منطقة محظورة على العقلاء وهواة المنطق.. شعارها «مناخوليا».. والاقتراب منها ممنوع لغير رواد «الخانكة» و«العباسية»، فأصحاب العقول فى راحة! ولما اقترب يوم الثلاثين من يونيو، تجمع الإسلاميون في جمعة مليونية، عند مسجد رابعة العدوية، ونصبوا منصة ميكروفونية، ليلقوا منها الخطب النارية، وأسموها مليونية "نبذ العنف والدموية"، وكانت كلماتهم حماسية، توعدوا فيها المخالفين بقطع رءوسهم التي قد أينعت مثل زهور برية، وسحقهم ومحقهم وضربهم بالجزم القديمة والنعال البالية، كل هذا في إطار من التسامح واللين والود والأريحية! حاول المصريون الفهم ولم يفلحوا فضربوا رءوسهم في الحيطان الخرسانية، حتى يحاولوا الجمع بين الشيء ونقيضه وفقا لنظريات الإخوان اللولبية، كسنية سوست المهلبية، حتى توصلوا بعد أخذ ورد ومشاريب رايحة وجاية، إلى أن هذه المليونية وأخواتها ما هي إلا "نبذة عن العنف"، ودليل أفعالهم الإجرامية، وهذا أساس قناعاتهم الفكرية، وأن نهار الثوار أبيض وأيامهم بمبية، وأنهم لابد أن يستعدوا لمثل تلك الأنواع والأشكال السلمية! وإلا فإنهم سوف يجدون أنفسهم ذاهبين في أبي نكلة وأم تعريفة مصديّة، وقد جرت المليونية ونقاشاتها وفقا للحوارات التالية: عاصم - صارخا بأعلى صوته في المحتشدين: سوف نحافظ على الشرعية التي يريد العلمانيون والملحدون أن يطؤوها تحت أقدامهم، وأقول لهم إني أرى رءوسا قد أينعت وحان قطافها، وكما قلت لكم يا إخوان "لا للعنف"، وإنكم تقدمون المثال الحي لذلك، فلا تحرش ولا حجارة ولا خرطوش، بارك الله فيكم وفي مليونيتكم. حجازي -عازفا على نفس الوتر: هذا هو رئيسنا المنتخب حامي الحمى خليفة المسلمين، واللي يرش الريس مرسي بالمية هانرشه بالدم، فلنهتف جميعا يا إخوان سلمية.. سلمية.. طارق- ناسجا على نفس المنوال: أيها الإخوة لقد توعدونا بثلاثين ستة ونحن نعدهم بالضربة القاضية، وسوف نسحقهم في ثلاثين ستة، ثلاثين ستة إسلامية. الجماهير ترد عليه "إسلامية – إسلامية"، ولابد أيها الإخوة من نبذ العنف والتمسك بالسلمية، والحمد لله رب العالمين. المعلم أبو شوال مخاطبا "بلحة" صبي القهوة باستغراب كبير: إلا قولي يا بلحة يا بني العالم دي دماغها طقة والا أنا اللي فهمي على قدي؟ منين مش عايزين عنف ومنين اللي هاينزل يوم ثلاثين ستة ها يعملوا فيه ويسوّا!! بلحة بنصف عين مفتوحة وشفتين مشلضمتين..بالكاد يخرج منهما الكلام مدغوما: بص أمعلم هو حاجة من الاتنين.. يا إمة في ناس ولاد.. العالم البركة دي عارفاهم، وعارفين إنهم هاينزلوا برضك يوم ثلاثين ستة فهمّ بقى فاقسينهم ولاقطينهم بس مش عايزين يقولوا عليهم عشان العالم السو دول مايخدوش بالهم، وعشان كده بيوجهوا لهم الكلام بالمستغطي: هانسحككم، واللي يرشنا بالميه هانرشوا بالدم، يقوم العالم دول يحطوا في عينهم حصوة ملح ويلموا الليلة، وبعدين ييجوا عند العالم الحلوة بتاعتنا يقولولهم لا للعنف وسلمية والحركات دي، يا إمة.. أستغفر الله.. أستغفر الله.. الصنف كان عالي حبتين. عاشور أبو دقن قافزا من كرسيه كمن لدغته حية رقطاء: أستغفر الله العظيم.. هم