وفاء الإلهة إيزيس تصورها جدران كلبشة.. انتصارات رعمسيس الثانى يصورها معبد أبو سمبل ما بين الشلال الأول جنوبأسوان والشلال السادس شمال السودان تقع «النوبة»، أرض الحروب والمعارك والانتصارات، كما وصفها العالم الغربي، «وولتر أمري»، في كتابه مصر وبلاد النوبة، حيث سطر التاريخ بأحداثه على أراضيها سطور وصفحات حية، فلا تزال جدرانها تحكيها، لتُشعرك بالفخر وأنت تقف مذهولا أمامها من عظمتها، متصلبًا مكانك لا تقدر على الحركة، فهى ليست سطورًا تقرأ أو منشأة تُرى بل هي باختصار تاريخ تعيشه لحظة بلحظة. أسماء النوبة (كنست، تانحسيو، كوش، أيونيت)، من الأسماء التي أُطلقت على أرض النوبة، فضلًا عن عدد آخر من الأسماء لقبت به، مثل «تاسيتى والتي تعنى أرض الأقواس»، و«تا نبو، أي أرض الذهب»، أو«خاسوت نبو، والتي تعنى بلاد الذهب»، ومع توالى اهتمام ملوك مصر بها، اصطبغت أرض الذهب منذ الدولة الحديثة بالصبغة الحضارية المصرية. جزيرة فيلة العالم أجمع تسمر من عظمة ما رآه من معابد تلك الجزيرة، ويقول الدكتور الراحل عبد الحليم نور الدين، في كتابه "مواقع الآثار المصرية القديمة"، هناك عدد كبير من المعابد الأثرية تقف شامخة على تلك الجزيرة، والتي عُرفت في النصوص القديمة ب«بر إى لق»، أي الحد الفاصل، ونظرًا لتعرض الجزيرة للمخاطر بعد الانتهاء من بناء خزان أسوان، تعالت الأصوات المصرية، مناشدة منظمة اليونسكو بنقل المعابد إلى أماكن أكثر ارتفاعًا، إلى أن تم إنقاذها بالفعل. آثار معابد فيلة أقدم الآثار المعروفة في مجموعة معابد فيلة، ترجع إلى عهد الملك «طهرقا»، من الأسرة الخامسة والعشرين، حيث شيدت مقصورة ل«إيزيس» نحو 700 قبل الميلاد، كما شيدت مقصورة في عهد الملك نخت نبف من ملوك الأسرة الثلاثين، واستمر التشييد في المقاصير للآلهة حتى العصر الرومانى واليوناني، ليبلغ عدد المنشآت المعمارية في تلك الجزيرة 15 منشأة، هذا ما أضافه العالم الأثرى في كتابة بوصفه للجزيرة، لافتًا إلى أن أهم ما يميز تلك المعابد أنها تضم آخر نص كتب بالخط الهيروغليفى والذي كتب عام 394 م، وآخر نص كتب بالديموطيقى 480م، ثم المنظر الفريد الذي يمثل منابع النيل. يقول الكتاب: "ويصبح معبد الإلهة "إيزيس"، والذي تم تشييده في عهد الملك بطليموس الثاني، أهم ما بها، وإلى جانبه «معبد الولادة»، ومعبد الإلهة "حتحور"، ومعبد "حورس"، فضلًا عن معبد الإمبراطور "أغسطس"، ومعبد الإمبراطور "كلودويوس"، وبوابة هادريان، وبوابة دقلديانوس، فبها أقيمت أعظم المعابد للآلهة والملوك العظام. لوحة المجاعة بجزيرة سُهيل هنا تقف كأنك تحيا أشد لحظات التاريخ قسوة على المصريين، فإلى جنوبأسوان بجزيرة صخرية عُرفت باسم "سُهيل"، رُسمت العديد من النقوش، أشدها تأثيرًا «لوحة المجاعة»، لتصف ما أصاب المصريين في عهد الملك زوسر، من ضيق واضمحلال، حتى جفت مياه الفيضان وهاجمت المجاعة المصريين لسبع سنوات عجاف. معبد كلبشة أما معبد «كلبشة»، فتحكى جدرانه قصة إيزيس وأوزوريس الأسطورة الخالدة، وتسرد لنا تفاصيلها، ومدى وفاء الآلهة بعد الغدر بزوجها، من قبل أخيه ست، لتقوم بتجميع جسد الزوج، وتربية الابن حورس فيواصل مسيرة الأب. الخطوات تأخذك بعد ذلك إلى معبد «بيت الوالي»، فمن خلال عظمته، ترى فخامة المعمار في هذا العصر، فتم نحته في الصخر على يد «ميسوى» حاكم كوش، ليكون هذا المعبد واحدًا من 5 معابد أخرى أمر ببنائها رمسيس الثانى في النوبة، ويحتوى على فناء وصالة للأعمدة ومقصورة محلاة بنقوش، كما يتضمن نقوشًا للملك في ساحة الحرب، وتتوالى المعابد واحدًا تلو الآخر، فنجد «قرطاسي، وتابد، وطافا، ودندور»، ولكن تتوقف وهلة لتتأمل «جرف حسين»، والذي يعد من أكبر معابد النوبة، حيث جاء تخطيطه مماثلًا لمعبد أبى سمبل، ومن خلال جدرانه تتعرف على الالهة