يشتد الجدل حول ضرب المرأة وتقويمها. البعض يراه لفترة كأن الرجل يعاملها معاملة العبيد. فكيف يختفى الرق ويظل ضرب المرأة قائماً؟ والبعض يرى الالتزام بالحكم على إطلاقه. فإذا كانت المرأة من السفهاء، حسب تفسير بعض المفسرين، فلا غرابة فى ضربها أو حبسها أو الحجر عليها. الآية (وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِى جَعَلَ اللهُ لَكُمْ قِيَامًا)، قال بعضهم: السفهاء: المرأة والصبى. تفسير الطبرى: السفهاء هم النساء والصبية. قال الضحاك: «النساء من أسفه السفهاء». وقال مجاهد: «نُهى الرجال أن يؤتوا النساء أموالهم وهن سفهاء»، وقال الحسن: «هى امرأتك السفيهة، والنساء أتفه السفهاء»، وقال ابن عباس: «لا تعمد إلى مالك الذى خوّلك الله فتعطيه امرأتك أو بنيك فيكونوا هم الذين يقومون عليك، أمسك مالك، وكن أنت الذى تنفق عليهم». ويرد عليهم مفسرون آخرون قالوا «إن السفيه من لا يحسن التصرف فى المال أو غيره، كالمجنون والمعتوه لعدم رشده، رجلاً كان أو امرأة». وقال ابن جرير: «الخطاب لجموع الأمة ليشمل النهى كل مال يُعطى لأى سفيه رجلاً أو امرأة». ثم عادوا إلينا بتفسيرغريب للآية (فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِى الْمَضَاجِعِ)، قال بعضهم: معنى واهجروهن قيّدوهن، من هجر (ترك المكان) كالبعير إذا هجر المكان (وهو القيد الذى يقيد به البعير). فجئناهم بتفسير مغاير قلنا لهم قال الضحاك: الهجر هو هجر الكلام. ويقول سعيد بن الجبير والشعبى: هو هجر المضاجعة. ويقول القرطبى: يليها ظهره ولا يجامعها. إن الخلاف بين الفقهاء والمفسرين قسم الأمة فى كل المسائل ومنها ضرب المرأة. منهم من يرى الهجر فى المضاجع تأديباً، ومن يرى ربطها فى السرير كالأنعام تهذيباً، ومن يرى ضربها أمام أبنائها وإهانتها إصلاحاً، ومن يرى الضرب المبرح واجباً حتى يكون ملتزماً بالنص، ومن يرى الضرب غير المبرح بالسواك (بالمسواك) تأديباً وإصلاحاً وتهذيباً، وكل هؤلاء على صواب!!.. تعالوا إلى صلب الموضوع، الآية (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللهُ وَاللَّاتِى تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِى الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً). الآية (وَاللَّاتِى تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ) النشوز: هو النغم الناشز، أى عمل خارج المألوف. الحجاب مألوف الآن، وقبله لم يكن كذلك. استقبال المرآة للرجال مألوف الآن وكان سبباً لضربها سابقاً، حين قالوا إن ضرب المرأة حينما يخاف زوجها أن تنشز، أو تعصيه أو تسمح لأجنبى أن يدخل إلى البيت فى غيبة الزوج. الآية هنا تعطى للزوج حق تأديب الزوجة بالعظة والهجر فى المضجع والضرب على أساس الخوف من النشوز، وليس النشوز بنص الآية. البعض حاول التحايل قال: فسّر «تخافون» أى «تعلمون» بنشوزهن. والتفسير الأصوب، تخافون أى تخشون. المعقول أن تكون النصيحة والعظة للخوف من النشوز، وليس الضرب لأن خطأ النشوز لم يُرتكب بعد؟ ابن عباس يحصر أمر الضرب حين تتمنّع المرأة عن زوجها وقال: «يفعل ذلك ويضربها حتى تطيعه فى المضجع، فإذا أطاعته فى المضجع فليس له عليها سبيل إذا ضاجعته».وعن عكرمة عن النبى «واضربوهن إذا عصينكم بالمعروف ضرباً غير مبرح»، والعصيان هنا عصيان الفراش. تفاسير اقتصرت على رفض المضاجعة، دون النظر لأسباب الرفض، إما لعلة أو مرض أو كره، وكأن المرأة بلا مشاعر، والرجل كالمغتصب، وتغيب معه الألفة والأنس والرضا. تعالوا لتفسير آخر لأحد المفكرين فى الضرب: كلمة ضرب استُخدمت بمعان عدة فى القرآن، وتفسيرها حسب السياق (فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ)، وقال: (أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْحَجَرَ)، (فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْبًا بِالْيَمِينِ)، (يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ)، (وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فى الْأَرْضِ)، وقال: (لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فى الْأَرْضِ) وقال: (فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فى الْبَحْرِ)، وقال: (وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ)، وقال: (فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ فى الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا)، وقال: (فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ)، وقال: (وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلًا)، وقال: (وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ)، (وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا)، (مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا)، (وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا)، (أَفَنَضْرِبُ عَنكُمُ الذِّكْرَ صَفْحًا)، وكذلك «ضرب» لها استخدامات أخرى، ضرب العود والناى والبوق، وضرب اللبن بالخلط، وضرب النقود (سك)، وأضرب أى امتنع (من الإضراب)، كل ضرب له معنى غير الآخر، وما يُفهم من سياق الآية هو (واضربوهن)، أى لا تكلموهن. أما موضوع الضرب فكان أمراً مشاعاً وعادة لدى العرب كانت تمارسه، دون أمر إلهى بذلك، ولما نصح الرسول الناس بالضرب الخفيف غير المؤلم حتى بسواك لم يكن يسن تشريعاً، بل ينصح فى أمر دنيوى سيتغير مع الأيام كغيره من الأمور الشائعة. والدليل حديث الرسول «أيضرب أحدكم امرأته كما يضرب العبد، ثم يجامعها فى آخر اليوم؟»، وفى رواية عن عائشة: «أما يستحى أحدكم أن يضرب امرأته كما يضرب العبد يضربها أول النهار، ثم يجامعها آخره؟»، هذا دليل أن الضرب معناه فى القرآن يختلف عن المعنى الاصطلاحى الآن!! الخلاصة أن ضرب المرأة بغلظة أو برحمة غير جائز تحت دعاوى دينية أو إنسانية، وأتصور أن علينا واجباً أن نفسر النص تفسيراً يتفق مع العصر هو وغيره بما يضمن التعايش بود واحترام بين خلق الله جميعاً. اعتذار واجب. أعتذر عن خطأ غير مقصود فى مقال الجمعة الماضى محمد النفس الزكية وليس محمد النفس الذكية، لذا وجب التنويه والاعتذار.