"الأمن السيبراني" في ورشة عمل بجامعة بنها الأهلية    الإجازات الرسمية في شهر مايو 2024.. وقائمة العطلات الرسمية لعام 2024    بالصور.. محافظ الوادي الجديد يزور كنيسة السيدة العذراء بالخارجة    بالصور.. محافظ الشرقية من مطرانية فاقوس: مصر منارة للإخاء والمحبة    محافظة الجيزة : دعم قطاع هضبة الأهرام بمنظومة طلمبات لتحسين ضخ المياه    25 مليون طن، زيادة إنتاج الخضراوات في مصر خلال 2023    خبير اقتصادي: الدولة تستهدف التحول إلى اللامركزية بضخ استثمارات في مختلف المحافظات    الاحتجاجات الطلابية المؤيدة لفلسطين تمتد إلى اليابان    ريال مدريد يقترب من حسم لقب الدوري الإسباني رسميًا بفوزه على قادش بثلاثة أهداف دون مقابل    إصابة 9 أشخاص خلال مشاجرة بالأسلحة النارية بمدينة إدفو    السعودية تصدر بيان هام بشأن تصاريح موسم الحج للمقيمين    لأول مرة، باليه أوبرا القاهرة يعرض "الجمال النائم"    خاص| زاهي حواس يكشف تفاصيل جديدة عن مشروع تبليط هرم منكاورع    وكيل صحة الشرقية يتفقد طب الأسرة بالروضة في الصالحية الجديدة    استشاري تغذية يقدم نصائح مهمة ل أكل الفسيخ والرنجة في شم النسيم (فيديو)    التعادل السلبي يحسم السوط الأول بين الخليج والطائي بالدوري السعودي    أمريكا والسفاح !    السفير الفلسطيني بتونس: دولتنا عنوان الحق والصمود في العالم    قرار عاجل بشأن المتهم بإنهاء حياة عامل دليفري المطرية |تفاصيل    السجن 10 سنوات ل 3 متهمين بالخطف والسرقة بالإكراه    غرق شاب في قرية سياحية بالساحل الشمالي    5 خطوات لاستخراج شهادة الميلاد إلكترونيا    "حريات الصحفيين" تثمّن تكريم "اليونسكو" للزملاء الفلسطينيين.. وتدين انحياز تصنيف "مراسلون بلا حدود" للكيان الصهيوني    شروط التقديم على شقق الإسكان الاجتماعي 2024.. والأوراق المطلوبة    صالون الأوبرا الثقافي يحتفل بيوم حرية الصحافة بمشاركة النقيب    رمضان عبد المعز يطالب بفرض وثيقة التأمين على الطلاق لحماية الأسرة المصرية    وزير الشباب يفتتح الملعب القانوني بنادي الرياضات البحرية في شرم الشيخ ..صور    رسميا .. مصر تشارك بأكبر بعثة في تاريخها بأولمبياد باريس 2024    بعد القضاء على البلهارسيا وفيروس سي.. مستشار الرئيس للصحة يزف بشرى للمصريين (فيديو)    دعاء تعطيل العنوسة للعزباء.. كلمات للخروج من المحن    إصابة 8 في انقلاب ميكروباص على صحراوي البحيرة    ميرال أشرف: الفوز ببطولة كأس مصر يعبر عن شخصية الأهلي    مفاجأة- علي جمعة: عبارة "لا حياء في الدين" خاطئة.. وهذا هو الصواب    لاعب تونسي سابق: إمام عاشور نقطة قوة الأهلي.. وعلى الترجي استغلال بطء محمد هاني    محمد يوسف ل«المصري اليوم» عن تقصير خالد بيبو: انظروا إلى كلوب    استعدادًا لفصل الصيف.. محافظ أسوان يوجه بالقضاء على ضعف وانقطاع المياه    استقبال 180 شكوى خلال شهر أبريل وحل 154 منها بنسبة 99.76% بالقليوبية    تشييع جنازة الإذاعي أحمد أبو السعود من مسجد السيدة نفيسة| صور    «الصحة» تعلن أماكن تواجد القوافل الطبية بالكنائس خلال احتفالات عيد القيامة بالمحافظات    بعد رحيله عن دورتموند، الوجهة المقبلة ل ماركو رويس    ما حكم أكل الفسيخ وتلوين البيض في يوم شم النسيم؟.. تعرف على رد الإفتاء    خريطة القوافل العلاجية التابعة لحياة كريمة خلال مايو الجارى بالبحر الأحمر    رويترز: قطر قد تغلق مكتب حماس كجزء من مراجعة وساطتها بالحرب    الانتهاء من 45 مشروعًا فى قرى وادى الصعايدة بأسوان ضمن "حياة كريمة"    الخارجية الروسية: تدريبات حلف الناتو تشير إلى استعداده ل "صراع محتمل" مع روسيا    ماريان جرجس تكتب: بين العيد والحدود    إيقاف حركة القطارات بين محطتى الحمام والعُميد بخط القباري مرسى مطروح مؤقتا    القوات المسلحة تهنئ الإخوة المسيحيين بمناسبة عيد القيامة المجيد    توريد 398618 طن قمح للصوامع والشون بالشرقية    المبادرة الوطنية لتطوير الصناعة "ابدأ" .. الليلة مع أسامة كمال في مساء dmc    أوكرانيا: ارتفاع قتلى الجيش الروسي إلى 473 ألفا و400 جندي منذ بدء العملية العسكرية    أبرزها متابعة استعدادات موسم الحج، حصاد وزارة السياحة والآثار خلال أسبوع    مستشار الرئيس للصحة: مصر في الطريق للقضاء على مسببات الإصابة بسرطان الكبد    مي سليم تروج لفيلمها الجديد «بنقدر ظروفك» مع أحمد الفيشاوي    هل بها شبهة ربا؟.. الإفتاء توضح حكم شراء سيارة بالتقسيط من البنك    برج «الحوت» تتضاعف حظوظه.. بشارات ل 5 أبراج فلكية اليوم السبت 4 مايو 2024    المطرب هيثم نبيل يكشف كواليس فيلم عيسى    هبة عبدالحفيظ تكتب: واقعة الدكتور حسام موافي.. هل "الجنيه غلب الكارنيه"؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«هدي خير العباد» من «زاد المعاد».. 14
نشر في فيتو يوم 20 - 11 - 2016