المصرية وخاصة التي عُبدت في بلاد النوبة. بحيرة السد العالي مجموعة أخرى من المعابد تقع على بحيرة السد العالى لعل أهمها، معبد «السبوع»، الذي يتضمن على جانبيه مجموعة من التماثيل على هيئة أبو الهول، وكان مُكرَسًا لعبادة الآلهة «آمون، ورع حور أختي، ورعمسيس الثانى نفسه»، أما معبد «الدر» فتُشعرك جدرانه بالفخر حيث تزخر ببعض حملات رعمسيس الثانى على بلاد النوبة، وكأن المرء يتنقل بين العصور فيجد نفسه فجأه أمام معبد «المحرقة»، والذي يرجع لنهاية العصر اليوناني. معبد رمسيس الثانى من قصة لأخرى، ومن حكاية تسردها الجدران لروايات تحملها النقوش، يجد المرء نفسه أمام أشهر المعابد ألا وهو معبد «أبو سمبل»، فبمجرد النظر إلى واجهته المعمارية تشعر بفخامته، وكأن الملك رعمسيس الثانى يقف لاستقبال زائريه، فتجد 4 تماثيل ضخمة له، شامخة رافعة الرأس، أما جدران المعبد فتحكى رسومها الكثير من جوانب الحياة في عهده، لعل أكثرها تأثيرًا وحركة معركة قادش الشهيرة التي خاضها «رعمسيس الثاني» ضد الحيثيين. عشاق المعجزات يذهبون إلى المعبد لرؤية إعجاز المعمار في هذا العصر، حيث تدخل الشمس إليه مرتين مرة في ذكرى جلوس الملك على العرش يوم 22 فبراير، والأخرى في ذكرى مولده والتي توافق 22 أكتوبر، تدخل إلى «قدس الأقداس» وتقف أشعتها متسلطة على وجه رعمسيس الثاني. إلى اليسار قليلًا من معبد نجد أبوسمبل الصغير، هذا المعبد الذي يحكى قصص العاشقين، حيث بناه الملك لزوجته الجميلة والأثيرة نفرتاري، وعلى الرغم من صغر مساحته، فيتميز بجمال رسومه، ووضوحها، فضلًا عن احتوائه على العديد من المناظر المهمة، كما أنه كان مكرسًا لعبادة الإلهة حتحور. مناجم الذهب والمحاجر الآثار المصرية ليس وحدها ما يميز النوبة، ويجعلها سببًا للفخر أمام العالم أجمع، حيث يوجد بين ثنيات ترابها ما رحبت الأرض من كنوز، فعلى بعد 110 كم جنوبأسوان، نجد وادى «العلاقي» الممتلئ بمناجم الذهب، وإلى شرقه على بعد 25 كم جنوب شرق أسوان، نشاهد وادى الهودى والذي اشتهر هو الآخر بمناجم الذهب، فضلًا عن الكثير من المحاجر، خاصة حجر الأمتست، لعل اللوحات التذكارية التي عُثر عليها بالمنطقة والخاصة ببعثات التعدين خير دليل على هذا. ظهور وكتابة اللغة النوبية اختلف الباحثون في تحديد زمن ظهور اللغة النوبية في وادى النيل، ليرجعه البعض إلى القرن الثالث من الميلاد، إلا أنها كُتبت في العصر الوسيط وهو العصر الذي يسمى عصر الممالك النوبية المسيحية وهو الممتد من 500 ميلادية إلى 1500 ميلادية، وتؤكد العديد من المخطوطات أن اللغة النوبية لغة عرفت التدوين والكتابة، ولم تكن مجرد كلمات تُنطق، وبالرغم من أن الكتابة والتدوين بهذه الحروف كانت قد بطلت بعد دخول الإسلام في النوبة نحو القرن الثالث عشر الميلادي، فإن اللغة النوبية ظلت باقية كلغة متطورة تتناقلها الأجيال ويستخدمها أهلها في مجريات أمورهم من الميلاد وحتى الممات. لم تنشأ اللغة من فراغ، لكنها مرت بالكثير من التطورات والمراحل، كان بدايتها التي تميزت فيها بمعرفة الكتابة والتدوين، وثانيهما بظهور عدة لهجات تفرعت في الأصل عن تلك اللغة الأم الموجودة من المرحلة السابقة، ومن هنا يمكن تقسيم اللغة النوبية الحالية لغويًا إلى مجموعتين أو لهجتين، لهجة (الكنوز والدناقلة)، ولهجة (الحلفاوين والمحس والسكوت)، ويقسمها البعض إلى أربع لهجات (كنزى ) و(سكوتي) و(محسي) و(دنقلاوي)،. تختلف اللغة النوبية اختلافًا كبيرًا عن العربية، حيث إنها لا تعرف التذكير والتأنيث، أو حتى المثنى فليس فيها أداة متصلة يمكن الصاقها بالاسم لتدلنا على التثنية، فضلًا عن أنه يمكن جمع العدد واحد الأمر الذي يخالف لغتنا العربية، كما أن الأصل في اللغة النوبية تقديم الفاعل على فعله، أما الأسماء بها فجميعها معرفة.