في غرزة البارونة أم فتحية، الكائنة في الناحية الشمالية الشرقية، على ضفاف الماء الآسن بترعة الإبراهيمية، جلست سمارة القهوجية تُسلّك غابات الجوزات الخشبية، حتى تأكدت أن طريق الأنفاس سالك إلى رأسها الشعشعية، فتقدمت ترص عليه حجرا من حجارتها المحشية، وساوت بماشتها جمراتها المتقدة الفحمية، ثم طفقت في شوق تسحب الأنفاس المضمّخة العطرية، وتخرجها من خيشومها الملكي المشرف على كرزات شفتيها الوردية، وقد تعلقت أنظار مريديها بطلعتها البهية، وقوامها الممشوق ومفاتنها الأنثوية، ولفة واستدارة عبايتها البلدية. والكل متطلع إلى التلفاز وقناته الفضائية المصرية، لمشاهدة إعادة محاكمة المخلوع في قضية القرن التي أضحت قضية « القُرَنيّة»، ثم توالت الصباحات بدلا من المساءات لظروف المحاكمة الصباحية، ودارت الجوزة بين مريديها بالسوية، والكل يلثم فاهها لثم العاشق الولهان الهائم بحبيبته المرمرية، وقد تجمعت نخبة من فلاحي الكفر العواطلية، الذين لا يجدون حصادا رغما عن أنوفهم بسبب الأزمة السولارية، علهم يَفشّون غلّهم في المخلوع ونجليه والعادلي وزير الداخلية، وينسون همومهم بأنفاس الجوزة وحجارتها المحشية، وقد أخذوا يتابعون المحاكمة ، ودارت بينهم الحوارت التالية: أبو وردة مبهوتا: إيه ده.. شايفين اللي أنا شايفه؟!! يا سنة سوخة ياولاد.. مبارك.. محبوس وبيتمسخر بينا!! شايفين بيضحك إزاي؟ والشماتة هاتبظ من عينيه. أبو الشنبات والألم يعتصر قلبه: حسبي الله ونعم الوكيل في اللي كان السبب.. مسرحية يا ناس مسرحية. عاشور أبو دقن موظف الجمعية الزراعية المتأخون حديثا: أستغفر الله.. يا عم أبو الشنبات ما تقولش كده يا راجل، الريس مرسي وعد إنه هايجيب حق الشهداء وهاهو يفعل، ثم الراجل ذنبه إيه؟، القانون العلماني الكافر بتاع أيام الفساد هو السبب، كمان ماتنساش إن القضاء عايز يتطهر، وأول مجلس النواب الجديد ما ييجي، هايقوم النواب علطول مطلعين قانون جديد مفور 3500 قاضى مالهومش لازمة وزاحمين المحاكم بالكدب، ودا طبعا زي ما قال أبويا الحاج مهدي عاكف ربنا يبارك له، وننضف بقى.. أومال ..ده كلامه واضح زي الشمس يا أخي ومفهوم تمام .. الله. الفلاح أبو نويرة متسائلا بخبث: إلا قولي يا ريس عاشور الأكادة أنت طول عمرك يا خويا كنت حزب وطني، وكنت بتيجي تتسطل معانا، وبعدين لما الجيش مسك بقى شعارك المفضل والله زمان يا سلاحي، وبرضه كنت بتيجي تتسطل معانا، دلوقت لما الإخوان مسكم عملت إن ربنا هداك وربيت دقنك وطلعت لك زبيبة الصلاة ولسه قاعد بتتسطل معانا.. إنت دين أبوك إيه ياشيخ؟