مازالت القراءة مستمرة في كتاب «زاد المعاد في هدي خير العباد»، للإمام العلامة شيخ الإسلام؛ محمد بن أبى بكر بن سعد بن جرير الزرعى «ابن قيم الجوزية».. احتفاء واحتفالا بقرب قدوم ذكرى مولد خاتم الأنبياء والمرسلين، خير الأنام محمد بن عبدالله، الرسول الكريم، صاحب القرآن العظيم والمعجزات الخالدة، والذي أعزه الله بها وجعلها شاهدة على صدق نبوته، وحمله لرسالة الإسلام للناس كافة بشيرا ونذيرا.. صلى الله عليه وسلم.. حيث ننهل من سيرته وهديه صلى الله عليه وسلم، ليكون شفيعا لنا يوم لا ينفع مال ولا بنون...


وكان يَرُدُ السلام بالإِشارة على من يُسلم عليه وهو في الصلاة، وقال جابر: بعثني رسولُ اللّه صلى الله عليه وسلم لحاجة، ثم أدركتُهُ وهو يصلي، فسلمتُ عليه، فأشار إليَّ. ذكره مسلم في ((صحيحه)). وقال أنس رضي اللّه عنه: كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يُشير في الصلاة، ذكره الإِمام أحمد رحمه اللّه.

وقال صُهيب: مررتُ برسول اللّه صلى الله عليه وسلم وهو يُصلي، فسلمتُ عليه، فرد إشارة، قال الراوي: لا أعلمه، قال: إلا إشارة بأصبعه، وهو في ((السنن)) و((المسند)).

