من حقِّ الصحفي القطري أحمد علي أن يدافع عن بلدته باستماتة ، مادام برنامجٌ تليفزيونيٌّ يستطيعُ أنْ يمحوها من على الخريطة بفقرة منه لا تتجاوز عشر دقائق ، فهي بلدته مجرّد شيء موجود على الخريطة العربيّة لا يستطيع كبار السن أمثالي رؤيته بالعين المجرّدة ، وعندما قمتُ بإحصاء عدد تلاميذ آل عيّاد في مرحلة الحضانة أي ما تحت سنّ ستّ سنوات وقبل سنّ التعليم الإلزامي وجدت تعدادهم ثلاثة أضعاف تعداد دويلة قطر الشقيقة التي وصفتها الصحف السيّارة والزاحفة على بطونها بأنها» أنقذت الاقتصاد المصري من الانهيار ... بما قيمته ثلاثة مليارات دولار « ! وأي بني آدم على وجه الأرض ، يرى بعض الصحف المصريّة تزغرد في مانشيتاتها بمثل هذا الخبر ، فسوف يخرّ صريعًا من هول الصدمة ! فعندما تتوقف حياة دولة بحجم مصر ، بتاريخها التليد من صناعة المجد والحضارة والفنون والعلوم والأخلاق والرجال ... وصولا إلى صناعة أقراص الطعميّة ، على ثلاثة مليارات دولار ومِن مَن ؟ مِن قطر التي لم تغادر بعدُ مرحلة التعليم الأساسي ، ولا تجيد إلا صناعة واحدة هي صناعة الفتن ، ف.... قلْ على الدنيا السلام !! الصحفي المذكور انزعج من فقرة « قطري حبيبي « في برنامج «البرنامج « على قناة cbc، وانطلق يدافع عن حقّ بلده في الوجود ، وبدلا من أن يطالب بوضعها داخل صوبة ، أو عمل تندة صغيرة فوقها تحميها من المطر والشمس وانتقادات المصريين الحاقدين ، راح يسبّ الشعب المصريَّ قائلا «إن الشعب المصري يخون رؤساءه ، وإن المصريين قاموا بالانقلاب على الملك فاروق ، وقتلوا السادات ، وانقلبوا على مبارك ، ويهاجمون مرسي الآن ، بينما قطر تشهد قيادة حكيمة ، والبلاد مستقرة وليست كما تعيشه مصر «، ويبدو أنّه لفرط قطريّته لا يعلم أن ما قاله ليس سُبّة ولا سبّا ، ولكنه شيءٌ يدعو للفخر والتباهي ، وربّما كان عدم فهمه راجعًا لكونِهِ يعيش في دويلة صغيرة وكِنزة ( ضيّقة ) ويمشي منحنيًا تحت سقوفها الواطئة فلم يعرف معنى الحريّة ولا طعمها ، حتى النُّخيلات والشُّجيرات التي يراها حوله كلها مسكينة مثله لها سقف معين لا تتخطّاه ، ولا ترتفع وتواصل نموها مثل بقية الأشجار في دول العالم التي تعرف الحريّة وتقاتل من أجلها !وإذا كان يريد أن يتعرّف على عبقرية التآمر أو المادة الخام لها ، فليسأل أحد أولياء أمره من الكبار والفاهمين ، أو يخطف رجله إلى قصر حاكم بلدته ، ويتجرّأ ويسأل : كيف وصل سيادته إلى الحكم ؟ وأين أولاد سعادته من زوجته الأخرى ؟ وهل ؟ ومتى ؟ ولماذا ؟ و.... كل ما في باب أدوات الاستفهام ، وعليه أن يحدّثنا عن آخر حركة شعبية قام بها مواطنوه ؟ وكم مليونيّة يا تُرى تجمّعت في تاريخهم و......... آسف آسف ، وأعتذر للأخ القطري وللقراء ... نسيت أنهم من المستحيل أن يقوموا بعمل مليونية حتى ولو استعانوا بالمقيمين من غير المواطنين ، وليس لهم إن أرادوا عمل مليونية إلا أن يستعيروا مواطنين من الدول المجاورة ! كما أودّ أن أسأل أخانا الذي تعلّم على أيدي المصريين : كم حربًا خاضتها قطر من أجل العرب ؟ وكم شهيدا قدمتم لقضايا العروبة ؟ أو : كم عدد القتلى عندهم في حوادث السيّارات مثلا لنحتسبهم شهداء حرب ( وخلاص )؟ أعتقد أنّك تعلم أن عدد مَن نفقدهم في مثل تلك الحوادث سنويّا يملأ خمس دويلات مثل التي تقيمون فيها ! ولو أنني أعرف أسماء المصريين الذين علّموك لذهبت إليهم وعنّفتهم لأنهم لم يعلموك على الوجه الأكمل ، فلو كانوا أتموا المهمة بإتقان ، لجعلوا منك مواطنًا واعيًا راسخًا راسيًا ، لا يثور ويفقد صوابه من فقرة في برنامج ساخر كلّ المقصود منها هو السخرية من الذين يحكمون مصر لا الذين يحكمون قطر ولا الشعب القطري البريء الذي نكنّ له الاحترام بالرغم من أنه لم يقدم أية تضحيات تُذكر للقضايا العربية ، وهذا ليس ذنبه بالطبع ! مشكلة إعلامنا الحرّ القاسي العنيف ليست معكم ، لكنها مع الذين قاموا بتصغير مصر وتقزيمها حتى أصبحت تتخذ من قطر عكّازا تتوكّأ عليه في هذه الليالي السوداء الكئيبة التي لا ذنب لنا كمواطنين ولا لكم فيها ، ولو أنهم فعلوا لمصر ما يليق بها ، ولم ينهكوها في حروب جانبية ما كانت تخطر لنا على بال ، ما كانت هذه حالنا ، وما ضحك علينا القاصي والداني وكلّ الشامتين وهم يرون إعلام التطبيل والنفاق وهو يزغرد لهذا الإنعام القطري السامي ، نحن يا أخي في العروبة والإسلام والصحافة ليست لنا مشكلة معكم ، مشكلتنا معنا نحنُ تحت سقف بيتنا الواسع الكبير الضخم ، لكنك بحُسن نيّة أو بسوئها مددت رأسك ( وأصابعك ) في الموضوع ، فجررت على نفسك وبلدك ما لا طاقة لكم به ، والغريب ( المدهش ) أنك هددت الإعلامي الساخر تبعنا قائلا « نملك ( في قطر ) أقلامًا لاتستطيع أنت أو أتخن شعب عربي مواجهتها، فلا تجبرونا على استخدامها في الشغب الصحفي «، بالله عليك هل هذا كلام يخرج من مواطن عاقل ؟ فما بالك وأنت الصحفي المخضرم الذي لم أسمع عنه إلا مع هذه الزوبعة ؟ تهدد مصر بالأقلام التي تملكها قطر ؟ «رعبتني ربّنا يرعبك « أعتقد أنك تقصد الأقلام التي في العُلب ، فربّما يكون لديكم ملايين الأقلام بالفعل في المخازن ، لكن الأقلام بالمعنى الصحفي المعروف فهذا معناه فعلا أن المصريين الذين علّموك لم يُحسنوا تعليمك ! عندما تهددنا بالأقلام المشاغبة التي تملكونها فهذا دليل على أنك نسيت أن تعيّرنا بأننا أعظم صنّاع السخرية على وجه الأرض ، وإن كنت لا تصدّق فارجع إلى «تويتر « الذي أسأت استخدامه ، وارجع إلى الفيس بوك ، وبقية المواقع والمنتديات العربية لترى كم جررت على نفسك وعلى مواطني بلدك الأبرياء واللهِ من نكات وتشنيعات وتغريدات موجعة كانوا في غنى عنها لولا غاراتك الفجائية ضد الإعلامي المصري ثم الشعب المصري ثم مصر العظيمة بجلالة قدرها وتاريخها ، وأصارحك القول إنني لم أندهش لغارات الساخرين المصريين ضدك وضد قطر ، اندهاشي الأكبر كان من ردود الفعل الرافضة لموقفك ( أعني إساءتك لمصر ذاتها ) من الأشقّاء العرب ، من أدباء وكتاب وصحفيين ومواطنين عاديين ، أما الاندهاش الأعظم فكان من مواطنين قطريين دخلوا بسرعة على الخط ليقولوا إنهم يحبّون مصر ولم يغضبوا من تلك الفقرة في البرنامج ، ومهما حدث من زوابع طارئة فلن يؤثر على الاحترام والروابط الأخوية بين الشعبين ، وهذا ما قوبل بما يليق به أيضا من