أكد الدكتور محمد الجبة عضو هيئة التدريس بجامعة الأزهر أنه يوجد معنيين لضرب المرأة المذكور في قول الله تعالى: {وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ}، الأول المفارقة لا في المضجع فقط، بل مفارقة بيت الزوجية بالكلية. وقال: "هذا مستقًى من مصدرين: الأول: أنَّ مادة (ض ر ب) في القرآن الكريم دائرةٌ على معنى: العزل والمفارقة والإبعاد والترك، فالضرب في الأرض: السفر والمفارقة، والضرب على الآذان: منعها عن السماع، وضرب الصفح عن الذِّكر: الإبعاد والإهمال والترك، وضرب الخُمُر على الجيوب: ستر الصدر ومنعه عن الرؤية، والضرب بالسور بينهم: عزلهم ومنعهم، وضرب الأعناق والبنان: فصله وإبعاده عن الجسد". وأضاف أن المعنى الثاني هو الضرب الخفيف بالسواك أو ما يشبهه كما ذكر حبرُ الأمَّة ابن عباس، ذلك الضربُ المشعر بعدم رضا الزوج، بتعبيرٍ مادّيٍّ؛ حيث لم يؤثر الوعظ والهجر، والمسُّ بالسواك أو ما شابهه تعبيرٌ عن الجدِّيَّة وعدم الرضا، وعن الغضب والإعراض عن الزوجة، وإبعادها عن نفس الزوج الهاجر في الفراش، وهو عكس المسِّ باليد الذي يعني عادةً التعبيرَ عن المحبَّة والودِّ والتدليلِ، وأيُّ هدمٍ لعلاقات الكرامة والاحترام الواجب بين الزوجين في هذا؟ وأيُّ أذًى يلحقُ المرأةَ من هذا التعبير الذي يعبِّرُ به الزوج عن عدم رضاه عنها؟ والمصدر الثاني: فعله -صلى الله عليه وسلم– حين فارق بيوت زوجاته حين نشب بينه وبينهنَّ الخلاف، ولم يتعظنَ، وأصررن على عصيانهنَّ وتمرّدهنَّ رغبةً في شيءٍ من رغد العيش، فلجأ رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى (المشربة) شهرًا كاملًا، تاركًا ومفارقًا لزوجاته. أنه ليس هناك على وجه الأرض دين رفع قيمة المرأة وحافظ عليها كالإسلام. وقال إنه يخرج بين الفينة والفينة من يدعي الدِّفاعَ عن حقِّ المرأة، مُعترضًا على آيةٍ قرآنيةٍ شريفةٍ لم يفهم دلالتها، ولم يَعِ مقصودَها، وكأنَّه هو الموكَّل بالدفاع عن المرأة دون مَن خلقها: {ألا يعلمُ مَن خلقَ وهو اللطيفُ الخبيرُ}، وكان مما أثير من بعضهم زعمه الدفاعَ عن حقِّ المرأة في عدم التعدِّي عليها بالضرب، عائبًا على من قال ذلك، وهل قال الإسلامُ غيرَ ذلك؟، وهل فعلَ الإسلامُ غيرَ ذلك؟ وما الجديدُ الذي أتى به هذا الزاعم؟ وقد علم الناسُ جميعًا أنه ليس هناك دينٌ على وجه الأرض ردَّ للمرأة حقَّها ورفعَ قيمتها وحافظ عليها وصانها وسلك في سبيل ذلك كلَّ طريق، إلا دين الإسلام. أضاف الجبة: "إلا أنَّ هذا الزاعم أراد أن يُشَغِّبَ -على حدِّ قول أهل الجدل والمناظرة– على الناس، معلِّقًا على ما ورد في الآية الشريفة: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا}، مقتطعًا كلمةَ (واضربوهنَّ) من سياقها السابق واللاحق، وتصديرها للناس مجرَّدةً، مصوِّرًا الإسلام بأنه يأمر أتباعه بضرب المرأة وإهانتها وتعذيبها؛ وهذا فيه من الغشِّ والتدليس ما فيه". وأوضح الجبة أنه لو أنصفَ الرجلُ لسأل نفسه سؤالين اثنين، يستبين بجوابهما معنى الآية، وهما: من المرأة المضروبة؟