وقال عبد اللّه بن عمر رضي اللّه عنهما: خرج رسولُ اللّه صلى الله عليه وسلم إلى قُباء يُصلي فيه، قال: فجاءته الأنصارُ، فسلَّموا عليه وهو في الصلاة، فقلتُ لبلال: كيف رأيتَ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يردُّ عليهم حين كانوا يُسلِّمون عليه وهو يصلِّي؟ قال: يقول: هكذا، وبسط جعفر بن عون كفه، وجعل بطنه أسفل، وجعل ظهره إلى فوق))، وهو في ((السنن)) و ((المسند)) وصححه الترمذي،ولفظه: كان يشير بيده.

وقال عبد اللّه بن مسعود رضي اللّه عنه: لما قَدِمتُ من الحبشة أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي، فسلَّمت عليه، فأومأ برأسه، ذكره البيهقي.

وأما حديث أبي غطفان عن أبي هُرَيْرَة رضي اللّه عنه قال: قال رسولُ اللّه صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ أَشَارَ فِي صَلاَتِهِ إِشَارَةً تُفْهَمُ عَنهُ، فَلْيُعِدْ صَلاته)) فحديث باطل، ذكره الدارقطني وقال: قال لنا ابن أبي داود: أبو غطفان هذا رجل مجهول، والصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يُشير في صلاته رواه أنس وجابر وغيرهما.

وكان صلى الله عليه وسلم يُصلي وعائشة معترِضَةً بينَه وبين القبلة، فإذا سجد، غَمَزَهَا بيده، فقبضت رجليها، وإذا قام بسطتهما.

وكان يُصلي، فجاءه الشيطانُ ليقطع عليه صلاتَه، فأخذه، فخنقه حتى سَالَ لُعابُه عَلَى يَدِه.

وكان يُصلي على المنبر ويركع عليه، فإذا جاءت السجدة، نزل القَهْقَرى، فَسَجَدَ على الأرض ثم صَعِدَ عليه.

وكان يُصلي إلى جِدار، فجاءت بَهْمَةٌ تمرُّ من بين يديه، فما زال يُدارئها،حتى لَصقَ بطنُه بالجدار، ومرت من ورائه.

يدارئها: يفاعلها من المدارأة وهي المدافعة.

وكان يُصلي، فجاءته جاريتانِ من بني عبد المطلب قد اقتتلتا، فأخذهما بيديه، فَنَزَعَ إحداهما من الأخرى وهو في الصلاة ولفظ أحمد فيه: فأخذتا بركبتي النبي صلى الله عليه وسلم، فنزع بينهما، أو فرَّق بينهما، ولم يَنْصَرِفْ.

وكان يُصلي، فمرَّ بين يديه غلام، فقال بيده هكذا، فرجع، ومرت بين يديه جاريةٌ فقال بيده هكذا، فمضت، فلما صلَّى رسولُ اللّه صلى الله عليه وسلم: ((هُنَّ أَغْلَبُ)) ذكره الإِمام أحمد، وهو في ((السنن)).

وكان ينفُخ في صلاته، ذكره الإِمام أحمد، وهو في ((السنن)).


وأمّا حديث: ((النَّفْخُ فِي الصَّلاَةِ كَلاَمٌ)) فلا أصل له عن رسول صلى الله عليه وسلم، وإنما رواه سعيد في ((سننه)) عن ابن عباس رضي اللّه عنهما من قوله إن صح..

وكان يبكي في صلاته، وكان يَتَنَحْنَحُ في صلاته قال علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه: كان لي من رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ساعةٌ آتيه فيها، فإذا أتيتُه استأذنتُ،فإن وجدتُه يُصلي فتنحنح، دخلتُ، وإن وجدته فارغاً، أذن لي، ذكره النسائي. وأحمد، ولفظ أحمد: كان لي مِن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم مَدخلانِ بالليل والنهار، وكنت إذا دخلتُ عليه وهو يصلي، تنحنح. رواه أحمد، وعمل به، فكان يتنحنحُ في صلاته ولا يرى النحنحة مبطلة للصلاة.

وكان يُصلي حافياً تارةً، ومنتعلاً أخرى، كذلك قال عبد اللّه بن عمرو عنه: وَأَمَرَ بالصلاة بالنعل مُخالفة لليهود.

