الدعوة إلى المصالحة الوطنية لا يختلف عليها أحد، وأن تتبنى الرئاسة هذا التوجه أو تضطلع به الحكومة فهو أمر مستحسن للغاية، ولكن يتصدر المشهد سؤال في حاجة إلى إجابة واضحة وصريحة مؤداه: مصالحة من مع من ؟ !. ففى المطلق الصلح خير كما أخبرنا المولى عز وجل، ولكن مع إعمال القاعدة الأصولية: " التخلية قبل التحلية " حتي يكون للصلح مذاقه ونكهته التي تساعد على ابتلاعه وهضمه. إذن فالأمر يقتضي إزالة الركام والمخلفات التي تمتليء بها النفوس والعقول أولًا، وهذا يقتضي المصارحة والمكاشفة ونكت الجروح حتي نخرج ما بها من صديد الفكر والمشاعر، والمصالحة المقصودة هنا هي مصالحة بين طرفين، المجتمع بكل مكوناته ومؤسساته طرف أول، وجماعة الإخوان وأذرعها وأصابعها طرف ثان. والتصالح فيما بين الطرفين هو تصالح على ضرورة قبول أفراد هذه الجماعات للمجتمع وفكرة التعايش معه جنبًا إلى جنب بسلام دون استعلاء فكري أو عقائدي يفضي إلى تكفيره وتفسيقه، ودون الخروج عليه أو حمل السلاح في مواجهته أو في مواجهة مؤسساته، هذا من ناحية، في مقابل قبول المجتمع لأفراد هذه الجماعات باعتبارهم من نسيجه ونخاع عظامه، يقبلهم دون إقصاء أو نبذ أو تمييز ضدهم أو ملاحقتهم بالغمز واللمز والحط والتحقير من ناحية أخري. فإذا جلسنا للمصالحة وفقًا للاعتبارات السابقة فإنه يلزم فرش كل الأوجاع على طاولة الحوار وفرزها واحدة واحدة لتحديد ما يمكن التصالح عليه وما لا يمكن التصالح عليه. ما يمكن التصالح عليه يجري الحوار بشأنه، وما لا يمكن التصالح عليه يجري إحالته إلى جهات التحقيق لاتخاذ ما يلزم حياله قانونًا. ومن المعروف أنه لا تصالح في الجرائم، وخاصة جرائم الدم والخيانة، ومن تثبت براءته يخلى سبيله ويعود إلى حضن مجتمعه ينعم بدفئه وحنانه، ومن تثبت إدانته بحكم نهائي بات في جرائم الدم أو الخيانة يجري بتره من جسد المجتمع حتى لا يفسد الجسد بوجوده. أما الجرائم الأخرى التي يعاقب عليها بالسجن، فالسجن تأديب وتهذيب وإصلاح، تلك هي الأصول التي يجب مراعاتها عند الحديث عن المصالحة الوطنية وفقًا لما تعلمناه من الجلسات العرفية للمصالحة السائدة في المجتمع المصري، والواقع أن مبادرة المصالحة التي جرى طرحها في خارطة الطريق من جانب الفريق "عبد الفتاح السيسي" وتبناها الرئيس "عدلي منصور" وستكلف بها الحكومة هي مبادرة من جانب المجني عليه، فالمجني عليه في هذا الملف هو المجتمع المصري، والجاني هو جماعة الإخوان. وتتمثل جناية جماعة الإخوان الكبرى في كونها الأم لكل الجماعات المتطرفة التي اكتوى بلظى إرهابها المجتمع، كما أنها كانت وراء تفجر مشكلة الفتنة الطائفية بكل أبعادها المقيتة في مصر، بالإضافة إلى شق المجتمع وقسمته بين ما هو إسلامي وما هو غير إسلامي على أسس وهمية لا وجود لها في الواقع، مما أدى إلى نوع من الاستقطاب هدد سلامة وأمن المجتمع. أما جرائم الخيانة والدم المنسوبة لقيادات وأعضاء هذه الجماعة، كتبني الإرهابيين ورعايتهم، واستدعاء جماعات وجهات أجنبية للعبث بأمن مصر واستقرارها، واستعداء الدول الأجنبية على مصر، وموقعة الجمل وماسبيرو ومحمد محمود ومجلس الوزراء وبورسعيد الأولى والثانية والاتحادية والمقطم، ومهاجمة المواقع العسكرية، وقتل الجنود واختطافهم في سيناء وترويع المصريين بفتح السجون والتهديد بالسحق وأنهار الدماء... الخ. كل هذه جرائم يتعين التحقيق فيها أولًا حتي تكون التخلية قبل التحلية. أما دعوة حزب قياداته مقبوض عليها أو صادر بحقها أوامر ضبط وإحضار إلى الحوار أو المشاركة في الحكومة، وحضور قيادات أحزاب لجلسة الحوار وقواعدها موجودة في الميادين كي تناهض الثورة فهو أمر غير مفهوم وغير مبرر وغير مقبول. فإن كانت المصالحة ضرورة وطنية فإن المصارحة حتمية منطقية لوجودها، فلا وجود لمصالحة حقيقية دون مصارحة حتمية يا أولي الألباب.