تحل اليوم الذكري الخامسة لرحيل عميد مدربي مصر وأفريقيا، الكابتن محمود الجوهري صاحب السجل الناصع في تاريخ كرة القدم المصرية، وهو المدرب الذي خرجت جماهير مصر يوم 17 نوفمبر 89 لتهتف باسمه (جوهري... جوهري) بعد أن حقق الحلم وصعد بالمنتخب لمونديال إيطاليا 90 .. وقد ساقني الحظ للاقتراب من الجوهري في سنواته الأخيرة وأسعدني الحظ بالسفر إلى الأردن 6 مرات مع بعثة رفع الأثقال، كنت رفيقا فيها مع أولاد البلد الكابتن علاء نبيل والكابتن فكري صالح رأيت في هذه الزيارات كرم أولاد البلد والكابتن الجوهري على وجه الخصوص، وكان حريصا على زيارتي في الفندق الذي أقيم فيه وحرصه على وجودي معه في الاتحاد الأردني لكرة القدم، وفي المساء يختار الأماكن بمعرفة علاء نبيل الذي كان بمثابة ابنه البكر وهناك كان يتحدث على راحته ويحكي كأنه شريط يمر أمام عينيه..
حكي لي قصة انفصاله عن الأهلي وخلافه مع المايسترو صالح سليم، وكيف وصل بهما الحال للانشقاق بعد أن كانا الأقرب في الوسط الكروي ويقول الجوهري وقتها إنه من شدة علاقته بصالح سليم أنه كان ينظر في المرآة فلا يجد إلا صورة صالح. ولكن أين ومتي بدأ الشقاق؟ حكي لي الجوهري أن بداية القصة عندما كان مديرا فنيا للأهلي، وكان الفريق مسافرا إلى معسكر في ألمانيا وكان مصرا على اصطحاب محمد عباس معه إلا أن إدارة الأهلي رأت أنه لا أمل فيه وأنه سار في طريق الضياع والجوهري يري أنه يملك القدرة على إنقاذه من الضياع فحصل على وعد من صالح سليم أن يسافر ويلحق به عباس ولكن هذا لم يحدث فغضب الجوهري. واستمر حتى موعد الوصول لمصر ثم حدثت آخر مكالمة بين الجوهري وصالح، وقال الجوهري أن آخر كلمة قالها للمايسترو إنك لم تعد صالح بتاع الكورة إنما أصبحت صالح بتاع البيزنس ثم أغلق الخط لتبدأ فترة الشقاق والخلاف الكبيرة والتي لم ينجح أحد في إنهائها طوال سنوات عديدة وكلاهما انتقل لدار الحق. الجوهري عندما كان يتحدث عن الأهلي تجد دموعه تنهمر رغما عنه، وعندما قلت له إن هناك تفكيرا في أن يستعين بك الأهلي في فترة كان الأهلي يبحث عن مدرب رد قائلا: كل ما أطمح فيه أن تخرج جنازتي من النادي الأهلي هذا النادي الذي يسيطر على كل جوارحه.. الجوهري كان مدربا من طراز فريد لا يتحدث إلا في كرة القدم وحياته كلها كورة ويتابع كل كبيرة وصغيرة في عالم الساحرة المستديرة وكان يعشق عمله بدرجة جنونية يحلم بالكرة سواء كان نائما أو مستيقظا، ومن هنا صنع الأمجاد وكانت عينه الخبيرة وراء اكتشاف العديد من النجوم رأين الكأس وهشام عبدالرسول وطارق سليمان. لم يكن الجوهري يعترف بمهاجم في مصر سوي العميد حسام حسن ويعتمد عليه حتى لو كان برجل واحدة، وعندما أصيب حسام في كأس القارات بالمكسيك اعتمد على ياسر رضوان المدافع مكانه وكان يضحك عندما يتهمه الخبراء والنقاد بأنه مدرب لا يعرف سوي الدفاع كيف؟ وهو الذي أبهر العالم بتكتيكه في أمم أفريقيا 98 وكان أشبه بالمايسترو في إدارة المباريات. لم تكن الفلوس همه ولا شغله الشاغل، ويكفي أنه المدرب الذي كان يدرب المنتخب بدون أي شروط، وبراتب أقل من أي مدرب بكثير لأنه كان يعتبر نفسه جنديا في الميدان رغم أن مرات إقالته كانت لأسباب تافهة مرة بسبب الخسارة من اليونان في مباراة ودية وثانية للخسارة أمام السعودية في كأس القارات بعد شهور من تحقيق الأمم الأفريقية 98، وآخر عهده مع الكرة في مصر عندما أسند له الكابتن سمير زاهر رئيس اتحاد الكرة آنذاك مهمة المدير الفني للاتحاد مقابل 100 ألف جنيه شهريا. وعندما بدأ وضع خططه فوجئ بأن أولاده شوبير ومجدي عبدالغني وأيمن يونس يرفضونها ولا أنسي عندما التقيته في قناة دريم عندما كان يحلل الدوري، وإذا به يستوقفني ويقول لي بلغ صديقك سمير زاهر أني راحل، وأنه رافض أن يكون مجرد ديكور لتجميل واجهة اتحاد الكرة وطالما أولاده يفسدون خططه وبرامجه فإنه راحل لا محالة ولو أعطاه الاتحاد مليون جنيه في الشهر. هكذا كان الجوهري وهكذا كانت حياته، وأملك في جعبتي الكثير عن الراحل، رحمك الله وأسكنك فسيح جناته يا من كنت تذوب عشقا في بلدك وفعلت الكثير من أجل هذا الوطن.