وكان يُصلي في الثوب الواحد تارة، وفي الثوبين تارة، وهو أكثر.

وقنت في الفجر بعد الركوع شهراً، ثم ترك القنوت ولم يكن مِن هديه القنوتُ فيها دائماً، ومِنْ المحال أن رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كان في كل غداة بعد اعتداله من الركوع يقول: ((اللَّهُمَ اهْدِني فِيمَنْ هَدَيْتَ، وَتَوَلَّنِي فِيمَنْ توَلَّيْتَ ... )) إلخ... ويرفعُ بذلك صوته، ويؤمِّن عليه أصحابُه دائماً إلى أن فارق الدنيا، ثم لا يكون ذلك معلوماً عند الأمة، بل يُضيعه أكثرُ أمته، وجمهورُ أصحابه، بل كلُهم، حتى يقولَ من يقول منهم: إنه مُحْدَثٌ، كما قال سعد بن طارق الأشجعي: قلتُ لأبي: يا أبتِ إنَّك قد صليتَ خلفَ رسولِ اللّه صلى الله عليه وسلم، وأبي بكر، وعمر، وعثمان،وعلي، رضي اللّه عنهم ها هنا، وبالكُوفة منذ خمس سنين، فكانوا يقنتون في الفجر.؟ فقال: أَيْ بُنَيَّ مُحْدَثٌ رواه أهل السنن وأحمد وقال الترمذي: حديث حسن صحيح. وذكر الدارقطني عن سعيد بن جبير قال: أشهد أني سمعت ابن عباس يقول: إن القنوتَ في صلاة الفجر بِدعة، وذكر البيهقي عن أبي مِجلز قال: صليتُ مع ابن عمر صلاة الصبح، فلم يقنُت، فقلت له لا أراك تقنُت، فقال: لا أحفظُه عن أحد من أصحابنا.

ومن المعلوم بالضرورة أن رسولَ اللّه صلى الله عليه وسلم لو كان يقنت كلَّ غداة، ويدعو بهذا الدعاء، ويؤمِّن الصحابة، لكان نقلُ الأمة لذلك كُلِّهم كنقلهم لجهره بالقراءة فيها وعددها ووقتها، وإن جاز عليهم تضييعُ أمر القنوت منها، جاز عليهم تضييعُ ذلك، ولا فرق، وبهذا الطريق علمنا أنه لم يكن هديُه الجهرَ بالبسملة كلَّ يوم وليلةٍ خَمسَ مرات دائماً مستمراً ثم يُضَيِّعُ أكثر الأمة ذلك، ويخفى عليها، وهذا مِن أمحلِ المحال بل لو كان ذلك واقعاً، لكان نقلُه كنقل عدد الصلوات، وعدد الركعات، والجهر والإِخفات، وعدد السجدات، ومواضع الأركان وترتيبها، واللّه الموفق.

والإِنصاف الذي يرتضيه العالم المنصف، أنه صلى الله عليه وسلم جهر، وأسر، وقنت، وترك، وكان إسرارُه أكثَر من جهره، وتركه القنوتَ أكثر من فعله، فإنه إنما قنت عند النوازل للدعاء لقوم، وللدعاء على آخرين،ثم تركه لما قَدِمَ من دعا لهم، وتخلَّصوا من الأسر، وأسلم من دعا عليهم وجاءوا تائبين، فكان قنوتُه لعارض، فلما زال تَرَك القنوت، ولم يختصَّ بالفجر، بل كان يقنُت في صلاة الفجر والمغرب، ذكره البخاري في ((صحيحه)) عن أنس وقد ذكره مسلم عن البراء وذكر الإِمام أحمد عن ابن عباس قال: قنت رسولُ اللّه صلى الله عليه وسلم شهراً متتابعاً في الظهر، والعصر، والمغرب، والعشاء، والصُّبح في دُبُرِ كل صلاة إذا قال: سَمعَ اللَّهُ لِمنْ حَمِدَه من الركعة الأخيرة، يدعو على حيٍّ من بني سليم على رِعل وذَكوان وعُصية، ويؤمِّن من خلفه، ورواه أبو داود.

