تشكل المتاحف الخاصة بالوادى الجديد واحدة من أهم المبادرات التي لجأ إليها جامعو التراث وفنانو الواحات، للحفاظ على آخر ما تبقى من الهوية الواحاتية وتفاصيل الماضي، فداخل جدران هذه المتاحف حكايات وروايات سطرها الزمن، لم توثق في أي مكان آخر. شُيّدت المتاحف الخاصة بالوادى الجديد على الطابع الواحاتي، فأغلبها مبنيّ من الحجر الرملى أو الطين، مدعومة بالخامات البيئية كأخشاب الدوم والنخيل والسنط، كما تأخذ شكل ونسق البيوت الواحاتية القديمة في حقبة أوائل القرن الماضي، وتشكل كل غرفة داخل المتحف زمنا معينا، مرت به الواحات، حيث يكون بداخلها صور ومجموعة مقتنيات نادرة خاصة بهذه الفترة. نحو خمسة متاحف خاصة موجودة بمحافظة الوادى الجديد، أشهرها على الإطلاق متحف "بدر عبد المغنى" بواحة الفرافرة، والذي يعتبر من المتاحف التراثية الدولية، والذي نشر عنه أكثر من موضوع بمواقع السياحة الدولية وإحدى الصحف الإيطالية، بالإضافة إلى متحف التراث الشعبى بمدينة الخارجة بمركز الحرف اليدوية، والذي نفذه مجموعة من الفنانين التشكيليين وجامعى التراث في الواحات، ويضم مجموعة كبيرة من المقتنيات والأدوات والرسومات الخاصة بأهالي الواحات قديما، بالإضافة إلى مجسمات وتماثيل تصف الحياة اليومية قديما. الفنان التشكيلى بدر عبد المغنى، صاحب متحف بدر بواحة الفرافرة، وهو أشهر المتاحف الخاصة بالواحات، والذي أصبح الآن مرجعا لجامعى التراث، فضلا عن أنه مزار سياحى لكافة الوفود السياحية التي تزور واحة الفرافرة، أكد أن فكرة بناء المتحف جاءت من منطلق حبه الشديد للطبيعة، وللواحات في الوقت الذي بدأت تزحف فيه المدنية والحضارة إليها، دون وجود تاريخ أو توثيق لحياة الأهالي الذين عاشوا في هذه البقعة القاحلة منذ آلاف السنين، لذلك جاءت من هنا فكرة إنشاء متحف يروى تاريخ المنطقة العريق ويكون في نفس الوقت مركز إشعاع ثقافى للأجيال القادمة، من خلال جمع ما تبقى من التراث القديم والاحتفاظ به وسرد تفاصيل الماضي. أكد بدر أن المتحف الخاص به هو الوحيد في الفرافرة، ويشمل عدة أركان مختلفة، فهناك ركن لمشغولات الخوص والجريد وأعمال الأرابيسك، بالإضافة لركن خاص بأعمال الخزف والفخار، فضلا عن ركن خاص بأعمال التطريز والخياطة والنحت على الأخشاب والصخور، كما أن هناك معارض صور قديمة توثق الحياة اليومية لأهالي المنطقة، بالإضافة إلى مجسمات وتماثيل تمثل مناسبات الفرح والحزن والأعياد والاستعداد لموسم الحج والزراعة والحصاد، وكذلك التعليم في الكتاتيب وغيرها من مظاهر الحياة اليومية القديمة. أشار عبد المغنى إلى أن هناك نحو خمسة متاحف للتراث الشعبى على مستوى المحافظة جميعها تم تصميمها على نفقة أصحابها الخاصة، لافتا إلى أنها كانت في البداية عبارة عن مبادرة لتوثيق تراث الواحات ثم تحولت بعد ذلك إلى مزارات سياحية، يقوم بزيارتها طلاب المدارس والجامعات المصرية والمهتمون بدراسة التراث، بالإضافة إلى الوفود السياحية التي تأتى من حين لآخر إلى الواحات، مضيفا أن المتاحف تتقاضى مقابلا ماديا بسيطا للغاية من الزائرين بهدف تطوير المتحف، وهناك متاحف أخرى لا تتلقى أية أموال والدخول إليها مجاني، خاصة أنها ليست ربحية في الأساس، لافتا إلى أن هذه المتاحف لا تتلقى أي دعم من جهات مانحة أو حكومية، وكل أنشطتها وأعمال تطويرها وتجديدها تعتمد على الجهود الشخصية. على حامد، أحد المهتمين بجمع التراث، ولديه متحف خاص بمدينة الخارجة بالوادى الجديد، والذي يشبه إلى حد كبير، متحف بدر المغنى بالفرافرة، أكد أنه استطاع، من خلال هذا المتحف، جمع عدد من المقتنيات والأدوات النادرة التي كان يستخدمها أهالي الواحات منذ أكثر من 100 عام، فلديه داخل المتحف أدوات الطهى والحرث والزراعة والبناء، بالإضافة إلى أدوات الزينة. أضاف حامد أنه استغرق نحو 8 سنوات كاملة في بناء متحفه الخاص، مرجعا ذلك إلى بحثه الدائم عن المقتنيات الواحاتية القديمة، والتي يعثر عليها داخل المنازل القديمة بشرق المدينة، وفى بيوت الأجداد بالقرى وبعض العائلات التي مازالت تحتفظ بالهوية الواحاتية وبذكريات الماضي، لافتا إلى أنه يضطر أحيانا إلى شراء بعض المقتنيات والأدوات النادرة من الأهالي لتعزيز متحفه بها، على الرغم من أن هذه الأدوات والمقتنيات ليس لها قيمة مادية حقيقية في الوقت الحالي، ولكن لها قيمة تراثية كبيرة. أكد أن محتويات المتحف جميعها تراثية وتاريخية وليست أثرية، وعمرها يعود من 100 إلى 200 عام تقريبا؛ لذلك لا يخشى عليها من السرقة داخل متحفه الخاص، لافتا إلى أن المتاحف الخاصة ليست كالمتاحف الأثرية الحكومية التي تؤمنها الشرطة، ولا يعتقد أن تتعرض للسرقة لأنه لا يوجد لصوص للتراث. محسن حسب، وكيل مديرية الثقافة بالوادى الجديد، أكد أن المتاحف الخاصة هي مبادرة واحاتية خالصة من فنانين ومحبى التراث بالواحات للحفاظ على هويتهم، لافتا إلى أن المديرية لها متحف خاص بها يقع بمدينة الخارجة، يضم المئات من التماثيل والمجسمات التي تسطر حياة أهالي الواحات قديما، مشيرا إلى أنه مع مرور الوقت سوف تتحول هذه المتاحف التراثية إلى متاحف تراثية، خاصة أنها تحوى مقتنيات يزيد عمرها على 100 عام، بعضها نادر للغاية وغير متوافر في أماكن أخرى. أضاف محسن أن المديرية تشجع على قيام هذه المتاحف عن طريق التسويق لها ودعوة الفنانين والقائمين عليها للمشاركة في المحافل الثقافية والملتقيات المحلية والدولية التي تنظمها وزارة الثقافة بين الحين والآخر، بالإضافة إلى تنظيم ورش عمل لاكتشاف المواهب داخل تلك المتاحف.