[email protected] قضية نهر النيل هى قضية الساعة وكل ساعة.. قضية الأمس واليوم والغد.. قضية التاريخ، والجغرافيا، والتواصل والترابط الإنساني والحضارى.. قضية الحياة والتقدم والنمو والازدهار.. صدق هيرودوت عندما قال إن مصر هبة النيل.. ومع إيماننا ويقيننا وتسليمنا بهذه الحقيقة، إلا أننا للأسف نتعامل معها بقدر من الاستهانة والاستخفاف.. إن من عاداتنا السيئة نحن المصريين أننا لا نشعر بقيمة ما بأيدينا، إلا إذا فقدناه.. وأحيانا نساهم بتهاوننا وغفلتنا وحمقنا فى ضياع ما نملك، رغم أهميته القصوى لنا..لا ندرك ذلك إلا بعد فوات الأوان.. كالطالب الذى يظل يلهو ويلعب ويعبث طوال العام، ثم ينتبه فجأة إلى أن لديه امتحانا فى الصباح.. قضية سد النهضة الإثيوبى ليست مفاجأة، ولا هى جديدة، فالكل يعلم بحقيقتها منذ سنوات، ويعلم أن الكيان الصهيونى يقف وراءها بهدف حصار مصر والضغط عليها من الجنوب..المشكلة أن السد سيقام على النيل الأزرق الذى يتوقف عليه حوالى 86٪ مما يصلنا من المياه.. وقد أعلنت إثيوبيا منذ أيام قليلة البدء فى تحويل مجرى النهر.. ولا شك أن بناء السد سوف يتحكم فى نصيبنا من المياه، إن شاءوا منحوا وإن شاءوا منعوا، وهو ما يمثل خطورة على حياتنا وحياة أجيالنا القادمة، ومن ثم فالقضية فى حقيقتها أمن قومى لا يمكن التساهل فيه أو العبث به.. كنت أتوقع عقب الإعلان الإثيوبى مباشرة أن يدعو الدكتور مرسى خبراء المياه والاستراتيجية والأمن القومى على وجه السرعة إلى لقاء عاجل لدراسة هذه القضية ووضع خارطة طريق فيما يجب اتخاذه من إجراءات عملية لضمان عدم المساس بنصيبنا من المياه.. لكن ذلك للأسف لم يحدث، على حد علمى. من المؤكد أن توقيت الإعلان عن تحويل مجرى النهر مناسب جداً لإثيوبيا ولمن يقف وراءها، فالنظام المصرى يكاد يكون فى أضعف وأسوأ حالاته، من حيث الانقسام والتفكك والتشرذم والدخول فى معارك مع القضاء والإعلام والمثقفين، فضلا عن المشكلات والأزمات الحياتية التى يعانيها المواطن المصرى، اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا.. لذا نقول إنه من الواجب، بل من الضرورى على الدكتور مرسى أن ينهى حالة الاحتقان والتوتر هذه، وما يتطلبه ذلك من سعى لجمع الشمل ورأب الصدع، وتجنيب البلاد كل ما يوقظ الفتن ويثير العداوة والبغضاء.. مطلوب فى هذا الوقت بالذات شراكة وطنية حقيقية قادرة على تحمل المسئولية والارتفاع إلى مستوى التحدى الذى تواجهه مصر.. أنا أعلم أن هذه النصيحة لن تجد آذانا صاغية، وأن هناك من سيهون من شأن المشكلة وآثارها، وتداعياتها، لكن ليعلم الجميع أننا سنواجه فى المستقبل القريب وضعا كارثيا ومأساويا، وهو ما يستلزم حشد كل الطاقات الدبلوماسية، الرسمية والشعبية، للتواصل مع الجانب الإثيوبى للحيلولة دون المساس بنصيب مصر من المياه. يجب على السلطة فى مصر أن تقوم بالتنسيق والتعاون اللازم مع السودان فى هذا الصدد، وألا يدخر البلدان وسعا فى الاتصال برؤساء دول حوض نهر النيل للتحذير من مغبة ما سيلحق بمصر والسودان من مخاطر.. كما يجب أن يكون هناك تحرك نشط وفاعل على المستوى الدولى للتعريف بالقضية، والضغط فى اتجاه إثبات حقنا القانوني والمشروع.. ويبقى لدينا الاستعداد لاستخلاص حقوقنا بالقوة، وفى الوقت المناسب إذا لزم الأمر.