سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
"شيطنة المتظاهرين" تثير أزمة بين أردوغان وأوباما.. جيفري يطالب أمريكا وتركيا بالعمل بشكل سري في الشرق الأوسط الكبير.. واشنطن قلقة وتلوح بعدم التعاون مع تركيا
قدم السفير جيمس إيف. جيفري، عضو لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأمريكي - اللجنة الفرعية للشئون الأوربية، شهادته لمعهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى عن مستقبل النموذج التركي. قال جيفري: عندما زار باراك أوباما تركيا في عام 2009، وهي أول زيارة ثنائية له كرئيس، لم يختر تركيا كنموذج في حد ذاتها، وإنما أشار إلى أن تركيا "ليست الموضع الذي ينفصل فيه الشرق عن الغرب - إنه الموضع الذي يلتقيان فيه، مؤكدًا استعداد أمريكا للعمل مع تركيا، وفوق كل الاعتبارات أو العوامل الأخرى". وبالرغم من إشادة أوباما بتركيا كدولة ديمقراطية ناجحة، فهناك العديد داخل تركيا وخارجها يتساءلون عما إذا كانت تركيا ستبقى نفس تلك الديمقراطية الناجحة، تنعم باقتصاد مفتوح وتمثل شريكًا أمنيا موثوقًا، مثلما كان عليه الوضع في العقود الأخيرة، هناك ما يدعو للقلق. وذكر جيفري أن المظاهرات التي اندلعت في منتزه جيزي وميدان تقسيم في إسطنبول في نهاية مايو تمثل التحدي الأكبر لحكم "حزب العدالة والتنمية" الذي يرأسه رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان، خلال فترة الأحد عشر عامًا، التي قضاها الحزب في سدة الحكم. وأشار جيفري إلى أن الحكومة التركية نجت من الاضطرابات، وهي الآن تشن هجومًا من خلال حملة إساءات لفظية - وإجراءات قضائية - ضد الذين شاركوا في تلك المظاهرات أو دعموها، مؤكدًا أنه لا يرى خطورة جراء فشل الحكومة في معالجتها للقضية برمتها. وأضاف أن الحكومة التركية، لا سيما أردوغان، سوف تواجه الآن معارضة خطيرة إذا حاول رئيس الوزراء تطبيق برنامجه الطموح لتعزيز النظام الرئاسي التركي، من خلال تغيير دستوري وانتخابه كأول رئيس في ظل هذا النظام الجديد. ورغم أن تلك النتيجة لا تزال قائمة، إلا أن إعادة الترتيب للمشهد السياسي التركي، والتي ستكون الأكثر أهمية منذ عهد أتاتورك وإينونو، تبدو أقل تأكيدًا في ضوء الأغلبية الكبيرة التي يتطلع إليها أردوغان في انتخابات 2014 الرئاسية والاستفتاء على الدستور. جيفري يرى أن تركيا وأردوغان - إذا وجدا طريقة للتراجع عن التزامه بعدم الترشح لفترة ولاية أخرى كرئيس للوزراء – يستطيعان البقاء دون مشكلة داخل الإطار السياسي الدستوري الحالي، مؤكدًا أن ما أبرزته المظاهرات ورد فعل الحكومة عليها هو أن تركيا أصبحت منقسمة بشكل متزايد إلى جماعات سياسية مختلفة تمامًا، وأن الحكومة نفسها تسهم في تعزيز هذا الاستقطاب داخل المجتمع، وذلك هو الوضع الأكثر إقلاقًا لمن يتابعون منا المشهد التركي من كثب. وأكد جيفري أن ما أزعج المراقبين وأزعجه مع الحكومة الأمريكية هو موقف وسلوك بعض القادة الحكوميين الأتراك ومن بينهم رئيس الوزراء، الذين عمدوا على شيطنة جميع المتظاهرين