وكان هديُه صلى الله عليه وسلم القنوت في النوازل خاصة، وتركَه عند عدمها، ولم يكن يخصه بالفجر، بل كان أكثر قنوته فيها لأجل ما شرع فيها من التطويل، ولاتصالها بصلاة الليل، وقربِها من السَّحَر، وساعةِ الإِجابة، وللتنزل الإِلهى، ولأنها الصلاةُ، المشهودة التي يشهدها اللّه وملائكتُه، أو ملائكةُ الليل والنهار، كما رُوي هذا، وهذا، في تفسير قوله تعالى: {إِنَّ قُرْآنَ الفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً} [الإسراء: 78].
وأما حديثُ ابن أبي فُديك، عن عبد اللّه بن سعيد بن أبي سعيد المقبُري، عن أبيه، عن أبي هُرَيْرَة قال: كان رسول اللّه صلى الله عليه وسلم إذا رفع رأسَه مِنَ الرُّكُوعِ من صلاة الصُّبح في الرَكعة الثانية، يرفع يديه فيها، فيدعو بهذا الدعاء: ((اللَّهمَّ اهْدِني فِيمَنْ هَدَيْتَ، وَعَافِني فِيمَنْ عَافَيْتَ، وَتَوَلَّنِي فِيمَنْ تَوَلَّيْتَ، وَبَارِك لي فِيمَا أَعْطَيْتَ، وَقِني شَرَّ مَا قَضَيْتَ، إِنَّكَ تَقْضِي وَلاَ يُقْضى عَلَيْكَ، إِنَّهُ لاَ يَذِلُّ مَنْ وَالَيْتَ، تَبَارَكْتَ رَبَّنَا وَتعالَيْتَ))..
فما أبين الاحتجاج به لو كان صحيحاً أو حسناً، ولكن لا يحتج بعبد اللّه هذا وإن كان الحاكم صحح حديثه في القنوت عن أحمد بن عبد اللّه المزني: حدثنا يوسف بن موسى، حدثنا أحمد بن صالح، حدثنا ابن أبي فديك فذكره نعم صحَّ عن أبي هُرَيرَة أنه قال: واللّه لأنا أقربُكم صلاةً برسول اللّه صلى الله عليه وسلم، فكان أبو هريرة يقنُت في الركعة الأخيرة مِن صلاة الصبح بعدما يقول: سَمعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِده، فيدعو للمؤمنين، ويلعنُ الكُفَّار ولا ريب أن رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فعل ذلك، ثمَّ تركه، فأحبَّ أبو هريرة أن يُعلِّمهم أن مِثلَ هذا القنوتِ سنة، وأن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فعله، وهذا رد على أهل الكوفة الذين يكرهون القنوت في الفجر مطلقاً عند النوازل وغيرها..

