دعا إلى تأمين منابع النيل بعد صعود الإسلام السياسي.. وحذر من حمامات دم بسبب جمود الخطاب الدينى محاور مشروعه التنويري: نقد الإسلام السياسي والتاريخي وحتمية الاجتهاد والدفاع عن الدول المدنية ربط بين الخطاب الدينى المتطرف والنازية في الاستعلاء والعنصرية واستخدام العنف آمن أن الإرهاب ولد من رحم جماعة الإخوان في العشرينيات.. ونبه إلى خطورة الصراع السنى- الشيعى في 8 يونيو 1992، اخترقت رصاصات الغدر التي انطلقت من أيادى الجماعات الإسلامية، كبد وأمعاء الدكتور فرج فودة، الذي قتلته أفكاره التي نادي فيها بضرورة فصل الدين عن السياسة والدولة لا المجتمع. كان فودة- كما قال أندرو نادر الذي أعد العديد من الدراسات والأبحاث عن الراحل-«يمتلك نفس قدرة عيون زرقاء اليمامة» فقد استشرف العديد من الأحداث السياسية التي مازلنا نعيشها حتى الآن، ويرى تفاصيل خطورة وتمدد الفكر المتشدد والمتطرف، الذي يجتاح البلاد العربية،تحت راية الإسلام حتى يسهل التهامها ووقوعها فريسة واحدة تلو الأخرى في قبضة مستعمر قديم، جدد أفكاره وطور أدواته، ووجد أن أسهل طريقة لغزوها هو تدميرها ذاتيا من الداخل وباسم الدين، فقد دفع حياته ثمنا لذلك، وظلت أفكاره حية عصية على التوارى تحت التراب. كانت الاضطرابات السياسية التي شهدتها المنطقة العربية في نهايات فترة السبعينيات وبداية الثمانينيات، بنمو الجماعات الإسلامية على المستوى الداخلى، والتي انتهت باغتيال الرئيس أنور السادات في 6 أكتوبر 1981، وانتصار الثورة الإسلامية في إيران عام 1989، على المستوى الخارجى، الدافع الأول لفرج فودة في احتراف الكتابة، واستشعار خطورة تمدد الأفكار المتطرفة، متوقعا أن الصراع العربى الإسرائيلى في طريقه للتآكل، بعد معاهدة السلام بين إسرائيل ومصر، وبأن صراع مصر في الشرق الأوسط سيتحول إلى الجمهورية الإيرانية الإسلامية، أما الصراع المسلح فسوف يتجه إلى الجنوب، حيث مصادر المياه، داعيا إلى تأمين منابع مياه النيل ومساره، منبها إلى أن صعود التيار الإسلامى في السودان في عام 1983، يمثل خطرا إستراتيجيا على أمن مصر القومي. عصر التنوير الثانى ينتمى فكر فودة إلى ما يسمى بالعصر الثانى للتنوير المصري، والذي يتميز عن عصر رواد التنوير مثل الطهطاوى وعلى مبارك وأحمد لطفى السيد وسعد زغلول وقاسم أمين وطه حسين وعلى عبد الرازق وأحمد أمين، بنشوئه في بيئة أكثر عداء وعنفا، وإلى جرأته في معالجة الكثير من القضايا الخلافية، حيث اعتبر أن الاتجاهات الإسلامية المتطرفة قد نجحت في إشاعة جو من الإرهاب الفكرى السياسي، ويعتمد التنوير المصرى في الأساس على معالجة قضية العلاقة بين الإسلام والحداثة، ويرى فودة أن الدين جزء من مكونات الشخصية المصرية" ومن ثم فإن أولى خطوات التنوير هي أن يدرك أنصار التيارات الإسلامية أنهم ليسوا وحدهم جماعة المسلمين، وأن معركة التنوير في مصر تقوم بين فريقين من المسلمين يبغى أحدهم تطبيق الشريعة على ما تركه السلف دون اجتهاد ومراجعة، بينما يبغى الفريق الآخر إقامة قواعد تنظم المجتمع على أسس لا تتناقض مع جوهر الدين في شيء، ولا تصطدم مع معطيات العصر في إطارها العام. ويقوم مشروع فودة التنويرى على أربعة محاور رئيسية هي: نقد الإسلام السياسي المعاصر، نقد الإسلام السياسي التاريخي، حتمية الاجتهاد وإعمال العقل، والدفاع عن أسس الدولة المدنية الحديثة. نقد الإسلام السياسي المعاصر كان فودة عميقا في رؤيته عندما رفض اعتبار تيار الإسلام السياسي في مصر تيارا واحدا، حيث جاءت مؤلفاته كدراسات تفصيلية لهذا التيار الذي قسمه إلى ثلاث، فكتاب «حوار حول العلمانية»1987 هو نقد للتيار التقليدى، والذي يتمثل في جماعة الإخوان المسلمين التي نشأت في العشرينيات، ويشمل تاريخها في مصر، على اغتيال المعارضين في ظل الأنظمة الديمقراطية، أو قلب نظام الحكم