محافظة الشرقية، غنية بأعلامها ورموزها وربما يكون أبرزهم أحمد عرابى زعيم الثورة العرابية، صاحب المقولة الشهيرة: «لقد خلقنا الله أحرارًا، ولم يخلقنا تراثًا أو عقارًا، فو الله الذى لا إله إلا هو، لا نورث، ولا نستعبد بعد اليوم» . ولد أحمد الحسينى عرابى، فى 1 ابريل 1841م، فى قرية «هرية رزنة» بمديرية الشرقية، وحفظ القرآن، تحت رعاية والده الذى كان عمدة القرية، فأرسله ثم التحق بالمدرسة الحربية، وارتقى سلم الرتب العسكرية بسرعة، وأصبح أميرلاى (عميد) فى سن الثلاثين، وشارك فى حروب الخديو إسماعيل فى الحبشة، وكان يعتبر أحد المصريين القلائل الذين وصلوا الى هذه الرتبة بسبب انحياز قادة الجيش وناظر الجهادية إلى الضباط الشركس والاتراك. ووفقا للمراجع التاريخية ، فإن أول ظهور حقيقى لاسم عرابى على الساحة، كان حين تقدم مع مجموعة من زملائه، مطالبين الخديو توفيق بترقية الضباط المصريين، وعزل رياض باشا رئيس مجلس النظار، وزيادة عدد الجيش المصرى، تلك المطالب التى لم يتقبلها الخديو، وبدأ فى التخطيط للقبض على عرابى وزملائه، فقد اعتبرهم من المتآمرين، وتنبه عرابى للخطر وقاد المواجهة الشهيرة مع الخديو توفيق يوم 9 سبتمبر 1881 فيما يعد أول ثورة وطنية فى تاريخ مصر الحديث، والتى سميت آنذاك ب«هوجة عرابى». ورفض الخديو توفيق مطالب عرابى قائلًا: كل هذه الطلبات لا حق لكم فيها، وأنا ورثت ملك هذه البلاد عن آبائى وأجدادى، وما انتم إلا عبيد إحساننا". فرد عليه عرابى: «لقد خلقنا الله أحرارًا، ولم يخلقنا تراثًا أو عقارًا، فو الله الذى لا إله إلا هو، لا نُورَّث، ولا نُستعبَد بعد اليوم».. الأمر الذى أدى إلى رضوخ توفيق لمطالب الجيش حين رأى التفاف الشعب حول عرابى ، وعزل رياض باشا من رئاسة النظار، وعهد إلى محمد شريف باشا بتشكيل الوزارة وتشكلت بذلك أول نظارة شبه وطنيه في تاريخ مصر الحديث.فقدكان شريف باشا من أصول شركسية إلا أنه كان رجلا كريمًا مشهودًا له بالوطنية والاستقامة، فألف وزارته في 14 سبتمبر 1881م، وتم تعيين محمود سامي البارودي ناظرا للجهادية وهو أول مصري يتولي هذا المنصب. لكن بعد أن ازدادت ضغوط الدول الأوربية الدائنة على مصر التي بات يتعين عليها دفع ما يقارب العشرين مليون جنيه استرلينى أو ما يقرب من ثلث دخلها القومى سنويا لسداد الديون. أصر مجلس الأعيان برئاسة محمد سلطان باشا على تغيير وزارة محمد شريف باشا وتقدم محمد شريف باشا باستقالته وتشكلت حكومة جديدة برئاسة محمود سامي البارودي، وشغل عرابي فيها منصب «ناظر الجهادية» (الدفاع). وقوبلت نظارة «البارودي» بالارتياح والقبول من مختلف الدوائر العسكرية والمدنية؛ لأنها كانت تحقيق لرغبة الأمة، ومعقد الآمال، وكانت عند حسن الظن، فأعلنت الدستور، وصدر المرسوم الخديوي به 7 فبراير 1882 غير أن هذه الخطوة الوليدة إلى الحياة النيابية تعثرت بعد نشوب الخلاف بين الخديوى ووزارة البارودي حول تنفيذ بعض الأحكام العسكرية، ولم يجد هذا الخلاف مَن يحتويه من عقلاء الطرفين، فاشتدت الأزمة، وتعقد الحل، ووجدت بريطانيا وفرنسا في هذا الخلاف المستعر بين الخديو ووزرائه فرصة للتدخل في شئون البلاد، فبعثتا بأسطوليهما إلى شاطئ الإسكندرية بدعوى حماية الأجانب من الأخطار. وازدادت الأمور سوءًا بعد حدوث مذبحة الإسكندرية في 11 يونيو 1882، وكان سببها قيام مكاري (مرافق لحمار نقل) من رعايا بريطانيا بقتل أحد المصريين، فشب نزاع وسرعان ما تطورت تلك المشاجرة البسيطة إلى أحداث عنف ضد الأوربيين المقيمين في الإسكندرية وقتل فيها حوالي خمسين أوربيا وأصيب خلالها أيضا أحد ضباط الأسطول البريطاني وجدت إنجلترا وفرنسا في أحداث الأسكندرية فرصة سانحة للتدخل واتهمتا «عرابى» ب التسبب في هذه الأحداث حيث اعتبرتاه المسئول عن تحريض المصريين ضد الأجانب، كانت الإرهاب. وفى 13 سبتمبر 1882 دارت معركة التل الكبير واستغرقت أقل من 30 دقيقة. حيث فاجأ الإنجليز فاجؤوا القوات المصرية المتمركزة في مواقعها والتي كانت نائمة وقت الهجوم. والقي القبض على أحمد عرابي قبل أن يكمل ارتداء حذائه العسكري وبعد دخول الإنجليز القاهرة في 14 سبتمبر 1882 ووصول الخديو قصر عابدين في 25 سبتمبر 1882 تم عقد محاكمة لعرابى وبعض قواد الجيش في المعركة وبعض العلماء والاعيان وتم الحكم عليهم في 3 ديسمبر 1882 بالنفى إلى جزيرة سرنديب (سيلان) أو سريلانكا حاليا، وتوفى عرابى فى القاهرة فى 21 سبتمبر 1911م.