منذ تولى الفريق أول السيسي وزارة الدفاع وقف حائط صد لكل مخططات الجماعة، رغم كل محاولات الرئيس السابق لضمان ولاء الجيش له " لا تتعجلوا الأمور"... هذه العبارة اشتهر بها الفريق أول عبدالفتاح السيسي، وزير الدفاع، القائد العام للقوات المسلحة، والتي تحولت إلى منهج حياة استطاع من خلاله أن يصل لأعلى المناصب وأرفعها في المؤسسة العسكرية رغم صغر سنه، ويعيد إليها مافقدته من كبرياء ومهابة، عندما كان المواطنون يرفعون لافتات "يسقط يسقط حكم العسكر". وعلى طريقة لاعب الشطرنج المحترف استطاع "السيسي" - الذي عرف بإتقانه التخطيط والعمل على مهل- أن يلاعب جميع الأطراف، ويكتب وحده عبارة "كش ملك" للجميع بتحريك آخر قطعة في الرقعة. ومع أنه أصغر أعضاء المجلس العسكري عمرا، فقد تمكن من أن يكون المرشح الأول والبديل للمشير "طنطاوي"، فالسيسي في لائحة الأقدمية العسكرية يحتل المرتبة (154)، ورغم ذلك كان بالنسبة للجميع الأنسب لقيادة القوات المسلحة، فرأوا فيه "دماء جديدة" تحتاجها المؤسسة العسكرية، حتى أنه - وفقا لما تناقلته المصادر- كان المرشح الأول لدي "طنطاوي" لكي يكون خلفا له عند استقالته التي حدد لها أكتوبر الماضي، قبل أن يباغته الرئيس المعزول محمد مرسي بالإطاحة به مع الفريق سامى عنان في أغسطس الماضي، ويعجل بتولى "السيسي" قيادة المؤسسة العسكرية. ومع أن "السيسي" كان من المؤيدين لرحيل "طنطاوي"، والإطاحة به، فقد تمت العملية التي وصفها الكاتب الصحفي عبد الله السناوي ب"نصف انقلاب"، لضرورة منع تسييس المؤسسة العسكرية ووقف الكلام المتواتر عن "كوتة" للإخوان أو لأى تيار سياسي آخر في دفعات طلاب الكلية الحربية، إلا أن المشهد الذي حدث داخل مكتب "طنطاوي" وذكره السناوي قائلا: في اليوم التالى لإقالته ذهب إلى مكتبه، وانفرد لوقت قصير مع الفريق أول «السيسى»، لم يعاتبه على الطريقة التي خرج بها من وزارة الدفاع، لم يسأله عن الأسباب التي دفعته لفعل ذلك وهو مرشحه الأول للمنصب العسكري الكبير، قال له كلمة مقتضبة: «أنت ابنى». وهذا الموقف يقول "السناوي" عنه إنه أحدث لدي الفريق "السيسي" وقادة المجلس العسكري «عقدة الأب» الذي جعلوه يغادر موقعه مهانا، وهو ما لم يغب عن ذهن الفريق السيسي، وظل طوال عام يؤكد على احترام المؤسسة العسكرية لكل قاداتها السابقين في أي محفل يجتمع فيه بضباط الجيش، حتى أنه في خطاب أول يوليو الذي أمهل فيه الرئيس المعزول 48 ساعة، لم ينس التأكيد على احترام المؤسسة العسكرية لقادتها السابقين والحاليين، وكأنه يكرر الاعتذار ل"طنطاوي" يوما بعد يوم. "السيسي" الذي أهلته كفاءته لأن يصبح وزيرا للدفاع رغم صغر سنه، من مواليد نوفمبر 1954، بدأ حياته بالعمل في سلاح المشاة، ثم ترقي في عدد من المناصب وهى: رئيس فرع المعلومات والأمن بالأمانة العامة لوزارة الدفاع، قائد كتيبة مشاة ميكانيكي، ملحق دفاع بالمملكة العربية السعودية، قائد لواء مشاة ميكانيكي، قائد فرقة مشاة ميكانيكي، رئيس أركان المنطقة الشمالية العسكرية، قائد المنطقة الشمالية العسكرية، ومدير إدارة المخابرات الحربية والاستطلاع. حينما جاء كوزير للدفاع بدأت الشائعات تلاحقه وكان منها أنه رجل جماعة الإخوان، فأثبت "السيسي" أنه لم تجر خيانة داخل القوات المسلحة لصالح تيار أو جماعة، وأنه وقف مع شرعية الرئيس