المصريين ، وهذا ما نريده بالفعل ، لكن للأسف الشديد أنت تريد وأنا أريد والشعوب ( المحترمة ) تريد والحكومات تفعل بنا ، وضدنا ، ما تريد . أعود إلى جزءٍ آخر مما قاله دوّنه أخونا في العروبة والإسلام والصحافة والقطرنة فأجده يقول : « إن أمريكا تدوس بجزمتها على رؤوس المصريين مقابل المساعدات المالية المشروطة « ، وبصراحة شديدة أقول له إننا نعرف أن أمريكا تتعطّف علينا بمعونات دولاريّة أصليّة ، ولكنها لا تدوس رؤوسنا بجزمتها يا « قطري حبيبي الأخ الأصغر «، فيما نعلمه وتعلمه أنت هي تشتري سكوتنا وعدم إزعاج إسرائيل حتى تنام هادئة من ناحيتنا ، وأنا أعتبر ذلك عيبا ، لكن من زاوية أخرى غير التي تراها سعادتك ، وذلك لبُعد المسافة بينكم وبين إسرائيل ، وإن كانت الطائرات قد قرّبت كلّ شيء وأصبح بوسعكم أن تتناولوا الغداء في إسرائيل ، وبوسع قادة الإسرائيليين أن يتنزّهوا في أسواقكم علنًا وبلا أدنى خوف أو خجل ، وأن تتسابقوا لالتقاط الصور معهم ، وهذا ما لم يجرؤ أحدهم على ارتكابه في شوارع القاهرة التي لا تجيد إلا صناعة أقراص الطعمية ( وتعرف أن مجموع مساحة أقراص الطعمية التي يتناولها أهل القاهرة في طعام الإفطار .. أكبر من مساحة قطر ) ! ولو دققت في العيب أعلاه ، تجده يقع على عاتق الرؤساء ، وأحدهم قتلناه ( طبقا لكلامك ووصفنا بالخونة ) ، والآخر ثُرنا عليه ( ويعيش بين محبسين كبيرين في سجن طرة ، وفي مستشفى المعادي ) والثالث نواصل الثورة ضده وانتقاده ونقول له : لا ، بأعلى أصواتنا ، لأننا نصنع التاريخ ونصنع الحريّة جنبا إلى جنب مع صناعتنا للطعمية التي أنا على يقين أنك تحنّ إليها وإلى رائحتها ، لأنك تناولتها هنا من أيدي كرماء شرفاء يحبون كلّ مَن هو عربي ويفرحون به . لقد اختلفت مع أصدقائي وزملائي من النقّاد ومؤرّخي الشعر في عناقه مع الموسيقى حول ما قام به باسم يوسف مع العمل الخالد «الوطن الأكبر «، فقلت للرافضين منهم إن هذا كان متعارفًا عليه في النصف الثاني من القرن العشرين ، وحدث كثيرا على يد الشاعر فتحي قورة الذي كان يقوم ب «قلب « الأعمال الشهيرة ليغنيها كبار الساخرين وقتها أمثال عمر الجيزاوي ومحمود شكوكو وجمالات زايد وغيرهم ، وكانوا يفعلون ذلك مع أغاني أمّ كلثوم وعبد الوهاب وفريد وعبد الحليم ، وكان هؤلاء الكبار يصفقون لهم ، وما فعله باسم يوسف كان قاسيًا وموجعًا لكنّه موجّه بالأساس إلى ما يفعله بنا حكّامنا وليس حاكم قطر ! وكاد الموضوع يمر ويذهب إلى الأرشيف ثم النسيان ، لكن الأخ أحمد علي لم يشأ له ذلك ، فأيقظه بعنف ، ليضع قطر أمام قطار السخرية ، ولتتحمل السياط نيابة عن حكومتنا الخفيّة ، وعن الذين تسببوا في أن تكون ثلاثة مليارات من قطر طوق نجاة لدولة بحجم مصر ، وهذا لو كان الصحفي القطري يدرك ذلك هو أفظع ردّ علينا ! وأنصح المواطن القطري المذكور بمشاهدة قناة مصر 25 بدلا من cbc ، وألتمسُ من الذين رفعوا دعاوى قضائية ضد باسم يوسف بتهمة الإساءة إلى دولة باكستان ، أو الإساءة إلى جماعتنا في قطر ، بأن يتعطّفوا علينا ويرفعوا ولو دعوى واحدة ضد الذين أساءوا إلى دولة مصر وجعلوها تصل إلى هذا الحضيض .