«من طلب العلا سهر الليالي» كلمات للإمام الشافعي كتبها في أبيات شعر تتردد دائما، عندما يحلم أحد بطموح داخله، فتكون هذه الجملة هي الدافع له دائما، وإن كانت ظروفه الحياتية تؤول دون النجاح مثل مريم القاهرة ابنة البواب وعبد الراضي الفلاح ابن الفلاح. بصعيد مصر في قرية نجع الجزيرة الفقيرة التابعة لقرية العتمانية بالبداري في محافظة أسيوط الأفقر على الإطلاق بين محافظات الجمهورية، منزل صغير يفتقر كل معاني الآدمية لا سفرة ولا صالونات إنما قطع أثاث بالية وأرضِ طينية رطبة صيفا وشديدة البرودة شتاء منزل مغطى بالبوص والقش ومفروش بعناء والد مسن مريض وشقاء 7 إخوة، نسجت قصة طالب ثانوية عامة، وسطرت نجاح بأحرف من ذهب، طلب فيها العلا وسهر الليالي وترك الدروس الخصوصية وضحى من أجل والده، وحصد ما تمناه بعد علمه بحصوله على مجموع 99.76%، لكنه لم ينل الاهتمام من المسؤلين ولم يتلقى أي اتصال من وزير أو محافظ، إنما وصل بفضل مجهوده وذاته لكلية الطب بجامعة القاهرة جنبا إلى جنب مع أولاد الذوات. الطالب عبد الراضي علام حسن عبد الراضي مواليد 17 ديسمبر عام 1997 الحاصل على مجموع 409 درجات في الثانوية العامة هذا العام، لم يحالفه الحظ أن يكمل امتحاناته كاملة مع زملائه في العام الماضي، بسبب مرض والده بالتهاب في الحالب ودخوله المستشفى قبل الامتحان الأخير بيوم واحد، وحينما خير بين مستقبله وحياة والده قرر أن يؤجل مادة الجيولوجيا؛ ليكون بجانب والده في مرضه وأجلها للعام الحالي نجح فيها بالدرجة النهائية. معاناة الفقر وأسباب التفوق عبد الراضي فلاح بسيط بأسيوط، لديه 20 قيراطا يستأجرهم كل عام؛ من أجل زراعتهم، ويقوم بحصاد ما زرع، ويبيعها لتكون هي مصدر رزقه الوحيد ليتمكن من الإنفاق على أسرته المكونة من 9 أفراد، حيث إن عبد الراضي الابن الثاني بين 7 أشقاء 3 ذكور و4 إناث منهم أخ واحد أكبر منه تخرج في كلية التربية ويعمل في عمل مؤقت بالقاهرة ليساعد والده في مصاريف المنزل البسيط الذي يفتقر لكل معاني الآدمية. شعر الأب بالمرض في العام الماضي، كان وقتها يؤدي عبد الراضي نجله الامتحان وأنهى 6 مواد، وتبقى له مادة وحيدة وهي الجيولوجيا، لكنه بعد أن شعر بمرض والده الشديد، قرر أن يؤجل امتحانه في المادة للعام التالي، من أجل أن يكون مع والده ويراعي الأرض ليتمكن من الإنفاق على الأسرة، واستمر في رعاية الأرض طيلة هذا العام حتى وقت امتحانه. عبد الراضي الذي زرع في أرض والده وحصدها، وحصد معها أحلامه وطموحه بعد تعب السنين، للالتحاق بكلية الطب، أدى مادة الجيولوجيا في هذا العام، وعند ظهور النتيجة لم يعلم درجاته إلا من زملائه، عندما تلقى اتصالا من أحد زملائه يقول له: "مبروك يا دكتور أنت نجحت وحصلت على مجموع 99.76%" هرع الطالب المثالي إلى صديقة لكي يتأكد من صحة ما قاله شاهد نتيجته لم يتمكن من إخفاء فرحته والدموع تتساقط من عينيه فرحا وهرع إلى والده ليبلغه بالخبر السعيد لم يكن من والده رد فعل إلا أن سجد لله شكرا. عبد الراضي ابن الفلاح الذي عاش وسط أسرة بائسة الحال لم يدشن لنفسه صفحة على موقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك" ولا يعلم عنها شيئا سوا من زملائه، فهو لم يكن لديه هاتف محمول من الأساس ولا يوجد في منزله أي هاتف إنما يتلقى اتصال أخيه على هاتف أبناء عمومته، وكل ما يهتم بيه هو القراءة الكتب الروايات، والشعر، مشيرا إلى أنه يقضي وقت فراغه في قراءة المعلقات الحماسية وكتب الأدب خاصة طه حسين، والوقت يقضيه في الغيط على حد قوله، لأنه يجيد الزراعة والاهتمام بالأرض خاصة القمح. أكد عبد الراضي ل«فيتو» أنه اعتمد بشكل أساسي على الكتب المدرسية، ولم يأخذ درسا سوى شهرا واحدا في مادة الفيزياء، ومنعه ضيق اليد وضيق الحال من استكمال الدرس، وقرر تركها لأنها لم تفده ولم يستطيع سداد مصروفاتها فاعتمد بشكل أساسي على نفسه وبعض مدرسي مدرسة العتمانية الثانوية المشتركة الذين أكدوا أنه دائم التفوق وكان يحتل مركز الأول دائما بين زملائه في نتيجة الامتحانات قائلا" كنت بشتغل على نفسي وسيبت الدروس لأني عارف إنها مش هتفيدني في أي حاجة وكنت بذاكر نحو 10 ساعات في اليوم العام الماضي وهذا العام ذاكرت أيام الامتحانات وباقي السنة اشتغلت فيها بالزراعة والفلاحة. وأضاف عبد الراضي أنه لم يكن يهتم بالسياسة أو مشاهدة التليفزيون أو لعب كرة القدم فلم يكن له أي ميول سوى الدراسة وقراءة الكتب ويعيش في حجرة صغيرة مكونة من "دكة" ينام عليها وفرش صغير وكنبه المتراصة التي لم تحتوي إطلاقا على أي كتب خارجية مذكرات، إنما اعتمد بشكل كلي على مراجعة الكتب والتدريب على نماذج أسئلة الوزارة في الكتب المدرسية ونموذج البوكليت الذي أكد أنه موفر للوقت رغم أنه امتحن فيه في المادة الأخيرة فقط. وأخيرا عقب علمه بنتيجته التي حصل فيها على الدرجات النهائية في جميع المواد حتى اللغة العربية التي خاف منها، خاصة التعبير لكنه لم ينقص سوى درجة واحدة في مادة الفرنساوي تقدم اليوم في التنسيق للالتحاق بكلية الطب جامعة القاهرة ليحقق حلمه في أن يصبح طبيب، بعد أن أصبح ابن الفلاح دكتور وتحقق حلمه قال: "أنا بحمد ربنا على ما وصلت إليه وكل ذلك بفضل أمي وأبي كان حلمي أن أكون في كلية الطب وتحقق الحلم وإن شاء الله هدفي أن أكون معيًدا في كلية الطب وأدرس للطلاب ومثلي الأعلى في ذلك الدكتور مجدي يعقوب". وتقدم الطالب بالشكر وأهدى نجاحه لوالده ووالدته التي تلقت خبر نجاحه بالزغاريد وشقيقه الأكبر الذي ينفق عليه قائلا "أبي رجل بسيط لكنه عظيم وعفيف وافتخر به أمام العالم أجمع، لأنه هو من وصلني لما أنا فيه الآن لم يبخل عليا بشيء وأتمنى أن يكون فخورا بي دائما وأحقق آماله وأحلامه فالفقر لا يعيب صاحبه أبدا، وأن أعود لبلدي وأنا طبيب كبير أعالج مرضاه مجانا ردا لجميلهم مشيرا إلى أنه لم يتلقى تهنئة من أي مسئول رغم كونه من أوائل الثانوية العامة وتمنى لو لمحة تقدير بسيطة ليزيد فرحة والديه". وفي ذات السياق تلقى الطالب عبد الراضي اتصالا من وزير التعليم العالي الدكتور خالد عبد الغفار يؤكد فيه تبني حالته حتى إتمام دراسته بكلية الطب جامعة القاهرة وأنه في انتظاره لتقديم العون له في أي وقت والتأكد على تلقيه العلم الذي يريده.