قالت المحكمة الإدارية العليا في أسباب حكمها بعدم قبول دعوى حل حزبي الأصالة، والنور، والحرية والعدالة والوسط والثورة والفضيلة، وتصفية أموالهما، وتحديد الجهة التي تؤول إليها، مع ما يترتب على ذلك من آثار، إن دستور مصر الحالي الصادر في 18 يناير 2014، ينص في المادة (5) على أن " يقوم النظام السياسي على أساس التعددية السياسية والحزبية، والتداول السلمي للسلطة، والفصل بين السلطات والتوازن بينها، وتلازم السلطة مع المسئولية، واحترام حقوق الإٍنسان وحرياته، على الوجه المبين في الدستور". وينص في المادة (74) على أنه " للمواطنين حق تكوين الأحزاب السياسية، بإخطار ينظمه القانون، ولا يجوز مباشرة أي نشاط سياسي، أو قيام أحزاب سياسية على أساس ديني، أو بناء على التفرقة بسبب الجنس أو الأصل أو على أساس طائفي أو جغرافي، أو ممارسة نشاط معادٍ للمبادئ الديمقراطية، أو سري، أو ذي طابع عسكري أو شبه عسكري. ولا يجوز حل الأحزاب إلا بحكم قضائي". وينص في المادة (87) على أن "مشاركة المواطن في الحياة العامة واجب وطني، ولكل مواطن حق الانتخاب والترشح وإبداء الرأي في الاستفتاء، وينظم القانون مباشرة هذه الحقوق، ويجوز الإعفاء من أداء هذا الواجب في حالات محددة يبينها القانون." وحيث إن قانون نظام الأحزاب السياسية الصادر بالقانون رقم 40 لسنة 1977 ينص في المادة (1) منه على أنه " للمصريين حق تكوين الأحزاب السياسية ولكل مصري الحق في الانتماء لأي حزب سياسي وذلك طبقًا لأحكام هذا القانون". وينص في المادة (2) على أنه " يقصد بالحزب السياسي كل جماعة منظمة تؤسس طبقًا لأحكام هذا القانون وتقوم على مبادئ وأهداف مشتركة وتعمل بالوسائل السياسية الديمقراطية لتحقيق برامج محددة تتعلق بالشئون السياسية والاقتصادية والاجتماعية للدولة، وذلك عن طريق المشاركة في مسئوليات الحكم". وينص في المادة (3) على أنه "تسهم الأحزاب السياسية التي تؤسس طبقًا لأحكام هذا القانون في تحقيق التقدم السياسي والاجتماعي والاقتصادي للوطن على أساس الوحدة الوطنية وتعمل هذه الأحزاب باعتبارها تنظيمات وطنية وشعبية وديمقراطية على تجميع المواطنين وتمثيلهم سياسيا". وينص في المادة (4) - المستبدلة بالمادة الأولى من المرسوم بقانون رقم 12 لسنة 2011 - على أنه "يُشترط لتأسيس أو استمرار أي حزب سياسي ما يأتى: أولا: أن يكون للحزب اسم لا يماثل أو يشابه اسم حزب قائم. ثانيًا: عدم تعارض مبادئ الحزب أو أهدافه أو برامجه أو سياساته أو أساليبه في ممارسة نشاطه مع المبادئ الأساسية للدستور أو مقتضيات حماية الأمن القومي المصري أو الحفاظ على الوحدة الوطنية والسلام الاجتماعي والنظام الديمقراطي. ثالثًا: عدم قيام الحزب في مبادئه أو برامجه أو في مباشرة نشاطه أو في اختيار قياداته أو أعضائه على أساس ديني، أو طبقي، أو طائفي، أو فئوي، أو جغرافي، أو بسبب الجنس أو اللغة أو الدين أو العقيدة. رابعًا: عدم انطواء وسائل الحزب على إقامة أي نوع من التشكيلات العسكرية أو شبه العسكرية. خامسًا: عدم قيام الحزب كفرع لحزب أو تنظيم سياسي أجنبي. سادسًا: علانية مبادئ الحزب وأهدافه وأساليبه وتنظيماته ووسائل ومصادر تمويله". وينص في المادة (7) - المستبدلة بالمادة الأولى من المرسوم بقانون المشار إليه - على أنه: " يقدم الإخطار بتأسيس الحزب كتابة للجنة الأحزاب المنصوص عليها في المادة (8) من هذا القانون،................ ويرفق بهذا الإخطار جميع المستندات المتعلقة بالحزب، وبصفة خاصة نظامه الأساسي ولائحته الداخلية وأسماء أعضائه المؤسسين وبيان الأموال التي تم تدبيرها لتأسيس الحزب ومصادرها واسم من ينوب عن الأعضاء في إجراءات تأسيس الحزب. ويعرض الإخطار عن تأسيس الحزب والمستندات المرفقة به على اللجنة المشار إليها في الفقرة الأولى خلال خمسة عشر يومًا من تاريخ تقديم هذا الإخطار". وينص في المادة (8) - المستبدلة بالمادة الأولى من المرسوم بقانون المشار إليه – على أن: " تشكل لجنة الأحزاب السياسية من النائب الأول لرئيس محكمة النقض رئيسًا، وتختص اللجنة بفحص ودراسة إخطارات تأسيس الأحزاب السياسية طبقًا لأحكام هذا القانون. ويعد الحزب مقبولًا بمرور ثلاثين يومًا على تقديم إخطار التأسيس دون اعتراض اللجنة. وفي حالة اعتراض اللجنة على تأسيس الحزب تصدر قرارها بذلك، على أن تقوم بعرض هذا الاعتراض خلال ثمانية أيام على الأكثر على الدائرة الأولى للمحكمة الإدارية العليا لتأييده أو إلغائه. ويعتبر القرار كأن لم يكن بعدم عرضه على هذه المحكمة خلال الأجل المحدد.............". وينص في المادة (17) - المستبدلة بالمادة الأولى من المرسوم بقانون المشار إليه -على أنه " يجوز لرئيس لجنة الأحزاب السياسية - بعد موافقتها - أن يطلب من الدائرة الأولى بالمحكمة الإدارية العليا الحكم بحل الحزب وتصفية أمواله، وتحديد الجهة التي تؤول إليها، وذلك إذا ثبت من تقرير النائب العام، بعد تحقيق يجريه، تخلف أو زوال أي شرط من الشروط المنصوص عليها في المادة (4) من هذا القانون، وعلى المحكمة تحديد جلسة لنظر هذا الطلب خلال الثمانية أيام التالية لإعلانه إلى رئيس الحزب بمقره الرئيسي، وتفصل المحكمة في الطلب خلال ثلاثين يومًا على الأكثر من تاريخ الجلسة المذكورة." وتابعت إن النظام الديمقراطي الذي أقام عليه الدستور الحالي البنيان السياسي للدولة، يقوم على أسس التعددية السياسية، والفصل بين السلطات والتوازن بينها، والتداول السلمي للسلطة، وتلازم السلطة مع المسئولية، واحترام حقوق الإنسان وحرياته، وبتلك الأسس يتحدد مفهوم الديمقراطية التي أرساها، وتتشكل معالم المجتمع الذي يُنشده، سواء ما اتصل منها بتوكيد السيادة الشعبية – وهي جوهر الديمقراطية – أو بالاشتراك في ممارسة السلطة – وهي وسيلتها -، أو بكفالة الحقوق والحريات العامة – وهي هدفها -، وأن الديمقراطية الحقيقية تقوم أصلًا على الحرية، وتتطلب لضمان إنفاذ محتواها تعددًا حزبيًا، بل هي تحتم هذا التعدد كضرورة لأزمة لتكوين الإرادة الشعبية وتحديد السياسة القومية تحديدًا حرًّا واعيًا، وأن هذا التعدد غير مقيد إلا بالتزام الأحزاب السياسية جميعها – سواء عند تكوينها أو في مجال ممارستها لعملها – كتنظيمات سياسية تعمل في ظل الدستور – بالمقومات والمبادئ الأساسية للمجتمع المصري وبمراعاة الأحكام المنصوص عليها في الدستور، ومن بين تلك الأحكام حظر تأسيس الأحزاب السياسية على أساس ديني أو بناء على التفرقة بسبب الجنس أو الأصل أو على أساس طائفي أو جغرافي أو ممارسة نشاط معادٍ للمبادئ الديمقراطية، أو سري، أو ذي