في ظل الأنظمة الشمولية، وذلك على الرغم من رفض مؤسسها حسن البنا تحول الجماعة إلى حزب سياسي، إلا أنها الأكثر تنظيما ومشاركة في الحياة السياسية منذ دخولها مجلس الشعب لأول مرة عام 1984، ويكشف فودة أن العنف الموجه للمدنيين نشأ على يد التنظيم السرى لجماعة الإخوان في الأربعينيات، وذلك قبل عصر عبد الناصر ودون أي سابق تعذيب أو قمع لهم. وكتاب «الإرهاب»1988 وهو نقد للتيار الثورى، والذي يتمثل في الجماعات الإسلامية المسلحة، التي نشأت في أواخر الستينيات، وهى تعتقد بجاهلية المجتمع وترفض الدستور والديمقراطية وتؤمن بالعنف كأسلوب وحيد للعمل السياسي. وكتاب«الملعوب»1985 وهو نقد للتيار الثورى، والذي يتمثل في أصحاب الثروات المتضخمة التي تكونت نتيجة للعمل في المملكة العربية السعودية، أو في مصر بعد الانفتاح الاقتصادى في السبعينيات، حيث حذر فيه فودة من أثر بيوت توظيف الأموال الإسلامية على الاقتصاد المصري، وتدمير مدخرات المصريين وإضعاف السيولة اللازمة للاستثمار وإبخاس قيمة الجنيه المصري. وفى عام 1989 ألف فودة كتابه «النذير» كدراسة لنمو التيار الإسلامى ما بين عامى 1982 و1987، بل تأريخا لتلك التيارات التي بدأت منفصلة شبه متناحرة في انتخابات البرلمان 1984، ثم متحالفة في انتخابات 1987، وخلص منها إلى أن التيار الإسلامى قد نجح بالفعل في تكوين دولة موازية، لها اقتصادها المتمثل في بيوت توظيف الأموال، وجيشها المتمثل في الجماعات الإسلامية المسلحة، وكيانها السياسي المتمثل في مكتب إرشاد الإخوان المسلمين رغم حظر الجماعة قانونيا، موضحا اختراق التيار الإسلامى المؤسسة الدينية الرسمية ر التنويرى أن تلك الحركات تنامت بشكل هائل في ظل الإعلان الدائم عن تصدى الدولة لهذه التيارات، وتحت شعارات مواجهة التطرف السياسي الديني، مشيرا إلى فشل الدولة المضاعف في التعامل معها ومواجهتها. ووجد فودة تشابها بين التيار السياسي الدينى في مصر والنازية في ألمانيا من حيث نظرات الاستعلاء والعنصرية واستخدام العنف والعودة إلى الجذور، محذرا من أن ما يحدث في مصر الآن، وما اعتمدته التجربة النازية للوصول إلى الحكم بعد فشل المواجهة، يتمثل في التسلل إلى المؤسسات، واستخدام الديمقراطية، واستغلال ضعف هيبة الدولة، واستثمار المعاناة من الأزمة الاقتصادية، لإسقاط الدولة في النهاية. الثورة الإسلامية اعتبر فودة أن نمو الإسلام السياسي في مصر هو جزء من اتجاه عام في جميع البلاد الإسلامية، يمكن أن يطلق عليه اسم «الثورة الإسلامية» وأن هذا الاتجاه العام، بنجاحه في إيران1979، قد أحدث انقلابا جوهريا في أساليب ووسائل الأحزاب السياسية الإسلامية في العالم الإسلامي، حيث طرح منطق الثورة الشعبية، أو التغيير العنيف، كبديل لأسلوب التعايش مع النظم الديمقراطية، والعمل في ظلها، كما أنه أحيا الآمال في نفوس أنصار هذه الاتجاهات في جميع البلدان الإسلامية. رأى فودة أنه باستثناء الاختلاف الفكرى بين الشيعة والسنة، فيما يتعلق بنظرية الإمامة ومدى اختلاط أمور السياسة بالدين، فإن الظروف الموضوعية الممهدة لإنشاء الدولة الدينية الإسلامية في كل من مصر وإيران تكاد أن تتطابق، والتي تتمثل في قيادة إيران للعالم الشيعى بسبب قادتها الفكرية وثقل كتلتها السكانية، والذي ينطبق على مصر في العالم السنى، نمو الكيان الاقتصادى الدينى المستقل، ووجود الأحياء الفقيرة التي تعد مرتعا خصبا للتطرف السياسي الدينى، الاعتماد على الميليشيات الشبابية، إجادة التيار الدينى لاعتلاء منابر المساجد من خلال الأئمة المسيسين، وميل الإدارة الأمريكية إلى احتواء تلك التيارات دون مواجهتها. وفى عام 1984 ألف فودة كتابه «قبل السقوط» كدراسة على الآثار المترتبة على التطبيق الفورى للشريعة الإسلامية، بعد تحويل السودان إلى دولة إسلامية عام 1983 على يد الرئيس النميرى.