

فيلم عيار نارى يكشف لنا زوايا عديدة نستطيع أن نرى منها حقيقة الحدث وكلها لا تشترط وجودك فى زمن الحدث أو مكانه، ولكنها تشترط منطقا عادلا وبحثا أمينا لروايات الفاعلين للحدث والمشتركين فيه مكانا وزمانا.

فالملقب بالشهيد علاء أبو زيد لم يتلق عيارا ناريا من مسافة بعيدة ومن مكان مرتفع وهو يتظاهر في الميدان من أجل الحرية.. هكذا يؤكد الطبيب الشرعى الذى شرح جثته، إذ أن عملية التشريح قد أفضت إلى أنه تلقى عيارا ناريا من مسافة قريبة جدا ربما تكون المسافة صفر، ومن ثم فهو لم يقض جراء فعل قناص من الأمن كما يقول أهله وأصحابه وجيرانه.

الطبيب الذى يملك منطق الحقيقة بكل أسف هو رجل سكير مشهور بشرب الخمر وعدم الانضباط الحياتى، وإن كان انحرافه الظاهرى ينطوى على احتجاج شديد على كل الأكاذيب، إذ يطوى في ذكرياته آلاما كامنة عن أب طبيب أورثه سمعة طبية رديئة، حاول أن يتخلص من آثارها بالخمور
حينما يكتب تقريره، ويتسرب ذلك التقرير للصحافة والإعلام يثور أهل الشهيد المزعوم فهم يرفضون رفضا قاطعا أية قصة أخرى لموت إبنهم، وإبن حيهم خاصة أن الاستشهاد المزعوم يجلب حينها الكثير من المزايا المادية والعينية التى يحتاجونها.
رفض الحقيقة
والقيادة حينها لا تعاند الجماهير بل تنافقهم فكما كانت تخفى عنهم الحقائق في حالتها السلطوية فهى تزور لهم الحقائق فى حالتها الفوضوية غير المركزية، ومن ثم تخرج مديرة الطب الشرعى بتوجيه أمنى لتنفى تقرير الدكتور ياسين وتفرض تقريرا آخر مزورا مؤلفا ليتفق مع رغبة الجمهور.. يرفض الدكتور تزوير إرادته ويقوم برفقة صحفية طموحة أمينة باستقصاء تام للأسباب التى تدفع الجميع لتزوير حقيقة قتل هذا الشاب.

العجيب أنهما فى رحلتهما الاستقصائية يصطدمون بإصرار الجميع من الأهل والاقارب والأصدقاء والجيران على تقرير القصة المختلقة، ورفض الحقيقة المخلوقة.. هذه الحقيقة التى يصلان إليها في النهاية من خلال اعتراف أمه بكل التفاصيل ليتأكدا من أن الشاب كان شابا منحرفا غير بار بوالدته بل إنه قبيل وفاته حاول إكراهها على التوقيع على التنازل عن البيت، حتى يمتلكه ويتزوج فيه ويطرد أخاه منه..

ولما رفضت أمه أوقعها أرضا واجترها على نحو سافر سافل فأتى أخوه الأكبر مهرولا ودفعه بكل قوة عن والدتهما، فحاول الاعتداء على أخيه بل استخرج مسدسا وحاول قتله فتبادلا الصراع البدنى حتى انطلقت الرصاصة فأصابت هذا الشاب العاق السيئ فقتلته على الفور.

ولم يكن أمام الأخ والأم بل والأهل والجيران والأصدقاء إلا استغلال أحداث الثورة والتكاتف على اختلاق قصة الاستشهاد المزعومة في الميدان، ويكفى أن يجتمع خمسة أفراد ليؤكدوا نفس القصة حتى تتسرب التفاصيل المختلقة إلى العديدين الآخرين ومن ثم تحتل مكان الحقيقة.

يتعرف الدكتور والصحفية على الحق والحقيقة فى نفس اللحظة التى يقران فيها بإن الكذب أجدى من الحقيقة فى دنيا الناس، وأن المختلق فى القصة يبدو أكثر نفعا من المخلوق فيها، وتعجز الصحفية وهى تكتب أول تحقيقاتها من أن تحكى للناس بصدق ما أفضت إليه رحلتها فى البحث، وتكتب جملا تفتتح بها عرض الرواية المزيفة وهى الأرض كروية- الشمس تسطع من الشرق- الحقيقة لها وجه واحد.
ثم تعود لتكتب لنفسها هذه الجملة الأسيرة الآسرة التى لا ينبغى أن تبرح عقولنا وضمائرنا أبدا، ألا وهى الحقيقة التى تقرأون هى ليست بالضرورة ما حدث، بل هى دائما ما استقرت عليه جموع الناس من روايات ربما تخدم مصالحهم أو قناعاتهم أو ترتاح لها أنفسهم.
إبداع متفرد
* أحمد الفيشاوى موهبة كبيرة تملك مفتاحا ساحرا لرسم الشخصيات الحياتية بعد تبين تفاصيل مونولوجها الداخلى، حتى ينطبع على جوارح الوجه ونبرات الصوت نحتا أصيلا لا كلفة فيه لعرق زائد ولا صنعة فيه للون مضاف.
* محمد ممدوح فنان تحتاجه السينما كثيرا ليملأ فراغا عندها هو نفسه ممتلئ بالعديد من الشخصيات في واقع الحياة.

* روبى الممثلة دقيقة وصادقة ومتقنة وكفيلة بأن تمحو ذكرى روبى الأخرى.
* القصة والسيناريو والحوار يشكلون أساس الإبداع المتفرد فى هذا العمل السينمائي المتميز. ولكن فى عيار نارى التقاط الفكرة الفلسفية المتعمقة من واقع الأحداث كان جوهر الإبداع.. فتحية لكل صناع الفيلم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.