ويقولون: هو منسوخ، وفعله بدعة، فأهلُ الحديث متوسطون بين هؤلاء وبين من استحبه عند النوازل وغيرها، وهم أسعدُ بالحديث من الطائفتين، فإنهم يقنُتون حيثُ قنت رسولُ اللّه صلى الله عليه وسلم، ويتركُونه حيث تركه، فيقتدون به في فعله وتركه،ويقولون: فِعله سنة، وتركُه لسنة، ومع هذا فلا يُنكرون على من داوم عليه، ولا يكرهون فعله، ولا يرونه بدعة، ولا فاعِلَه مخالفاً للسنة، كما لا يُنكِرون على من أنكره عند النوازل، ولا يرون تركه بدعة، ولا تارِكه مخالفاً للسنة، بل من قنت، فقد أحسن، ومن تركه فقد أحسن، وركن الاعتدال محل الدعاء والثناء...
وقد جمعهما النبي صلى الله عليه وسلم فيه، ودعاء القنوت دعاء وثناء، فهو أولى بهذا المحل، وإذا جهر به الإِمام أحياناً لِيعلِّم المأمومين، فلا بأس بذلك، فقد جهر عمر بالاستفتاح ليعلم المأمومين، وجهر ابن عباس بقراءة الفاتحة في صلاة الجنازة ليعلمهم أنها سنة، ومن هذا أيضاً جهر الإِمام بالتأمين، وهذا من الاختلاف المباح الذي لا يُعنَّف فيه من فعله، ولا مَنْ تَركه، وهذا كرفع اليدين في الصلاة وتركه، وكالخلاف في أنواع التشهدات، وأنواع الأذان والإِقامة، وأنواع النسك من الإِفراد والقِران والتمتع...
وليس مقصودُنا إلا ذكر هديه صلى الله عليه وسلم الذي كان يفعله هو، فإنه قِبلَةُ القصد، وإليه التوجُّه في هذا الكتاب، وعليه مدارُ التفتيش والطلب، وهذا شيء، والجائز الذي لا يُنكر فعلُه وتركُه شيء، فنحن لم نتعرض في هذا الكتاب لما يجوز، ولما لا يجوز، وإنما مقصودُنا فيه هديُ النبي صلى الله عليه وسلم الذي كان يختاره لنفسه، فإنه أكملُ الهدي وأفضلُه، فإذا قلنا: لم يكن مِن هديه المداومةُ على القنوت في الفجر، ولا الجهرُ بالبسملة، لم يدلَّ ذلك على كراهية غيره، ولا أنه بدعة، ولكن هديُه صلى الله عليه وسلم أكملُ الهدي وأفضلُه، واللّه المستعان.

وأما حديث أبي جعفر الرازي عن الربيع بن أنس، عن أنس قال: ما زالَ رسولُ اللّه صلى الله عليه وسلم يقنت في الفجر حتى فارق الدنيا وهو في ((المسند)) والترمذي وغيرهما، فأبو جعفر قد ضعفه أحمد وغيره وقال ابن المديني: كان يخلط وقال أبو زرعة: كان يهم كثيراً. وقال ابن حبان: كان ينفرد بالمناكير عن المشاهير.

وقال لي شيخنا ابن تيمية قدَّس اللّه روحه: وهذا الإِسناد نفسه هو إسناد حديث {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَم مِنْ ظُهُورِهِمْ} [الأعراف: 172]. حديث أبي بن كعب الطويل، وفيه: وكان روحُ عيسى عليه السلام من تلك الأرواح التي أخذ عليها العهدَ والميثاقَ في زمن آدم، فأَرسلَ تلك الروحَ إلى مريم عليها السلام حين انتبذت من أهلها مكاناً شرقيا، فأرسله اللّه في صورة بشر فتمثل لها بشراً سوياً، قال: فحملت الذي يخاطبها، فدخل مِن فرجها، وهذا غلط محض، فإن الذي أرسل إليها الملك الذي قال لها؟ {إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لأهَبَ لَكِ غُلاَماً زَكِياً} [مريم: 19] ولم يكن الذي خاطبها بهذا هو عيسى بن مريم، هذا محال.

والمقصود أن أبا جعفر الرازي صاحبُ مناكير،لا يَحتج بما تفرد به أحدٌ من أهل الحديث البتة، ولو صح، لم يكن فيه دليل على هذا القنوت المعين البتة، فإنه ليس فيه أن القنوتَ هذا الدعاءُ، فإن القنوتَ يُطلق على القيا م، والسكوت، ودوام العبادة، والدعاء، والتسبيح، والخشوع، كما قال تعالى: {وَلَهُ مَنْ في السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ كُلُّ لَهُ قَانِتُون} [الروم: 26]، وقال تعالى: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ سَاجِداً وَقَائِماً يَحْذَرُ الآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحمَةَ رَبِّه}[الزمر: 9]، وقال تعالى: {وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ القَانِتِينَ} [التحريم: 12] ..
وقال صلى الله عليه وسلم ((أَفْضَلُ الصلاةِ طُولُ القُنُوت)). وقال زيد بن أرقم: لما نزل قوله تعالى: {وَقُومُوا للَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة: 238] أمرنا بالسُّكُوتِ، ونُهينا عَنِ الكَلامِ. وأنس رضي اللّه عنه لم يقل: لم يزل يقنُت بعد الركوع رافعاً صوته ((اللَّهُمَّ اهدني فيمن هديت..)) إلى آخره ويؤمِّن من خلفه، ولا ريب أن قوله: ربَّنا ولكَ الحمدُ، مِلءَ السماواتِ، وَمِلءَ الأرضِ، ومِلءَ ما شئت من شيء بعدُ، أهلَ الثناء والمجد، أحقُّ ما قال العبدُ... إلى آخر الدعاء والثناء الذي كان يقوله، قنوتٌ، وتطويلُ هذا الركن قنوتٌ، وتطويلُ القراءة قنوت، وهذا الدعاءُ المعيَّن قنوت، فمن أين لكم أن أنساً إِنما أراد هذا الدعاء المعين دون سائر أقسام القنوت؟!