لا مع جماعة أو حزب، وهذه مسألة ضرورية لاستعادة الروح المعنوية المشروخة بفداحة، كما قال "السناوي". ومنذ تولى الفريق أول السيسي وزارة الدفاع وقف حائط صد لكل مخططات الجماعة، رغم كل محاولات الرئيس السابق لضمان ولاء الجيش له، ففى دستور الإخوان كان للمؤسسة العسكرية ما أرادت من حيث وضع مميز وتأمين ميزانية الجيش، كما ظل تعامل "مرسي" مع الجيش مباشرة دون تدخل أو وساطة بينه وبينهم، إلا أن 30 يونيو جاء ليؤكد الفريق أن ولاء المؤسسة العسكرية للشعب وحده ولشرعيته. وقبل 30 يونيو، كانت هناك مواقف لن ينساها الرئيس المعزول وجماعته، أظهرت قوة المؤسسة العسكرية وعدم تبعيتها له، بدأت بأحداث الاتحادية التي راح ضحيتها 10 أشخاص، وانتظرت الجماعة بيان دعم من المؤسسة العسكرية، إلا أن البيان خيب آمالهم، فقد أكدت المؤسسة العسكرية انحيازها للشعب. وبعدها بأيام جاءت الضربة الثانية من "السيسي" حينما أصدر قرارا بحظر تملك الأراضي في سيناء، بعد مشروع "تنمية سيناء" الذي أقره مجلس الوزراء منفردا ليحقق حلم توطين الفلسطينيين في سيناء، إلا أن يقظة المؤسسة العسكرية منعت ذلك. وتكشف للجميع أن الجيش يقظ لكل مخططات الجماعة، ليبدأ العام الجديد بضربة جديدة من "السيسي" حينما أعلن عن بدء الجيش في هدم الأنفاق في سيناء، وهي الخطوة التي أربكت الجماعة والرئيس، لتمر ساعات ويبدأ تسريب أخبار عن إقالة "السيسي" كجس نبض للمؤسسة العسكرية التي جاءت تحذيراتها من الإقدام على مثل هذه الخطوة أكبر من توقعات الجماعة، ووصفوه بأنه "قرار انتحاري" ،لتتراجع مؤسسة الرئاسة وتنفى أخبار الإقالة، ولكن هذا لم يمنع الجيش من فضح ما يقوم به الرئيس وجماعته، وبدأت التسريبات من المؤسسة العسكرية بأن جهات سيادية أمرت بغلق التحقيقات في مذبحة رفح لتورط حماس، ليؤكد الجيش أنه لن يفرط في دماء المصريين. عقب ذلك، أشهرت "الجماعة" أسلحتها في وجه الجيش، بشن حملة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، لتشويه صورة المؤسسة العسكرية، بالتزامن مع تسريبات لصحيفة الجارديان البريطانية، من تقرير تقصي الحقائق الموجود أمام النائب العام، عن تورط الجيش في قتل المصريين. ليقوم الرئيس السابق - كنوع من امتصاص الغضب- بزيارة مفاجئة للمجلس العسكري، واجتمع بهم، بصفته القائد الأعلى للقوات المسلحة، ومنح بعض القيادات الترقيات، مع التأكيد على وطنية المؤسسة العسكرية ودورها في حماية الشعب والثورة، كنوع من الهدنة معهم. إلا أن هذا لم يمنع الجيش عندما بدأ الحديث عن مشروع تنمية محور قناة السويس الذي أوضح الخبراء أنه بداية لتقسيم مصر، فأعلنت القوات المسلحة شروطها للموافقة على المشروع، ليعود الصراع للمشهد مرة أخري، إلى أن جاء 30 يونيو، وخرجت الملايين إلى الشوارع مطالبة برحيل محمد مرسي، فجاء رد المؤسسة العسكرية في اليوم الأول بإلقاء الأعلام على المتظاهرين في الميدان، وفى 1 يوليو خرج بيان "السيسي" معلنا إمهال الرئيس 48 ساعة لاتخاذ قرارات ترضي الشعب خوفا على الأمن القومي، وفى هذه الفترة طلب الفريق من الرئيس السابق بأن يجرى استفتاء على استكماله مدته أو الدعوة لانتخابات رئاسية مبكرة، ولكنه أصر على رأيه مما دفع "السيسي" للانحياز لما طالب به الشعب وإعلان خارطة الطريق في 3 يوليو، التي حولته إلى بطل شعبي ورمز للوطنية.