يتغير الاستبداد ولكن تبقى مصطلحاته وأدواته ومفرداته كما هى من مستبد لآخر، وفى مصر وعلى مدى العقود الأربعة الأخيرة، نعيد اجترار مصطلحات ترهيبية اتهامية من أجل عزل المواطن المصرى عن حقوقه الدولية وإعلاء ثقافة العيب والإنكار على مبدأ الحق والعدل وفقا لمقولة يخشون الفضيحة ولا يخشون الرذيلة، وللأسف يساهم كثير ممن يعملون فى حقل الثقافة فى ترديد هذه المصطلحات إما بدافع مساندة المستبد من أجل مصالحهم الخاصة أو بدافع من وطنية مزيفة، ومن هذه المصطلحات الاستقواء بالخارج، تشويه سمعة مصر، الكلام والحوار يكونان فى الداخل وعلى المائدة المصرية، وهل المستبد يتحاور أصلا؟ وماذا لو كانت مائدة الداخل من أجل التهريج والابتزاز والاستقطاب وتضييع الوقت وليس الحل؟.. المهم كل هذا العبث يصب فى النهاية فى تقوية المستبد وفى إضعاف المواطن.. وقد أثير هذا الكلام مؤخرا بعد إعلان المستشار الزند عن تدويل الاعتداء الجائر والمخطط على القضاء المصرى، ونسى هؤلاء جريمة تقويض أسس العدالة فى مصر وتمسكوا بكلام فارغ عن الاستقواء بالخارج . فى المقابل ماذا نعنى بالحقوق الدولية للمواطن؟ وما معنى أن حقوق الإنسان شأن دولي؟ أولا: الحقوق الدولية للمواطن هى المكمل لحقوقه الدستورية، وإن لم يتضمنها الدستور ويؤكد عليها يكون دستورا معيبا ومشوها وجائرا على حقوق المواطنين.. المفروض أن تكون هناك حماية وطنية لحقوق الإنسان بتوفيق الدستور والتشريعات الوطنية مع الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان وحماية ذلك من قبل القضاء الوطنى، وهذه الحقوق الدولية الأساسية متضمنة فى القانون الدولى لحقوق الإنسان، وفى القانون الإنسانى الدولى، وفى الشرعية الدولية لحقوق الإنسان، وفى المواثيق والمقررات الدولية. ثانيا: تعنى أيضا أن العدالة الدولية جزء أساسى ومكمل للعدالة المحلية والبديل لها فى حالة فشل العدالة المحلية، ومن ثم فإن اللجوء للمحاكم الإقليمية والدولية يشكل أحد الحقوق الدولية الرئيسية للمواطن، فالمسألة لم تعد شأنا محليا فقط ولكن أضحت جزءا من المسئولية الدولية تجاه مواطنى العالم. ثالثا: تعنى أيضا أن حقوق المواطن الدولية تعلو وتتجاوز مسألة سيادة الدول بالمفهوم التقليدى للسيادة المعمول بها منذ معاهدة وستفاليا لعام 1648، فحياة الإنسان وحرية الإنسان وحقوق الإنسان وكرامة الإنسان هى أمور أكثر أهمية بكثير من سيادة الدول، فسيادة المواطن هى أساس سيادة الدولة.. ومنذ محاكمات نورمبرج تم تدويل المسئولية الفردية وكان هذا أول اختراق لسيادة الدول وصميم سلطانها الداخلى، وجاء تأسيس اتفاقية الإبادة لعام 1948على فرضية أن هناك حقوق إنسان دولية لا يمكن انتهاكها بالسيادة الوطنية.. واستمر فقه حقوق الإنسان يتطور بعد ذلك لتطويع السيادة لآليات الحماية الدولية لحقوق الإنسان. رابعا: دولية حقوق الإنسان تعنى أيضا أنه من حق أى شخص فى العالم أن يتناول أوضاع حقوق الإنسان فى أى دولة ويقدم تقارير عنها للجهات الدولية وللرأى العام الدولى وللعدالة الدولية، ومن حقه مناقشة هذه الأوضاع وهذه التقارير فى أى مكان فى العالم، وهذا الحق هو الذى تأسست بناء عليه منظمات حقوق الإنسان الدولية المستقلة. خامسا: دولية حقوق الإنسان تعنى أيضا شرعية الشكوى من المظالم عالميا، ليس فقط للمنظمات الأممية والمحاكم الدولية ولكن أيضا للرأى العام الدولى وللمحاكم ذات الأهلية الدولية والتى تقبل مثل هذه القضايا، وهذا ينطبق على الفرد بقدر انطباقه على الجماعات والهيئات والأقليات والشعوب، فعالمية حقوق الإنسان منحت الفرد مركزا قانونيا دوليا فى مسائل حقوق الإنسان بصيغة المتمتع بالحقوق والمسئول عن انتهاكها.