الإرهاب هو القضية الأساسية على الأجندة السياسية للعديد من دول العالم، ويعد أولوية لدى البلدان التي تشهد أحداثا إرهابية متكررة، وأولوية قصوى لدى البلدان التي نشأ وترعرع بداخلها تنظيم إرهابي أو أكثر، وتأتى مصر من بين هذه الدول الأخيرة التي عرفت أحد أهم وأخطر التنظيمات الإرهابية الدولية على الإطلاق، وهو تنظيم جماعة الإخوان، الذي نشأ في نهاية العشرينيات من القرن العشرين تحت سمع وبصر جهاز المخابرات البريطاني وبمساعدته، حيث كانت مصر تقع تحت الاحتلال الإنجليزى، وتمكنت الجماعة من التغلغل وبناء النفوذ داخل المجتمع المصري حتى أصبح لها رصيد اجتماعي يعتد به، وكلمة سياسية وميليشيا مسلحة ترهب بها السلطة السياسية والمجتمع معا. وجاءت ثورة 23 يوليو 1952 وحاولت الجماعة الإرهابية فرض نفوذها وهيمنتها على الثوار الجدد من شباب الجيش المصري بقيادة البكباشي جمال عبد الناصر لكنهم فشلوا، فكانت محاولة اغتياله في يوم إعلانه عن اتفاقية جلاء قوات الاحتلال الإنجليزي عن مصر في 1954، وكانت المواجهة الأولى الحاسمة للدولة الجديدة، حيث قلمت أظافر الجماعة في مواجهة حاسمة، ثم تبعتها بمواجهة أخرى أكثر شراسة في 1965، وخلال فترة حكم جمال عبد الناصر اختفت الأعمال الإرهابية للجماعة ولم نسمع عن أحداث إرهابية ضد الإخوة المسيحيين أو ضد المجتمع أو ضد السلطة السياسية، لأنه وجه ضربات حاسمة للإرهاب بالداخل. ثم جاء الرئيس السادات وأقدم على عمل يبدو غريبا وعجيبا حقا، حيث قرر أن تتخلى الدولة عن حسمها مع الإرهاب، بل وزاد الطين بلة عندما أخرج قيادات الجماعة من السجون والمعتقلات ليواجه بهم خصومه السياسيين، ومن هنا بدأت الجماعة الأم تفرخ العديد والعديد من الجماعات والتنظيمات الإرهابية التي انتشرت في طول وعرض البلاد، وبدأت في ممارسة العنف ضد الإخوة المسيحيين وضد المجتمع وأخيرا ضد السلطة السياسية فكانت النهاية اغتيال الرئيس السادات نفسه على أيدى أحد التنظيمات الإرهابية التي خرجت من تحت عباءة الإخوان المسلمين وهو تنظيم الجهاد. وجاء مبارك للحكم واستمر في مهادنة الجماعات الإرهابية وعقد معها العديد من الصفقات ظنا منه أنها ستكون تحت سيطرة أجهزته الأمنية، وخلال فترة حكمه الطويلة تمكنت هذه الجماعات من التغلغل وبناء النفوذ داخل المجتمع المصرى، خاصة عندما دعمت بالمال الخليجى فبدأت في ملء الفراغ الذي تركته الدولة المصرية التي تخلت عن مسئوليتها تجاه مواطنيها، حيث عجزت عن الوفاء بالمتطلبات والاحتياجات الأساسية للمواطن فكانت هذه التنظيمات هي البديل الذي يقوم بوظائف الدولة، وخلال هذه المرحلة انتشرت أفكار هذه الجماعات والتنظيمات واكتسبت مصداقية لدى قطاعات واسعة من المصريين، ورغم ذلك شهدت فترة حكم مبارك العديد من الأحداث الإرهابية ضد الإخوة المسيحيين وضد المجتمع وضد السلطة السياسية. وعندما قامت ثورة 25 يناير 2011 كانت جماعة الإخوان المسلمين والتنظيمات الأخرى التي خرجت من رحمها مؤهلة للاستيلاء على الحكم لأنها الأكثر تنظيما وانتشارا، لأن نظام مبارك كان قد جرف الحياة السياسية ولم يعد هناك بديل للحزب الوطنى الحاكم غير الجماعة الإرهابية وأعوانها، وبالفعل استولت على الحكم وبدأت ميليشياتها تمارس العنف ضد الإخوة المسيحيين وضد المجتمع وضد الجيش، لذلك لم تستمر طويلا حيث خرج عليها الشعب في 30 يونيو 2013 وأطاح بها من سدة الحكم، وكانت مواجهة شرسة مع الجيش الذي انحاز للشعب، انتهت بتفويض قائد الجيش عبد الفتاح السيسي لمكافحة الإرهاب في 26 يوليو 2013. ومنذ ذلك التاريخ الذي فوض فيه الشعب قائد الجيش الذي أصبح بعد ذلك رئيس الجمهورية لمكافحة الإرهاب ونحن نشهد العديد من الأحداث الإرهابية ضد الإخوة المسيحيين وضد المجتمع وضد الجيش والشرطة، وخلال المواجهات التي قاربت على الأربع سنوات لم نشهد مواجهة حاسمة مع رموز الجماعات والتنظيمات الإرهابية بالداخل، وحتى قيادات الجماعة الأم المقبوض عليهم لم يصدر حكم نهائي ضد أحدهم. وفى خطاب الرئيس الأخير بعد حادث أتوبيس المنيا وجدنا إشارة حاسمة لمواجهة الإرهاب بالخارج، وكانت بالفعل ضربات القوات الجوية الحاسمة ضد التنظيمات الإرهابية في ليبيا، ورغم أننا ندرك أن الإرهاب يجب مواجهته خارج حدودنا، خاصة أن أمننا القومى مهدد من الحدود الشرقية، حيث العدو الصهيونى في فلسطين والجماعات الإرهابية في سوريا والعراق والحدود الغربية مع ليبيا التي أصبحت ساحة تنتشر بها العديد من التنظيمات الإرهابية وعلى رأسها داعش، والحدود الجنوبية مع السودان التي يحكمها أحد المتعاطفين مع الإخوان، وبالقطع تقف أمريكا والعدو الصهيونى داعمًا لكل هذه التنظيمات، لذلك كان هناك ضرورة لإعلان أننا سنضرب الإرهاب في الخارج. لكن أعتقد أن الأهم هو ضرب الإرهاب بالداخل يا سيادة الرئيس، فالدولة التي هادنت الإرهاب والإرهابيين منذ مطلع السبعينيات وحتى الآن يجب أن تتخذ إجراءات حاسمة مع الإرهابيين بالداخل الذين ينتشرون في كل ربوع الوطن، ومنهم من يخرج علينا يوميًا وعبر وسائل الإعلام المختلفة ليكفر الإخوة المسيحيين ويكفر المجتمع ويكفر الجيش، ورغم ذلك لم تتخذ أي إجراءات حاسمة في التعامل مع هؤلاء الإرهابيين، أمامك تجربة جمال عبد الناصر في التعامل مع الإرهاب فالضرب بقوة وحسم هو وحده الذي يوقف نزيف الدم، اللهم بلغت اللهم فاشهد.