واجهت البرازيل أزمة ديون حادة منذ بداية الحكم المدنى في ثمانينيات القرن الماضي، خاصة بعد سياسة الاقتراض المتهورة التي انتهجتها حكومات سابقة، وخلال حقبة التسعينيات، انتهجت الحكومات المدنية سياسات اقتصادية رأسمالية، وتبنت سياسات الانفتاح الاقتصادي، وسياسات السوق، وعمت البرازيل حمى الخصخصة والتحرير الاقتصادي. وقام الرئيس السابق، فيرناندو أنريك كاردوسو بمحاولات عديدة لإصلاح الاقتصاد البرازيلى فور قدومه، وكانت محاولاته للإصلاح الاقتصادى إحدى البوابات التي انطلق منها خلفه لويس إيناسيو لولا دا سيلفا. ترك كاردوسو إرثًا كبيرًا من الديون نهاية فترة حكمه، حيث ارتفع الدين الخارجى من 150 مليار دولار إلى 250 مليار دولار، كما خلف اتفاق حكومته مع صندوق النقد الدولى للحصول على قرض قيمته 84 مليار دولار، وما استتبعه من تخفيض النفقات العامة وتوسع في برامج الخصخصة، آثارا سلبية على الطبقات الاجتماعية الأقل دخلًا. وبدأ دا سيلفا في 2003 ولايته الانتخابية، مكبلًا بالديون ووجد نفسه مجبرًا على اتباع بنود الاتفاقية التي أبرمتها حكومة سلفه كاردوسو مع صندوق النقد الدولي، وتعهد بتنفيذ الإصلاحات الاقتصادية التي اشترطها"النقد الدولي"؛ للحصول على قرض بقيمة 30 مليار دولار. وفضلًا عن ذلك، واجه داسيلفا تحديات اقتصادية ضخمة؛ تمثلت في مشكلة انخفاض قيمة الريال البرازيلى أمام الدولار الأمريكي، وارتفاع معدل التضخم، ووصول الدين الخارجى إلى 250 مليار دولار نتيجة الاستدانة المتفاقمة من الخارج. وفى هذه الفترة، سجل الدين المحلى نسبة 900% نتيجة الاتجاه إلى سياسات طرح سندات الدين الداخلى بفوائد مرتفعة، مما شجع المستثمرين على التخلى عن الاستثمار المنتج لصالح شراء السندات الحكومية، الأمر الذي أدى إلى أزمة انعدام الثقة في الاقتصاد البرازيلي، سواء من الجهات الدولية المانحة أو المستثمرين المحليين والأجانب، وأصابت سياسات الانفتاح الاقتصادى التي اتبعتها البرازيل قبل عهد دا سيلفا المنتجين المحليين بخسائر فادحة، مما أدى إلى مزيد من البطالة، وتراجع حاد في الإنتاج المحلى، ومن ثم تراجع معدلات التصدير، وكذلك أيضا ارتفاع معدلات الفقر. وانقسم المجتمع البرازيلى إلى طبقتين، الأولى عبارة عن شريحة رفيعة جدا من الأثرياء في مقابل شريحة عريضة من المعدمين، فيما تكاد تكون الطبقة الوسطى غير مرئية على الإطلاق، في مشهد صارخ للتفاوت الاقتصادي، وانعدام شبه كامل للعدالة الاجتماعية. واعتبر دا سيلفا، سياسة "التقشف" هي الحل الأول والأمثل لحل مشكلات الاقتصاد، وطلب دعم الطبقات الفقيرة والصبر على هذه السياسات، وأدى برنامج التقشف إلى خفض عجز الموازنة، وارتفاع التصنيف الائتمانى للبلاد، وساهم ذلك بقوة في القضاء على انعدام الثقة في الاقتصاد البرازيلي. وفى أعقاب ذلك، تلقت البرازيل نحو 200 مليار دولار استثمارات مباشرة من 2004 وحتى 2011، كما اعتمدت البرازيل على تصدير المنتجات الخام في السنوات الأولى من حكم دا سيلفا، وقبل الأزمة العالمية في 2008، استفادت البلاد من ارتفاع أسعار المواد الخام في الأسواق العالمية، وهو الأمر الذي أدى إلى سد العجز في ميزان المدفوعات، الذي كان يعانى منه الاقتصاد البرازيلى قبيل عام 2003. وأدى اتباع سياسات التقشف، إلى استعادة الثقة في الاقتصاد البرازيلي، ومن ثم زيادة الاستثمارات والإنتاج، وتشجيع الصناعة والزراعة والسياحة، وهو ما أدى لاتساع فرص العمل وزيادة الدخل للبرازيليين، وعلى الجانب الآخر، ساعدت برامج الإعانة الاجتماعية بشكل مباشر على الرفع من مستوى الدخل وتحسن المستوى المعيشى للطبقات الفقيرة، ومع تحسين دخلهم أصبحت هذه الطبقات تمثل قوة شرائية كبيرة، ساعدت في ازدهار المشروعات الإنتاجية الوطنية، وظهر ذلك بوضوح خلال فترة الأزمة العالمية في 2008، حيث كانت البرازيل أقل دول العالم تأثرًا بالأزمة، وحققت آنذاك نموًا بلغ 5.1%. بدأت تجربة التقشف وإلغاء الدعم في البرازيل تدريجية، شملت الشركات أولا في بداية تسعينيات القرن المنصرم، ثم الاستهلاك، ومع نهاية عام 2011 أعلنت البرازيل رسميا أنها أصبحت سادس أكبر اقتصاد على مستوى العالم متقدمة بذلك على بريطانيا. ووفقا لتصريحات وزير المالية البرازيلى فإن بلاده حققت نموا بنسبة 2.7% في الوقت الذي حقق الاقتصاد البريطانى نموا بنسبة 0.8%. وفى الآونة الأخيرة، تم الإعلان عن حزم تقشف تعادل 17 مليار دولار أمريكي، تتضمن تجميد رواتب القطاع العام، وإلغاء بعض الوزارات، وتخفيض عدد الوظائف، بالإضافة إلى تقليل نفقات البرامج الاجتماعية.