طابع عسكري أو شبه عسكري، ولما كانت الأحزاب السياسية في النظم الديمقراطية شريك أساسي في مسئوليات الحكم وأداة رئيسية للمساهمة في تحقيق التقدم السياسي والاجتماعي والاقتصادي للوطن، فإن المشرع حرص على حماية الحق في تأسيسها والانتماء لها وتشجيعها وتيسير ممارستها للحياة الحزبية في أجواء تسيطر عليها المساواة والحرية، بما يحقق لها توسعة قواعدها الشعبية بغية وصولها للحكم أو مشاركتها فيه، بوضع برامجها المتنوعة موضع التنفيذ لخدمة الوطن والمواطن، ومن أدوات هذا التيسير أن جعل إنشاء الأحزاب السياسية بمقتضى إخطار يقدم إلى لجنة مختصة بهذا الشأن، وذلك وفقًا للشروط والإجراءات التي نص عليها قانون نظام الأحزاب السياسية، وقد بين القانون سالف الذكر كيفية تقديم الإخطار بتأسيس الحزب وما يستلزمه هذا التأسيس من إجراءات، وبالتالي لا يجوز للسلطة التشريعية أن تشترط لتأسيس الأحزاب الحصول على إذن أو ترخيص، وإنما يقتصر دورها في هذا الشأن على تنظيم الإخطار، وحماية الدستور للأحزاب ليست حماية ميلاد وتأسيس فقط، وإنما هي حماية حياة ووجود أيضًا، فقد حظر الدستور حل الأحزاب السياسية إلا بحكم قضائي، وحل الحزب يقصد به إنهاء شخصيته القانونية ووجوده القانوني، وبالتالي فإن حل الحزب إفناء لذاتيته يقتلعه من منابته، ويجتثه من جذوره، ويترتب على ذلك عدم جواز ممارسته لأي نشاط سياسي، كما إنه يستتبع حل الحزب تصفية أمواله، وتحديد الجهة التي تؤول إليها، ولأهمية الأحزاب السياسية في الحياة السياسية والنظم الديمقراطية السليمة، فقد نظم المشرع حلها عن طريق القضاء تنظيمًا إجرائيًّا وموضوعيًّا على وجه يحقق للأحزاب السياسية الضمانات الكافية لها، حيث لم يجعل للجهة الإدارية على الأحزاب السياسية سبيلًا أو سلطانًا في حلها، وإنما ناط برئيس لجنة الأحزاب السياسية – النائب الأول لرئيس محكمة النقض – أن يطلب من الدائرة الأولى بالمحكمة الإدارية العليا – وهي التي تستوى على القمة من محاكم مجلس الدولة – الحكم بحل الحزب، وتصفية أمواله، وتحديد الجهة التي تؤول إليها، واشترط المشرع شروطًا إجرائية سابقة على تقديم طلب الحل المشار إليه وهي: أولًا: أن يجري النائب العام تحقيقًا قانونيًا حول ما نسب إلى الحزب المطلوب حله، وإسناد التحقيق المشار إليه إلى النائب العام لا يعني أن التحقيق الذي يُجرى قبل طلب حل الحزب يقتصر على الحالات التي ينسب فيها إلى أعضاء الحزب بصفتهم الحزبية ارتكاب جرائم جنائية، وإنما التحقيق يُجرى بشأن تخلف أو زوال أي شرط من الشروط اللازمة لتكوينه، سواء انطوت هذه المخالفات على جرائم جنائية أو لم تشكل جرائم جنائية. ثانيًا: أن يقدم النائب العام تقريرًا بنتيجة التحقيق الذي أجراه في شأن المخالفات المنسوبة إلى الحزب يتضمن رأيه القانوني الذي يُعرض على لجنة الأحزاب السياسية. ثالثًا: أن توافق لجنة الأحزاب السياسية – بعد استعراض تقرير النائب العام والتحقيق الذي أجراه – على التقدم بطلب إلى المحكمة المختصة لحل الحزب. واشترط المشرع شرطًا موضوعيًّا للتقدم بطلب لحل الحزب وهو أن يثبت من التحقيق أن الحزب قد تخلف في شأنه أو زال أي شرط من الشروط الواردة بالمادة (4) من القانون رقم 40 لسنة 1977 بنظام الأحزاب السياسية والمستبدلة بالمرسوم بقانون