ولا يقال: تخصيصُه القنوتَ بالفجر دونَ غيرها مِن الصلواتِ دليل على إرادة الدعاء المعين، إذ سائر ما ذكرتم من أقسام القنوت مشترَك بين الفجر وغيرها، وأنس خصَّ الفجر دون سائر الصلوات بالقنوت، ولا يمكن أن يُقال: إنه الدعاء على الكفار، ولا الدعاء للمستضعفين من المؤمنين، لأن أنساً قد أخبر أنه كان قنت شهراً ثم تركَه، فتعيَّن أن يكون هذا الدعاء الذي داوم عليه هو القنوتَ المعروف، وقد قنت أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، والبراء بن عازب، وأبو هريرة، وعبد اللّه بن عباس، وأبو موسى الأشعري، وأنس بن مالك وغيرهم.

والجواب من وجوه. أحدُها: أن أنساً قد أخبر أنه صلى الله عليه وسلم كان يقنُت في الفجر والمغرب كما ذكره البخاري، فلم يخصص القنوت بالفجر، وكذلك ذكر البراء بن عازب سواء، فما بالُ القنوت أخص بالفجر؟!

فإن قلتم: قنوتُ المغرب منسوخ، قال لكم منازعوكم من أهل الكوفة: وكذلك قنوتُ الفجر سواء، ولا تأتون بحجة على نسخ قنوت المغرب إلا كانت دليلاً على نسخ قنوت الفجر سواء، ولا يُمكنكم أبداً أن تُقيموا دليلاً على نسخ قنوت المغرب وإحكام قنوتِ الفجر. فإن قلتم: قُنوتُ المغرب كان قنوتاً للنوازل، لا قنوتاً راتباً، قال منازعوكم من أهل الحديث: نعم كذلك هو، وكذلك قنوتُ الفجر سواء، وما الفرق؟ قالوا: ويدل على أن قنوت الفجر كان قنوتَ نازلة، لا قنوتاً راتباً أن أنساً نفسه أخبر بذلك، وَعُمدَتكم في القنوت الراتب إنما هو أنس، وأنس أخبر أنه كان قنوتَ نازلة ثم تركه، ففي((الصحيحين))عن أنس قال: قنَتَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم شهراً يدعو على حي مِن أحياءِ العرب، ثم تركه.

الثاني: أن شَبابة روى عن قيس بن الربيع، عن عاصم بن سليمان قال: قلنا لأنس بن مالك: إن قوماً يزعمُون أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يزل يقنُت بالفجر، قال: كذبوا، وإنما قَنتَ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم شهراً واحداً يدعو على حيٍّ من أحياء العرب، وقيس بن الربيع وإن كان يحيى بن معين ضعفه، فقد وثقه غيره، وليس بدون أبي جعفر الرازي، فكيف يكون أبو جعفر حجة في قوله: لم يزل يقنت حتى فارق الدنيا وقيس ليس بحجة في هذا الحديث، وهو أوثقُ منه أو مثلُه، والذين ضعفوا أبا جعفر أكثرُ من الذين ضعفوا قيساً، فإنما يعرف تضعيفُ قيس عن يحيى، وذكر سببَ تضعيفه، فقال أحمد بن سعيد بن أبي مريم: سألت يحيى عن قيس بن الربيع، فقال: ضعيف لا يُكتب حديثه، كان يحدِّث بالحديث عن عبيدة،وهو عنده عن منصور، ومثل هذا لا يوجب رد حديث الراوي، لأن غاية ذلك أن يكون غلط ووهم في ذكر عبيدة بدل منصور، ومن الذي يسلم من هذا من المحدثين؟