، قول لي!.. عاشور أبو دقن متلعثما: عيب الكلام اللي إنت بتقوله ده يا أبو نويرة يا بني، أنا طول عمري راجل حقاني وبحب الحق وماشي بالحق، وخلي بالك الحشيش مش حرام ولا مذكور في القرآن، وبالعند فيك هاخلص المحاكمة والحجرين وألحق صلاة الظهر في الجامع، ما فيش أحسن من الاستقامة يا حبيبي، أعمل لك إيه إذا كنت انت البعيد راجل جاهل، إنت فكرك إيه يعني؟. الحاج بعضشي وهو يمنع أبو نويرة من الاشتباك مع عاشور: استهدوا بالله يا جماعة، خد النفس الجامد ده من إيد سمارة يا أبونويرة وروق كده يابني، هو شيطان ودخل ما بينا يا إخوانا .. داهية تقطع السياسة علي اللي بدعوها، ولعلمكم بقى الريس مرسي قال هاجيب حقوق الشهداء، والراجل فعلا جاب حقوق الشهداء وعداه العيب وقزح كمان. عبد العال صول المركز: حقوق شهدا إيه اللي جت؟، جرى إيه يابا الحاج بعضشي.. إنت عمر دماغك ما كانت خفيفة، حجرين ونص خلوك تونون.. ولا الصنف دا مضروب يا بت يا سمارة.. نهار أبوكِ اسود.. انت جايبة لنا حشيش مسرطن يا بت؟!. سمارة محتجة: أبدا وشرفك يا صول عبد العال..هو نفس الصنف الأصلي بتاع كل مرة ماركة «يامة القمر ع الباب»، وحياتك ما باغيره. شمروخ المنجد: حقوق الشهدا جت إزاي، وكل الحرامية ورموز الفساد في نظام مبارك خدوا براءة؟!!. بعضشي باستفزاز أكثر للحاضرين: بقول لكم حقوق الشهدا جت يا جماعة يعني جت. أبونويرة وقد كاد عقله يطير عندما رأى مبارك يلوح لأنصاره خلال المحاكمة: أدام متأكد كده يابا الحاج بعضشي إنها جت، تبقى حقوق الشهدا جت.. بس وحياتك عشان مانطقش كلنا ممكن تشرح لنا جت إزاي؟.. الحاج بعضشي وقد أخذ نفسا عميقا: بصوا يا جماعة.. الشهدا دول لما ماتوا، ماتوا عشان مصر تنضف وتبقى أحسن بلد في الدنيا، وكان واجب علينا إن إحنا ما نسيبش دمهم يروح هدر، قوم إحنا أنتخنا وطرمخنا، وقعدنا سنتين وأكتر نشوف القاتل رايح جاي بالطيارة قدام عنينا هو وولاده ورموز فساده، ونضحك على نفسنا ونقول حق الشهدا هاييجي، وبعدين جهم الجماعة العساكر والمرحلة الانتقالية بتاعتهم بوجع قلبها وقلنا نصبر، لحد ما ربنا وقعنا في شر أعمالنا واخترنا الإخوان، وجالنا الريس مرسي وحلف ميت يمين وعظيم إنه هايجيب حق الشهداء، وقعدوا رموز الفساد يوم ورا يوم، واحد بعد التاني ياخدوا براءة في مهرجان «البراءة للجميع» لحد ما مبارك نفسه بكرة هايطلع براءة، وفي عصر الإخوان مش لاقيين غاز ولا سولار ولا شغلة ولا مشغلة، غير كمان ما أخونوا البلد وشحتوا عليها، كل ده برضوا ولسه شايفين إن مرسي ما جابش حق الشهداء مننا، ده ربنا خلص لهم جامد قوي.. هما ضحكوا علينا وراحوا جنة ربنا ونعيمها وسابونا في جحيم الإخوان وعذابهم الأليم - ثم يلطم على خديه ويدخل هو والحاضرون في وصلة بكاء وعويل -... آه يالهوي.. ياني ياامه. سمارة وقد رقعت بالصوت الحياني: أتاريه .. وأنا أقول ابن اللذينا كان بيحلف جامد قوي كده ليه.. يا لاااااهوي..