رقم 12 لسنة 2011، باعتبارها من شروط وجود الحزب واستمراره في الحياة السياسية، فإذا توافرت الشروط المشار إليها فإن لرئيس لجنة الأحزاب السياسية – وحده دون غيره – أن يتقدم بطلب إلى الدائرة الأولى بالمحكمة الإدارية العليا يطلب منها الحكم بحل الحزب، وتصفية أمواله، وتحديد الجهة التي تؤول إليها. ولا يجوز لأى جهة إدارية أو لجنة الأحزاب السياسية أن تقرر حل الحزب السياسي، كما لا يجوز لغير رئيس لجنة الأحزاب السياسية – بعد استيفاء الإجراءات المشار إليها سلفًا - أن يطلب من المحكمة المختصة الحكم بحل الحزب السياسي، فلا يقبل طلب حل الحزب السياسي إذا قُدم من جهة إدارة أخرى، ولا من رئيس حزب من الأحزاب السياسية ولا من آحاد المواطنين، ولا يعد ذلك انتقاصًا من حق المواطنين في اللجوء إلى القضاء، لأن حل الحزب جزاء على سلوك وممارسة الحزب في الحياة السياسية، يتضمن عقوبة. وتحديد الجهة المنوط بها رفع الدعوى إلى القضاء لتوقيع العقاب بنص الدستور أو القانون هو أمر اقتضته – والحال كذلك – ضرورة دستورية لضمان حق الدفاع عن الحزب عن طريق إجراء تحقيق سابق على اللجوء إلى القضاء، كما هو الحال في إسناد الاختصاص إلى النيابة العامة برفع الدعوى الجنائية، وإلى النيابة الإدارية برفع الدعوى التأديبية، وهو ما سار عليه المشرع في إسناد طلب حل الحزب السياسي إلى رئيس لجنة الأحزاب السياسية لاعتبارات موضوعية، وحتى لا يتخذ طلب حل الحزب وسيلة للكيد والانتقام. وأشارت أنه لامحل لقول أن الدائرة الأولى بالمحكمة الإدارية العليا التي عقد لها المشرع الاختصاص بالفصل في طلب حل الأحزاب السياسية ستتولى بنفسها التحقيق فيما نسب إلى الحزب إذا لجأ إليها أحد المواطنين أو جهة غير التي حددها المشرع بطلب حل الحزب، لأن ذلك سيؤدي إلى مخالفة نص المادة (17) من قانون نظام الأحزاب السياسية المشار إليها، والذي أسند إلى النائب العام الاختصاص وحده دون غيره التحقيق فيما نسب إلى الحزب من مخالفات قبل طلب حله، ويخل بحق الحزب في أن تُعرض نتيجة التحقيق على لجنة الأحزاب السياسية لتُعمل سلطتها في تقدير مدى توافر شروط الحل من عدمه، كما أن تقديم طلب الحل إلى المحكمة المختصة من غير رئيس لجنة الأحزاب السياسية يشكل عدوانًا على اختصاص تلك اللجنة، فإذا تولت المحكمة التحقيق في طلب الحل الذي يُقدم إليها من غير رئيس لجنة الأحزاب السياسية – وهو ما لا يجوز ولا يمكن التسليم به – من دون إجراء النائب العام للتحقيق، فإن هذا الأمر يجعل من المحكمة جهة تحقيق واتهام وسلطة حكم وقضاء في آن واحد، وهو أمر غير جائز قانونًا، لإخلاله بمبدأ الفصل بين سلطة التحقيق والاتهام، وبين سلطة الحكم والقضاء، وهو ما يجرد المحكمة من صلاحية الفصل في طلب حل الحزب السياسي. وإعمالًا لما تقدم، ولما كان الثابت من الأوراق، أن طلب حل حزبي؛ الأصالة، والنور، وتصفية أموالهما، وتحديد الجهة التي تؤول إليها، قُدّم من الطاعن، ولم يُقدم إلى المحكمة من رئيس لجنة الأحزاب السياسية، بعد اتباع الإجراءات المشار إليها في المادة (17) من القانون رقم 40 لسنة 1977 في شأن نظام الأحزاب السياسية، ومن ثم فإن الطلب يضحى مُقدمًا من غير ذي صفة، ويتعين – والحال كذلك - الحكم ؛ بعدم قبول الطعن لرفعه من غير ذي صفة.