الثالث: أن أنساً أخبر أنهم لم يكونوا يقنُتون، وأن بدء القنوت هو قنوتُ النبي صلى الله عليه وسلم يدعو على رِعل وذَكوان، ففي ((الصحيحين)) من حديث عبد العزيز بن صهيب،عن أنس قال: بعثَ رسولُ اللّه صلى الله عليه وسلم سبعين رجلاً لحاجة، يقال لهم: القُرَّاءُ، فعرض لهم حَيَّانِ من بني سليم رِعل وذَكوان عند بئر يقال له: بئر مَعونة، فقال القوم: واللّه ما إياكم أردنا، وإنما نحن مجتازون في حاجة لرسول اللّه صلى الله عليه وسلم، فقتلوهم، فدعا رسولُ اللّه صلى الله عليه وسلم عليهم شهراً في صلاة الغداة، فذلك بدءُ القنوت، وما كنا نقنُت.

فهذا يدل على أنه لم يكن من هديه صلى الله عليه وسلم القنوت دائماً، وقول أنس: فذلك بدءُ القنوتُ، مع قوله: قنت شهراً، ثم تركه، دليل على أنه أراد بما أثبته من القنوت قنوتَ النوازل، وهو الذي وقَّته بشهر، وهذا كما قنت في صلاة العتمة شهراً، كما في ((الصحيحين)) عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قنت في صلاة العَتَمَة شهراً يقول في قنوته: ((اللَّهُمَّ أَنْجِ الْوَلِيدَ بْنَ الْوَلِيدِ، اللَّهُمَّ أَنْجِ سَلَمَةَ بْنَ هِشَام، اللَّهُمَّ أَنْجِ عَيَّاشَ بْنَ أَبِي رَبِيعَةَ، اللَّهُمَّ أَنْجِ المُسْتَضعفِينَ مِنْ المُؤْمِنِينَ، اللَّهُمَّ اشْدُدْ وَطْأَتَكَ عَلَى مُضرَ، اللَّهُمَّ اجْعَلْهَا عَلَيْهِمْ سِنِينَ كَسِني يُوسُف)). قال أبو هريرة: وأصبح ذاتَ يوم فلم يدعُ لهم، فذكرتُ ذلك له، فقال: أو ما تراهم قد قَدِمُوا، فقنوتُه في الفجر كان هكذا سواء لأجل أمر عارض ونازلة، ولذلك وقَّته أنس بشهر.

وقد روي عن أبي هريرة أنه قنت لهم أيضاً في الفجر شهرا، وكلاهما صحيح، وقد تقدم ذكر حديث عكرمة عن ابن عباس: قنت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: شهراً متتابعاً في الظهر، والعصر، والمغرب، والعشاء، والصبح، ورواه أبو داود وغيره، وهو حديث صحيح.

وقد ذكر الطبراني في ((معجمه)) من حديث محمد بن أنس: حدثنا مُطرِّف بن طريف، عن أبي الجهم، عن البراء بن عازب، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يُصليِّ صلاةً مكتوبة إلا قنت فيها.

قال الطبراني: لم يروه عن مطرِّف إلا محمد بن أنس. انتهى.

وهذا الإِسناد وإن كان لا تقوم به حُجة، فالحديث صحيح من جهة المعنى، لأن القنوت هو الدعاء، ومعلوم أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم لم يُصل مكتوبة إلا دعا فيها، كما تقدم، وهذا هو الذي أراده أنس في حديث أبي جعفر الرازي إن صح أنه لم يزل يقنت حتى فارق الدنيا، ونحن لا نشك ولا نرتاب في صحة ذلك، وأن دعاءه استمر في الفجر إلى أن فارق الدنيا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.