، وما معنى (الضرب)؟، ولو تأمَّل الرجلُ أدنى تأمُّلٍ في الآية الشريفة – إن أراد الإنصاف - لوجد أن الأصل أنَّ النساءَ الصالحات قانتاتٌ حافظاتٌ للغيب بما حفظ الله، فلا يسري عليهن ما يأتي من أحكام لغير الصالحات اللاتي لا تحفظ بيوتهن وتصونها من انفصام عُراها، فخرج من قضية (الضرب) كلُّ امرأةٍ صالحةٍ كريمةٍ تحافظ على زوجها وبيتها وتصونهما في جوٍّ من المودَّة والرحمة. وتساءل عضو هيئة التدريس إذا فما الصنيعُ مع النساء اللاتي خرجن عن حدِّ الصلاح إلى النشوز والنفور والعصيان؟ هل هن المقصودات بالضرب؟ والجواب لا، لأنَّ منهن من رجعنَ عن نشوزهن ونفورهنَّ وعصيانهنَّ بمجرَّدِ جلوس الأزواج معهنَّ لتوضيح طبيعة اختلاف طبع الرجل عن طبع المرأة، وما يترتَّبُ على ذلك من حقوقٍ له عليها مما لم تكن المرأة على علمٍ به، ولا تدرك أبعاده، فأثَّرَ الوعظُ والعتابُ فيهنَّ، فخرجنَ هنا الأخرياتُ من قضية (الضرب). إذن، فمن المقصودة بالضرب هنا؟ هل هي المرأةُ التي لم يؤثِّر الوعظُ فيها؟ لا أيضًا، لأنَّ القرآنَ نصَّ على هِجرانها في المضجع؛ لأنَّ المرأةَ تعلمُ ضعفَ الرجل في حاجته إليها، وقلَّةَ صبره على إعراضها، فإذا رأت منه عزوفًا عن فراشها، وهجرًا لمضجعه، أدركت بغريزتها خطورةَ الأمر وجديَّته، وكثيرًا ما تعودُ المرأةُ عن لعبة (الإعراض) و(المغايظة) وتدرك أن علاقتهما في خطرٍ حقيقي قد يحطِّمها العناد والمكابرة، فتؤوب إلى رشدها، وتعود بين الزوجين روابط المودة والتراحم، فلا ينطبق على هذا الصنف أيضًا قضية (الضرب) في الآية. وتابع الحبة: إذن، فالمقصود بالمرأة المستحقة للضرب هذه الفئة القليلة التي شذَّت بالعناد والمكابرة، وأرادت أن تفصم عرى بيت الزوجية؟ نعم.. يعني كلام القرآن منصبٌّ على هذا الصنف من النساء فقط؟ نعم.. إذًا فما الداعي لهذه الضجَّة، وهذا التدليس الذي يزعم صاحبُهُ أن الكلام منصبٌّ على جنس المرأة عامة؟ وماذا يريد هؤلاء بدفاعهم عن عنصرٍ عنيدٍ في الأسرة يريد هدمها دون أي استجابةٍ من الطرف الآخر الحريص على معالجة الأمور بما يضمن تماسك الأسرة وعدم انهيارها؟ أليس في دفاعهم عن هذا العنصر العنيد إهدارٌ لكرامة الأسرة، وعَبَثٌ باستقرارها؟! ثُمَّ.. ما المقصود بالضرب في الآية الشريفة؟ بالطبع ليس معناه الإيلام والأذى الجسدي والإهانة؛ لنهي النبي صلى الله عليه وسلم الرجال عن الإقدام على ذلك، ولأنه يضعف الروابط الأسرية ويسرع بها إلى التفكُّك والانهيار، إذًا فما المقصود بالضرب في الآية الشريفة؟