قضية نهر النيل هي قضية الساعة وكل ساعة..قضية الأمس واليوم والغد..قضية التاريخ، والجغرافيا، والتواصل والترابط الإنساني والحضاري..قضية الحياة والتقدم والنمو والازدهار..صدق هيرودوت عندما قال ان مصر هبة النيل..ومع ايماننا ويقيننا وتسليمنا بهذه الحقيقة، الا اننا للأسف نتعامل معها بقدر من الاستهانة والاستخفاف..ان من عاداتنا السيئة نحن المصريين أننا لا نشعر بقيمة ما بأيدينا، الا إذا فقدناه..وأحيانا نساهم بتهاوننا وغفلتنا وحمقنا في ضياع ما نملك، رغم أهميته القصوي لنا..لا ندرك ذلك الا بعد فوات الأوان..كالطالب الذي يظل يلهو ويلعب ويعبث طوال العام، ثم ينتبه فجأة الي ان لديه امتحانا في الصباح.. قضية سد النهضة الاثيوبي ليست مفاجأة، ولا هي جديدة، فالكل يعلم بحقيقتها منذ سنوات، ويعلم ان الكيان الصهيوني يقف وراءها بهدف حصار مصر والضغط عليها من الجنوب.. المشكلة ان السد سيقام علي النيل الأزرق الذي يتوقف عليه حوالي 68% مما يصلنا من المياه..وقد اعلنت اثيوبيا منذ ايام قليلة البدء في تحويل مجري النهر..ولا شك ان بناء السد سوف يتحكم في نصيبنا من المياه، ان شاءوا منحوا وان شاءوا منعوا، وهو ما يمثل خطورة علي حياتنا وحياة اجيالنا القادمة، ومن ثم فالقضية في حقيقتها امن قومي لا يمكن التساهل فيه او العبث به..كنت أتوقع عقب الاعلان الاثيوبي مباشرة ان يدعو الدكتور مرسي خبراء المياه والاستراتيجية والأمن القومي علي وجه السرعة الي لقاء عاجل لدراسة هذه القضية ووضع خارطة طريق فيما يجب اتخاذه من إجراءات عملية لضمان عدم المساس بنصيبنا من المياه..لكن ذلك للأسف لم يحدث، علي حد علمي. من المؤكد ان توقيت الاعلان عن تحويل مجري النهر مناسبا جداً لأثيوبيا ولمن يقف وراءها، فالنظام المصري يكاد يكون في أضعف واسوء حالاته، من حيث الانقسام والتفكك والتشرذم والدخول في معارك مع القضاء والإعلام والمثقفين، فضلا عن المشكلات والأزمات الحياتية التي يعانيها المواطن المصري، اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا..لذا نقول انه من الواجب، بل من الضروري علي الدكتور مرسي ان ينهي حالة الاحتقان والتوتر هذه، وما يتطلبه ذلك من سعي لجمع الشمل ورأب الصدع، وتجنيب البلاد كل ما يوقظ الفتن ويثير العداوة والبغضاء..مطلوب في هذا الوقت بالذات شراكة وطنية حقيقية قادرة علي تحمل المسئولية والارتفاع الي مستوي التحدي الذي تواجهه مصر..انا اعلم ان هذه النصيحة لن تجد آذانا صاغية، وان هناك من سيهون من شان المشكلة واثارها، وتداعياتها، لكن ليعلم الجميع أننا سنواجه في المستقبل القريب وضعا كارثيا وماساويا، وهو ما يستلزم حشد كل الطاقات الديبلوماسية، الرسمية والشعبية، للتواصل مع الجانب الاثيوبي للحيلولة دون المساس بنصيب مصر من المياه. انه يجب علي السلطة في مصر ان تقوم بالتنسيق والتعاون اللازم مع السودان في هذا الصدد، والا يدخر البلدان وسعا في الاتصال برؤساء دول حوض نهر النيل للتحذير من مغبة ما سيلحق بمصر والسودان من مخاطر..كما يجب ان يكون هناك تحرك نشط وفاعل علي المستوي الدولي للتعريف بالقضية، والضغط في اتجاه اثبات حقنا القانوني والمشروع..ويبقي لدينا الاستعداد لاستخلاص حقوقنا بالقوة، وفي الوقت المناسب إذا لزم الأمر.