آه وآه يا ولدى.. سنوات خمس مضت بدونك والحنين إليك يقتلني.. سنوات خمس عشتهم في عذاب لا ينقطع تركت مخالبه آثارها على ملامح وجهى، تتبدل الدنيا من حولى وتنقلب الأحوال إلا حالي.. فهو هو لم يتغير منذ انفراط حبات عقد أحداث هذه المذبحة. كانت بداية الألم بمكالمتك الأخيرة التي تلقيتها منك لتخبرني أنك هناك في بورسعيد مع فريقك الأحمر الذي لم تعشق يومًا غيره، لا أخفيك سرًا لقد تسرب القلق إلى نفسي حينها دون سبب ولكننى سرعان ما طردت هذه المخاوف بعيدًا، فلم أكن أتوقع يومًا أن تكون هذه هي المرة الأخيرة التي سأسمع فيها صوتك، ولم أتوقع المستحيل . منذ متى والموت حاضرًا في ملاعب كرة القدم، ولم سأخشى عليك الضرر وأنت بين الجمهور مسالمًا لا تفعل شيئًا سوى التشجيع وترديد الهتافات، ولكننى أدركت والخوف يمزق روحى أثناء متابعة المذبحة على الشاشة وبعدما أخبرونى بأنك من بين عداد الأموات، أن الهتاف والتشجيع في نظر البعض جريمة نكراء يستحق مرتكبها التعذيب ثم الموت حتى وإن كان طفلًا بريئًا.
هل تعلم يا بني كم عانيت بعد فراقك؟.. هل تعلم.. أننى لم أتوقف عن النظر إلى صورك التي تملأ الدنيا من حولى وتعكس كل مراحل حياتك القصيرة. أتجرع الألم كل فبراير ومع ذكرى المذبحة لمرور السنوات وتعاقبها والجلادين الذين قتلوا براءتك بسكين بارد لم يتعرضوا لعقاب بعد، بينما تحول اسمك مع مرور الزمن إلى مجرد ذكرى في قلبي وقلوب محبيك من الأسرة والأصدقاء، وبين أسماء الشهداء الأبرياء الآخرين في مدخل ناديك المفضل فوق النصب التذكارى، بينما تراكمت الأتربة على الجدران التي لا تزال صورتك مرسومة عليها.
لقد سيطر اللون الأسود القاتم على حياتى بعدك يا فلذة كبدي وأصبح اللون الذي أرى به الكون بدونك، وازداد الحزن والألم والعناء بين جدران المحاكم وأوراق القضايا والمحامين والجلسات، من أجل إثبات حقك، وللقصاص من متهمين ارتكبوا جريمة على مرأى ومسمع من العالم أجمع. متهمين كانوا على مدى خمس سنوات أحياء يرزقون بل ويطعنون في الأحكام الصادرة ضدهم وكأنهم أبرياء براءة الذئب من دم ابن يعقوب، بينما يعزز الحزن من وجوده في قلبي ويتشعب بين أسرتك كالسرطان ليقتلنا بالبطىء.
كنت دائمًا أحتفل بيوم ميلادك على مدى السنوات الخمس الماضية، وأتخيل مستقبلك إن لم يخطفك الموت وكنت لا تزال هنا معى، أعتقد أنه من المفترض أن تكون اليوم شابًا وسيمًا توشك أن تكون عريسًا أزهو بأطفاله وألعب معهم ولكن شاء الله أن تكون عريسًا في جناته، وألا أراك إلا في منامى. وبالرغم من أننى كما سبق وأخبرتك أخشى شهر فبراير الأسود من كل عام إلا أننى قررت أن أغير وجهة نظرى عنه أخيرًا وسأزف لك خبرًا سعيدًا يا ولدى بعد سنوات العذاب التي حكيت لك عنها، لقد قررت أن أعتمد اليوم 20 فبراير 2017 يوم ميلاد آخر لك، فاليوم تحقق عدل الله في الأرض يا بنى.
اليوم فقط يمكنني أن أقبل عزاءك يا فلذة كبدي.. الآن فقط يمكن أن تبرد النيران التي أضرمت في قلبي الذي مات بموتك.. اليوم أيدت المحكمة إعدام الجلادين، لا أخفيك سرًا فقد انفرجت أساريري وانطلقت الزغاريد منى بعد سماعى هذا النبأ، وارتسمت على وجهى أخيرًا ابتسامة غالبتها دموع الفرحة والحزن معًا، الفرحة بنيل أصحاب الضمائر الميتة ما يستحقون، والحزن لأنك لست معى بالرغم من كل هذا. الحق أشفي قلبي العليل يا ولدى ومنح روحي الذابلة راحة لأنك الآن ستكون سعيد بالقصاص ممن اقتطفوا ثمرة شبابك، ولكن في الحقيقة كل هذا لن يعوض غيابك ولن يمحو الحزن الذي أصبح رفيق عمرى منذ رحيلك.