- السلام عليكم ورحمة الله.... السلام عليكم ورحمة الله.. تقبل الله يا شيخ مرزوق... هكذا عقب الحاج متولي على رفيق دربه الشيخ مرزوق؛ بعد أن سلم هو الآخر مأتّما به مع بقية من كانوا في الصف الأول الذي لم يكتمل انتظامه إلى آخر المسجد في صلاة الفجر خلال يوم شديد البرودة من شتاء يناير القارس... رد عليه الشيخ مرزوق بعد أن هز يده في مصافحة حميمة: منا ومنكم يا حاج متولي... يااااه.... بقى لك يومين ما حضرتش صلاة الفجر جماعة معانا في المسجد يا حاج، إنت كنت سقعان ولا إيه يا بركة؟!! عارف لو كنت غبت يوم كمان كنت أكيد هاجي لك البيت أسأل عليك، دا إحنا عشرة عمر يا راجل... والله وليك وحشة يا حاج متولي... الحاج متولي بحبور كبير: بارك الله فيك يا شيخ مرزوق وأكثر من أمثالك؛ هو ده العشم برضه يا مولانا، دا إحنا طول عمرنا أحباب... الشيخ مرزوق مؤيدا بحماسة: والله وكانت أيام يا حاج متولي، ربنا يديك الصحة والعافية وطول العمر وحسن العمل... الحاج متولي بتعجب كبير: أول مرة تدعي لي الدعاء الجميل ده وما تدعيش لنفسك يا شيخ مرزوق؟!! الشيخ مرزوق بتأثر بالغ وقد شرقت عيناه بالدموع: بايني سأجيب داعي مولاي قريبا يا حاج متولي.. ربنا يغفر لنا ويرحمنا ويتجاوز عن سيئاتنا. الحاج متولي بإشفاق بالغ: ما تقولش الكلام ده يا شيخ مرزوق... الشر برة وبعيد يا راجل، إنت أكيد شفت حلم أو كابوس مزعج هو اللي خلاك تقول كده، وبعدين "وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت" فتفائل خيرا وخليها على الله وفرفش بقى... الشيخ مرزوق بتسليم كبير: للأسف ماكانش حلم يا حاج متولي؛ كانت رؤيا وصحيت منها على أذان الفجر بيقول الله أكبر. الحاج متولي محاولا التخفيف من حدة الأمر على الشيخ مرزوق: يعني هو كان ربنا إدالك علمه يا شيخ، وبعدين أنت راجل بركة طول عمرك ما عملتش حاجة في دنيتك غير من البيت للجامع، ومن الجامع للبيت وبتصلي وتزكي وتصوم الفرض والنوافل وبتصلح بين الناس وبتعمل الخير، وعمر العيبة ما طلعت من بوقك الطاهر ده، ولا نزكي على الله أحدا... طيب أقول لك حاجة... تيجي نتفق على اتفاق ما حدش عمله قبل كده... إيه رأيك اللي يموت فينا الأول ويخلص حسابه وربنا يأمر بيه إلى الجنة بإذن الله يبقى ييجي للتاني يحكي له عملوا معاه إيه هناك وحاسبوه إزاي، وشاف إيه في الحياة الآخرة؛ عشان اللي فاضل مننا على وجه الحياة الدنيا يطمئن ويزداد من عمل الصالحات ويبعد عن المعاصي والعياذ بالله يبسط الشيخ مرزوق يده مبايعا الحاج متولي على هذا العهد أو الاتفاق، آخذا الأمر بمنتهى الجدية؛ بينما كان الحاج متولي في غاية الاستغراب، وبعدها لم تمض سوى أيام بسيطة حتى لبى الشيخ مرزوق بالفعل نداء ربه؛ ليزيد من حيرة الحاج متولي واندهاشه، ويظل يترحم عليه آناء الليل وأطراف النهار، بعدما رأى كرامته بالإخبار عن موته بنفسه وشهد عليها أمام العالمين. مرت شهور طويلة على رحيل الشيخ مرزوق ولم يف بوعده للحاج متولي الذي لم تعد على لسانه سوى كلمة واحدة مل منها كل من يعرفه، فلن يجلس أحد معه بعد ذلك إلا ملاحظا شروده الذهني الذي ينهيه دائما بقوله: بقى كده يا شيخ مرزوق؟! توعدني وتخلف وأنا كل ليلة استناك في المنام ما تجيش، ما كانش العشم يا غالي... وبعد عشرات السنين شرد الحاج متولي الذي عُمّر طويلا أمام أحد أحفاده الذي قال متندرا عليه: بقى كده يا شيخ مرزوق؟! ولم يلاحظ أن جده دخل في غفوة كان فيها في غاية السرور والانشراح معاتبا من يراه قائلا: بقى كده يا شيخ مرزوق؟! رد عليه الشيخ مرزوق قائلا بكل جدية: الحق نفسك بسرعة يا حاج متولي أنا ما كنتش ناسي الوعد ولا حاجة؛ بس والله لسه الجماعة مخلصين معاي الحساب دلوقت حالا، وجيت لك بعديها علطول ؟!!