قادتنى الظروف أن أسافر وأذهب لحضور مناسبة فى قريتى.. استقللت السيارة وبعد أن غادرت المدينة عاصمة المحافظة التى أقيم بها مدينة (أسوان) بحوالى 5 كيلو مترات .. وكان الوقت بعد صلاة المغرب.. شاهدت شخصا واقفا على الطريق لكى يجد وسيلة مواصلات يتجه بها شمالا .. وكعادتى توقفت وسألته فأجاب وركب بجانبى مقدما الشكر والتحية لى.. فلاحظت من ملامحه وغترته ونطقه أنه غير أسوانى أو مصرى.. فرحبت به.. سائلا عن هويته فقال أنا (سورى).. فرحبت به أكثر وأكثر مستغربا.. من أين جئت إلى هذا المكان وإلى أين تتجه.. فقال أنا كنت بذلك المسجد ومتجه لقرية (....)!! فسألته وهل تعرف أحدا هناك؟.. قال نعم .. فأنا مقيم أنا وزوجتى عند رجل كريم وأسرة فاضلة هناك منذ حوالى عشرة أيام.. سألته.. هل كنت تعرفه منذ زمن؟.. وقلت فى مخيلتى ربما عملا سويا فى إحدى دول الخليج.. ولكنه قال لا أبداً.. فقد تعرفت عليه بالباخرة النيلية التى أقلتنا من وادى حلفا بالسودان ألى أسوان.. وأكمل قائلاً أخى محمود لقد فررت من سوريا أنا وزوجتى بعد أن تم تدمير بيتى بالقصف الجوى والبرى فى (درعا) ومقتل اثنين من أولادى نتيجة لذلك القصف.. فقلت له هل لديك أولاد هناك؟ قال نعم هم صغار وقد أودعتهم عند شقيقى وأسرته بمكان يبعد عن (درعا) وسافرت على الطائرة السورية المتجهة إلى الخرطوم.. فقلت له لماذا لم يسافر معك أولادك؟ قال: لم يكن معى مال يكفى لحجز التذاكر لهم على الطائرة.. فقلت له: لماذا لم تسافر للقاهرة مباشرة فهى أقل فى سعر التذكرة بالطبع بدلا من الذهاب للسودان ثم تحضر لمصر؟.. قال: الطيران متوقف للقاهرة.. قلت له وأولادك هناك؟ قال: أنا مهمتى حاليا وبمساعدة الخيرين هنا جمع مبلغ لإرساله لهم للحاق بى هنا.. فهمت من كلامه أنه يتوجه للمساجد المحيطة والقريبة من محل إقامته وفى مدينة أسوان لهذا الغرض.. وسألته أين كنت تقيم فى السودان.. قال تعرفت على سودانيين فى الطائرة التى أقلتنا من دمشق للخرطوم.. واصطحبتنى أسرة سودانية من المسافرين معنا وأقمنا معهم لمدة عشرة أيام.. ووجدت أن الحالة هناك صعبة جدا جدا فلم تستمر إقامتنا هناك.. وقد ساعدونا الإخوة السودانيين بجمع مبلغ يكفينا للسفر من الخرطوم لمدينة (وادى حلفا) براً ومنها بالباخرة لأسوان.. قلت له أنت من (درعا) والمعلوم أن المعارضة والاقتتال بين الحكومة والمعارضة بدأ منها.. أرجوك احك لى الحقيقة.. هل كان هناك دفع خارجى وتدخل خارجى من أمريكا والصهاينة لتثوروا ضد الرئيس بشار الأسد ونظامه بسبب مساعدته لحزب الله ضد العدو الصهيونى وصداقته مع إيران؟ فقال: لأ أبداً.. ما حدث أنه بعد الثورات العربية فى تونس ومصر وتناقل أخبارها وأحداثها تفصيليا فى الفضائيات.. كتب بعض طلاب إحدى المدارس الابتدائية على جدران المدرسة (الله.. سوريا.. الوطن).. فكانت الطامة الكبرى.. فمدير مباحث أمن الدولة فى درعا كما تقولوا هنا.. هو ابن خالة بشار الأسد.. فقام بمحاصرة المدرسة والقرية وتم القبض على 12 تلميذا من المدرسة وسط صراخهم واقتادوهم ولم نراهم إلا بعد 3 شهور من الاعتقال والتعذيب بالكهرباء وخلع الأظافر.. وعندما تعالت الاحتجاجات والمظاهرات أصدر بشار الأوامر له بعد 3 شهور بإطلاق سراحهم.. فتجمع أهالى الأطفال لاستقبالهم عند إطلاق سراحهم.. وخرج الأطفال.. وللأسف الشديد والمميت أن الأطفال لم يستطعوا التعرف على أمهاتهم وآبائهم وإخوتهم من هول وشدة التعذيب طوال 3 شهور.. لقد فقدوا عقولهم!!!! وهنا كانت الانتفاضة والثورة الكبرى لأهل (درعا) كلهم.. وخاصة عندما شتمهم وتطاول عليهم بتكبر وعجرفة وتسلط ابن خالة بشار، مدير أمن الدولة، قائلا لهم: لو ما أخذتم عيالكم وتمشوا من هنا حالا حنسوى فيكم أنتم أكتر من هيك!! هذه هى البداية فأين أمريكا!؟ ثارت ثائرة الناس ضد أمن الدولة.. فتدخلت قوات إمداد لصد ثورة الأهالى بالضرب والاعتقال والقتل فى درعا وتضامنت معنا (حمص) فى البداية.. فتدخلت قوات الحكومة لصد ثورة المتضامنين معنا فى حمص.. وهكذا توالت الثورات لكل أنحاء سوريا.. وخاصة أن (أمن الدولة) كان مثار غضب كل السوريين.. قلت له ولكن هناك من القوميين العرب من يقول: إن هذه مؤامرة صهيونية أمريكية على سوريا.. قال: أنا.. لا أنكر.. أن هناك عداء مستمراً بينهم وبين سوريا.. بسبب مساعدة سوريا لحزب الله ضد الكيان الصهيونى المعتدى والمغتصب لفلسطين.. وأعلم أن ما يحدث فى سوريا من اقتتال هو فى صالحهم.. ولا يتمنون أن يتوقف هذا القتال.. بل يقومون بإزكائه وسكب البنزين عليه ليزداد اشتعالاً.. لكن من هو السبب؟ ووصلنا عند هذه اللحظة لمكان إقامة أخونا السورى.. وحاولت أن التقط له صورة.. ولكن وجدته يرفض ذلك لأسباب يراها قد تهدد أمنه.. وأمن أسرته هناك فى سوريا.. فاحترمت رغبته.. والتزمت من ناحيتى ألاّ أذكر أسمه ولا اسم مضيفه ولا اسم القرية التى يقيم بها حتى يكون أكثر أماناً.. وودعته على أمل اللقاء به مرة أخرى.. ذهبت لقريتى.. سردت الحكاية لابن عمى.. فقال ألا تعلم.. فقد وصل عدد منهم لقرانا فى بلاد النوبة... فمرحبا بكم بين إخوانكم..