ويعملون بشكل متزايد على تجريم الاحتجاجات السلمية، وحتى حرية التعبير إذا كانت هذه تدعم المتظاهرين. وذلك يثير التساؤل حول التزام الحكومة بإتاحة حقوق حرية التعبير والتجمع، ومبدأ النسبية، وفي أعماق كل ذلك المبدأ الديمقراطي القائم على أن الأقليات لا يمكن تجاهلها ببساطة- حسب شهادة جيفري- قائلًا: "إن نهج "الأغلبية" بالنسبة للحكم الديمقراطي، الذي رأيناه للأسف في أماكن أخرى في المنطقة، يتجاهل مكونًا رئيسيا من مكونات الديمقراطية، وهو أنه لا يستطيع أن يشمل حكم الأغلبية فحسب، لكنه يجب أن يحشد على الأقل استعداد الأقلية لقبول ذلك الحكم والشعور بأنهم جزء من المجتمع السياسي الأكبر، وهذا الشعور وذلك الاستعداد يشهدان حركة هياج الآن، وطالما استمرا كذلك فإن استقرار تركيا وفرص تحقيق المزيد من التقدم السياسي والاقتصادي والاجتماعي ستظل على المحك. أما عن تأثير ذلك على الولاياتالمتحدة فيقول جيفري: "لا يمكن تقديم تركيا، كما لا يمكن تقديم الولاياتالمتحدة للعالم أو الصين في شرق آسيا، "كنموذج" للمجتمعات الأخرى لكي تحذو حذوه، ومع بعض الاستثناءات الفريدة - مثل الولاياتالمتحدة عقب الحرب العالمية الثانية مباشرة - لا تمضي العلاقات الدولية عادة بطريقة مباشرة". وطالب جيفري تركيا بأن تتبنى نظمًا سياسية واقتصادية وأمنية غربية وأن تزدهر في ظلها جميعًا وتصبح شريكًا للولايات المتحدة والاتحاد الأوربي، فنجاح تركيا أو فشلها النسبي سيكون له بعض التأثير على شعوب البلدان الأخرى في المنطقة. وأشار إلى أن تركيا الواثقة بوضعها الداخلي وتقدمها الاقتصادي يرجح أن تلعب دورًا فاعلًا وإيجابيًا في المنطقة، من خلال التنسيق الوثيق مع الولاياتالمتحدة، ورغم أن ذلك التنسيق بين الولاياتالمتحدة وتركيا كان وثيقًا خلال إدارة أوباما، إلا أن استمرار الاضطراب الاجتماعي وما يترتب عليه من أسئلة بشأن طبيعة الديمقراطية التركية، سيزيد من صعوبة هذا التنسيق. وأكد جيفري أن الحكومة التركية المشتتة يمكن أن تتحالف بصورة أكثر مع عناصر مناهضة للغرب، لتدعم سياساتها المتشددة، وستجد الولاياتالمتحدة نفسها ملزمة حينها بالحديث صراحة عن انتهاك المبادئ الديمقراطية مما سيجعل التعاون والتنسيق أكثر صعوبة، قائلًا: "على افتراض أن تركيا ستظل مستقرة بشكل معقول في ظل نظام ديمقراطي، فسوف يكون استمرار الشراكة أمرًا ممكنًا. وفي ظل الظروف الفوضوية التي تعصف بالمنطقة، سوف تبقى هذه الشراكة ضرورية على أرض الواقع عند التعامل مع دور سوريا وإيران والعراق وإسرائيل في المنطقة". واستطرد جيفري: إن العديد من المحللين لا يشددون على مفهوم "النموذج" فحسب بل يقدمون تركيا باعتبارها تابعًا أكثر وفاءً للغرب، لا سيما قيم الولاياتالمتحدة وبعض المصالح المحددة، لذا عندما تحيد تركيا يقينًا بشكل ما عن "توقعاتنا"، فإننا نشعر بحالة من عدم الفهم والسخط بل والغضب. وهذا كله ينبع من سوء فهم لدور تركيا في العالم، ودورها معنا، ويري جيفري أن تركيا ليست في نفس فئة دول الاتحاد الأوربي واليابان