الإخوة الصالحين بتوع كده يا واد يا بلحة يا فاسق يا ماجن إنت.. هو الكلام الأولاني اللي انت قلته فيه جزء كبير جدا من الحقيقة - ثم ملتفتا لأبي شوال - قسما بالله يا عم أبو شوال.. فيه والعياذ بالله كما قال لنا الإخوة المهمين اللي في الجماعة الذين زادهم الله بفضل تقواهم له بسطة في العلم والفهم واللي بيفهمّونا ويعرفّونا الصح من الغلط إن فيه جماعة اسمهم اليساريين والعياذ بالله خطر جدا على مصر وعلى الإسلام والمسلمين وبيعملوا مؤامرات جامدة جدا لخراب البلد، قلنا لهم ودول نعرفهم ونفرقهم إزاي وهم عاملين مصريين ومتسميين بأسامي إسلامية، قالوا لنا تلبدوا لهم لغاية ما تيجي ساعة الأكل هاتبصوا تلاقوهم والعياذ بالله بياكلوا بأيديهم الشمال، يعني اليسرى، وبيشربوا بيها كمان، يبقوا يساريين على طول، ومخربين وبرضك معاهم ناس تانية أنقح منهم اسمهم العلمانيين، ودول بيحبوا يمشوا ورا العوالم وبيروحوا لهم كابريهات شارع الهرم وكازينوهات وسط البلد، طيب دا الحاج العريان الله يبارك له لسه قايل لنا إن هم السبب في أزمة البنزين والسولار وقطعان الكهربا والنور اللي داير في البلد وكافة الأزمات المفتعلة اللي هاريين بيها بدن الشعب الغلبان، وذلك لإسقاط حبيبنا وروح قلبنا فخامة الرئيس مرسي، لأنه أول رئيس ملتحي وحافظ للقرآن وبيصلي الفجر حاضر كل يوم، ربنا يزيده ويثبته، طيب مش هاتصدقوا.. دا في معدن مهم جدا اسمه "الفوسفاس" شافطينه كله ولاد الهرمة وبيخزنوه عشان يهربوه في المراكب لأمريكا وإسرائيل..أي والله. أبو شوال مستفهما: ويطلع إيه معدن الفوسفاس ده يا حاج عاشور؟! عاشور أبو دقن وقد وجد ضالته في جهل مستمعيه: والله يا عم أبو شوال إنت وكل الجماعة السامعين اللي قاعدين معانا.. الفوسفاس ده حكايته حكاية، ده معدن نفيس جدا بتتعمل منه الكونبلة النووية والذرية وجميع أنواع الكنابل، ولو حطيته في الثلاجة في درجة حرارة تحت الصفر وطلعته.. يا سلام تطلع منه إيشي جوز ولوز وعين جمل وكل ياميش رمضان، طيب ولا ليكم عليا حلفان أنا سمعت إن اليابانيين بيعملوا منه عصير قصب. جميع من في القهوة: الله أكبر ولله الحمد. المعلم أبو شوال: دا إحنا على كده مستهدفين بقى.. عشان ثروتنا الجامدة دي وإحنا ما نعلمش، روح يا شيخ ربنا ينصركم وينصرنا على العالم السو اللي عايزين يخربوا البلد يوم ثلاثين.. وفي صبيحة يوم ثلاثين ستة يخرج المصريون جميعا بالملايين ليزيحوا رموز الظلم والطغيان المتأسلمة، ويقتلعون بأيديهم أصنام الجهل الجاثمة على صفحة النيل المشرقة، يهرب المتأسلمون أمام الطوفان المصري المكتسح، يستفيق أهالي البلد ويدركون أن هذا الشباب المناضل الجميل، الذين هم أبناؤهم وأخواتهم لا يمكن أن يكونوا سوى شعب مصر الأصيل، يتبعهم أهالي القرية جميعا يتقدمهم عاشور أبو دقن حاملا علم مصر، بعد أن أذهب عنه الواقع ضلالات المتأسلمين وأكاذيبهم، ويمرون في طريقهم على المقهى التي كان المذياع فيها مفتوحا يصدح فيه المرحوم سيد درويش بصوته الشجي وموسيقاه العذبة برائعته: قوم يا مصري مصر دايما بتناديك.. خد بنصري نصري دين واجب عليك.