«أولى القبلتين وثالث الحرمين».. «بيت المقدس».. «دار الله».. «البيت المطهر».. «البيت المقدس».. مسميات أطلقت على المسجد الأقصى الذي شهد تاريخًا طويلًا من الانتهاكات الصهيونية ضد أحد أبرز المقدسات الدينية على وجه البسيطة، إلا أنه يظل البوصلة والقبلة لمجرى الأحداث العالمية. وللمسجد الأقصى خصال خصه الله بها، حيث يتمتع «التحفة المعمارية» التي بنيت على مساحة 144000 متر مربع على سفح جبل في البلدة القديمة بالقدس الشريفة بروعة التصميم، وجمال معماري فريد من أعمدة ومنابر ومآذن وآبار، وكذلك قبة وإنشاءات داخلية مطعمة بالنحاس والفضة والذهب أيضًا، بجانب الحدائق وأسبلة المياه والقباب والمصاطب والأروقة والمحاريب وغيرها من المباني التي تصل إلى 200 مَعْلم، وشيدت في عصور ما بعد الإسلام، وحرص الحكام على تزيينها لتظهر في أبدع صور الجمال المعماري. ويحتل نحو سدس مساحة القدس، وهو على شكل مضلع غير منتظم، طول ضلعه الغربي 491م، والشرقي 462م، والشمالي 310م، والجنوبي 281م. ومن أهم معالمه، قبة الصخرة، وهي المبنى ذو القبة الذهبية، وتقع في وسطه إلى اليسار قليلًا، وسميت بذلك نسبة إلى الصخرة المشرفة التي تقع داخل المبنى والتي عرج منها النبي صلى الله عليه وسلم إلى السماء، كما يضم الجامع القبلي وهو المبنى ذو القبة الرصاصية، وهو موضع صلاة الإمام، وبجانبه المصلى المرواني تحت أرضية المسجد الأقصى، في جهة الجنوب الشرقي. ويضم أيضًا المسجد الأقصى القديم تحت الجامع القبلي، الذي بنى في العصر الأموي ليكون مدخلًا ملكيًا إليه من القصور الأموية، بجانب مجموعة السبل والآبار الكثيرة حول الأقصى، والمدرسة الأشرفية، ومدارس الأقصى، ومسجد البراق. وللمسجد قدسيته في الأديان السماوية الثلاثة، فهو في الإسلام أولى القبلتين تتبعه مكةالمكرمة والمدينة المنورة، وهو المسجد الثالث الأكثر قدسية نظرا لحديث الرسول: «لا تشد الرحال إلا لثلاث، المسجد الحرام، والمسجد الأقصى، ومسجدي بالمدينة»، كما أنه أسرى إليه الرسول في واقعة الإسراء والمعراج في قوله تعالى: «سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آَيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ»، وفى المسيحية هو «بيت الرب» وبه كنيسة القيامة التي قام المسيح ابن مريم بعد صلبه- حسب الرواية المسيحية-، أما في اليهودية فهو يقام على الهيكل المزعوم للنبي سليمان، ومن هنا بدأ الجدل التاريخي حول أحقية اليهود فيه وفي كل ربوع فلسطين. كما يزخر بنفائس في المتحف الإسلامي، ومركز ترميم المخطوطات والمدرسة الشرعية، والمكتبة الختنية. وسمّى الأقصى لبعد ما بينه وبين المسجد الحرام، ويبلغ طوله ألف ذراع وعرضه سبعمائة، وفي سقوفه من الخشب أربعة آلاف خشبة وسبعمائة عمود رخام، وعلى السطح 45 ألف شقفة رصاص، ويصل حجم الصخرة إلى ثلاثة وثلاثين ذراعًا في سبعة وعشرين. وبالنسبة لتاريخ النشأة، فلم تحدد بشكل دقيق السنة التي بني فيها المسجد، إلا أنه ورد في حديث نبوي أنه بنى بعد الكعبة بأربعين عامًا، فعن أبي ذر أنه قال: «قلت: يا رسول الله، أي مسجد وضع في الأرض أول؟ قال: المسجد الحرام. قلت: ثم أي؟ قال: المسجد الأقصى. قلت: كم بينهما؟ قال: أربعون سنة». واختلف المؤرخون في مسألة الباني الأول للمسجد الأقصى، فذهب البعض إلى أنهم الملائكة، أو آدم أبو البشر، أو ابنه شيث، أو سام بن نوح، أو النبي إبراهيم، بينما رجّح الباحث عبد الله معروف بأن آدم هو من بنى المسجد الأقصى البناء الأول. ويمكن الدخول إلى المسجد من عشرين بابًا، هي: «باب حطة، بابا النبي، أبواب محراب مريم، بابا الرحمة، باب بركة بني إسرائيل، أبواب الأسباط، أبواب الهاشميين، باب الوليد، باب إبراهيم، باب أم خالد، باب داود»، كما يضم محراب مريم وزكريا ويعقوب والخضر ومقام النبي وجبرئيل وموضع النمل والنور والكعبة والصراط متفرقة فيه. ويزخر المسجد الأقصى بنفائس، من مخطوطات عربية وأجنبية تعود إلى عصور قديمة، ولعل أبرز معالمه مكتبة المسجد الأقصى التي تعد قبلة للباحثين على مدار الزمن، نظرا لاحتوائها على 4 آلاف مخطوطة، من بينها عدد كبير من المصاحف والمخطوطات بمختلف اللغات بدءًا من العربية وحتى التركية. كما تحتوي المكتبة على آلاف الكتب الآثار الإسلامية والرسوم والخرائط والمجلات النفسية قبل نحو 100 سنة، بجانب 500 كتاب ومخطوط فرنسي، و400 كتاب مطبوع بالإنجليزية، إلا أنه يتعرض لحفريات تنفذها قوات الاحتلال الإسرائيلي حول وتحت المسجد الأقصى. ولم تتوقف قوات الاحتلال عن التنقيب بهدف البحث عن الهيكل المزعوم أسفل المسجد لنسف التراث الإسلامي، ومؤخرًا عثرت على قطع أثرية قديمة عليها رسومات زعموا أنها حروف عبرية تعود لفترات تاريخية قديمة، بجانب ميدالية ذهبية محفور عليها الشمعدان اليهودي. ورغم كل هذا إلا أن المسجد الأقصى يظل مَعْلمًا أثريًا يؤرخ لعقود مزدهرة وأخرى مظلمة مرت بها القدس على مدار التاريخ، إلا أنه يغتال يوميًا على يد الاحتلال الإسرائيلي المدنسة.