وكوريا الجنوبية وعدد من الحلفاء المقربين الآخرين، ففي هذه البلدان، تشكل الروابط الأبدية والتبعية الأمنية للولايات المتحدة مُسلمات سياسية للقيادة والشعوب على حد سواء، لكن ذلك لا ينطبق على تركيا، فهي لاعب دولي مستقل، على غرار الهند أو البرازيل، لكن مع قدر شعبي مرتفع غير عادي من التشكك تجاه الولاياتالمتحدة والاتحاد الأوربي. وبالمثل، فإن هذه الدول تشارك الولاياتالمتحدة نفس القيم السياسية والاقتصادية مثلما هو الحال مع الغرب كما أنها مدمجة في العديد من المؤسسات الغربية. على عكس الهند أو البرازيل، فلدى تركيا علاقة أمنية راسخة معنا- حسب شهادة جيفري- ومصالح أمنية مشتركة، وترتيبات أمنية مؤسسية قوية - من العضوية في حلف "الناتو" إلى مشتريات الأسلحة الأمريكية الهائلة - التي تمثل عاملًا جوهريا لأمنها ودورها الإقليمي، ويترتب على ذلك ميل قوي لدراسة المبادرات الأمريكية بل ومواكبتها إن أمكن، كما رأينا في أفغانستان. وأشار جيفري إلى أن تركيا ستعمل باستقلالية، لا سيما "على حدودها القريبة" وتتوقع منا دعمها في ذلك بدلًا من أن تدعمنا هي تلقائيا، وكان ذلك صحيحًا قبل حكومة أردوغان، ولا يزال كذلك حتى اليوم، قائلًا: "علينا أن نتذكر أنه مع عبئها الهائل من اللاجئين السوريين وتصرفات "حزب الاتحاد الديمقراطي" المنبثق عن "حزب العمال الكردستاني" على طول الحدود التركية، يجابه الأمن الإقليمي لتركيا مخاطر لا يجابهها أمننا الإقليمي". وأردف جيفري أن ردود فعل الولاياتالمتحدة جاءت متحفظة رغم الحديث صراحة وبشكل متكرر عن تصرفات تركيا وتصريحاتها التي لا تتفق مع وجهة نظرنا للأعراف الديمقراطية، مضيفًا "إن كنا مؤمنين بمفهوم الديمقراطية، فعلينا أن نعترف بأن شعوب دول معينة وحدها، دون غيرها، يحق لها الحكم على الحكومة والمتظاهرين، وإن الإدانة العامة لتركيا وأردوغان ستأتي بنتائج سلبية قوية، فهي لن تدفع الحكومة التركية إلى تفصيل ردودها بطريقة ملائمة، وإنما بحسب ما شاهدتُه مرارًا وتكرارًا في الماضي، فإنها ستجعلنا المشكلة الجوهرية مما يحد من أي فرصة لقيام الحكومة بتقديم المزيد من التنازلات". وطالب جيفري أمريكا بالعمل على هدفها وأن تفعل ما بوسعها، سرا ودون إثارة أي عداء، من أجل ضمان إجراء مناقشات كاملة وصادقة داخل تركيا، وتشجيع الأتراك على تسوية الانقسامات الحادة في مجتمعهم بطريقة ديمقراطية وسلمية، كي تحقق تركيا المزيد من النجاح والاستقرار، ولاستمرار العمل الفاعل مع تركيا حول مجموعة واسعة من المشاكل التي نواجهها معًا في الشرق الأوسط الكبير وعلى نطاق أوسع في منطقة أوراسيا. ولفت جيفري إلى أن هذه المشاكل هي الأكثر خطورة التي واجهناها في الشرق الأوسط على مدى ثلاثة عقود، فقد أصبح الاستقرار في المنطقة وبقاء الأنظمة وأمن تجارة النفط وحتى الهيكل الكلي للأمن الدولي الذي تقوده الولاياتالمتحدة أمورًا على المحك. نحتاج تركيا إلى جانبنا، مثلما تحتاج إلينا تركيا. لكن من أمريكا وحتى الأناضول، فإننا جميعًا نحتاج إلى تركيا مستقرة وديمقراطية.