أسعار الذهب اليوم الجمعة 17-5-2024 في مصر    سعر السمك البلطي في الأسواق اليوم    «أوستن» يدعو لحماية المدنيين قبل أي عملية في رفح الفلسطينية    الجيش الإسرائيلي: اعتراض مسيرة أطلقت من لبنان وانفجار أخرى في الجليل الغربي    كندا تفرض عقوبات على أربعة مستوطنين    نهائي دوري الأبطال، كولر والشناوي يتحدثان عن مباراة الترجي فى مؤتمر صحفي اليوم    برشلونة فوق صفيح ساخن.. توتر العلاقة بين لابورتا وتشافي    «الأرصاد»: ارتفاع درجات الحرارة اليوم.. والعظمى في القاهرة 35 مئوية    تفاصيل الحالة المرورية اليوم الجمعة 17 مايو 2024    مهرجان كان، عرض فيلم Oh, Canada ضمن فعاليات اليوم الرابع    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الجمعة 17-5-2024 في المنيا    انطلاق امتحانات الفصل الدراسي الثاني لطلاب الشهادة الإعدادية بالجيزة.. غدا    الاغتسال والتطيب الأبرز.. ما هي سنن يوم «الجمعة»؟    حدث ليلا.. أمريكا تتخلى عن إسرائيل وتل أبيب في رعب بسبب مصر وولايات أمريكية مٌعرضة للغرق.. عاجل    الدولار يواصل السقوط ويتجه لتسجيل انخفاض أسبوعي وسط مؤشرات على تباطؤ في أمريكا    حركة القطارات| 45 دقيقة تأخير بين قليوب والزقازيق والمنصورة.. الجمعة 17 مايو 2024    طائرات الاحتلال تطلق النيران بشكل مكثف على مناطق متفرقة في مخيم جباليا    الإثنين.. المركز القومي للسينما يقيم فعاليات نادي سينما المرأة    باسم سمرة يروج لفيلمه الجديد «اللعب مع العيال»: «انتظروني في عيد الاضحى»    استئناف الرحلات والأنشطة البحرية والغطس في الغردقة بعد تحسن الأحوال الجوية    «الأرصاد» تكشف طقس الأيام المقبلة.. موجة حارة وارتفاع درجات الحرارة    دعاء تسهيل الامتحان.. «اللهم أجعل الصعب سهلا وافتح علينا فتوح العارفين»    موعد مباراة ضمك والفيحاء في الدوري السعودي    «قضايا اغتصاب واعتداء».. بسمة وهبة تفضح «أوبر» بالصوت والصورة (فيديو)    بسبب عدم انتظام الدوري| «خناقة» الأندية المصرية على البطولات الإفريقية !    شريف الشوباشي: أرفض الدولة الدينية والخلافة الإسلامية    لبلبة: عادل إمام أحلى إنسان في حياتي (فيديو)    النمسا تتوعد بمكافحة الفساد ومنع إساءة استخدام تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي    وقوع زلازل عنيفة بدءا من اليوم: تستمر حتى 23 مايو    بركات: الأهلي أفضل فنيا من الترجي.. والخطيب أسطورة    أضرار السكريات،على الأطفال    ملف يلا كورة.. موقف شيكابالا من النهائي.. رسائل الأهلي.. وشكاوى ضد الحكام    مواقيت الصلاة اليوم الجمعة 17 مايو 2024    الذكاء الاصطناعى.. ثورة تكنولوجية في أيدى المجرمين الجدد    هل يشارك لاعب الزمالك في نهائي الكونفدرالية بعد وفاة والده؟    تحرك جديد.. سعر الحديد والأسمنت اليوم الجمعة 17 مايو 2024 بالمصانع والأسواق    «رايحة فرح في نص الليل؟».. رد محامي سائق أوبر على واقعة فتاة التجمع    أحمد السقا يكشف عن مفاجأة لأول مرة: "عندي أخت بالتبني اسمها ندى"    «واجبنا تجاه المنافع المشتركة والأماكن والمرافق العامة» .. موضوع خطبة اليوم الجمعة    " بكري ": كل ما يتردد حول إبراهيم العرجاني شائعات ليس لها أساس من الصحة    بعد اختفائه 12 يومًا.. العثور على جثة الطفل أدهم في بالوعة صرف بالإسكندرية    برج الجدى.. حظك اليوم الجمعة 17 مايو: "جوائز بانتظارك"    محافظ الغربية: تقديم الخدمات الطبية اللائقة للمرضى في مستشفيات المحافظة    تركيب المستوى الأول من وعاء الاحتواء الداخلي بمفاعل محطة الضبعة النووية    الدراسة بجامعة القاهرة والشهادة من هامبورج.. تفاصيل ماجستير القانون والاقتصاد بالمنطقة العربية    براتب 1140 يورو.. رابط وخطوات التقديم على وظائف اليونان لراغبي العمل بالخارج    كارثة تهدد السودان بسبب سد النهضة.. تفاصيل    شروط الحصول على المعاش المبكر للمتقاعدين 2024    المظهر العصري والأناقة.. هل جرَّبت سيارة hyundai elantra 2024 1.6L Smart Plus؟    ترقب المسلمين لإجازة عيد الأضحى وموسم الحج لعام 2024    عاجل - واشنطن: مقترح القمة العربية قد يضر بجهود هزيمة حماس    لا عملتها ولا بحبها.. يوسف زيدان يعلق على "مناظرة بحيري ورشدي"    كلمت طليقى من وراء زوجي.. هل علي ذنب؟ أمين الفتوى يجيب    طارق مصطفى: استغللنا المساحات للاستفادة من غيابات المصري في الدفاع    براميل متفجرة.. صحفية فلسطينية تكشف جرائم إسرائيل في غزة    طريقة عمل بيكاتا بالشامبينيون: وصفة شهية لوجبة لذيذة    للحفاظ على مينا الأسنان.. تجنب تناول هذه الفواكه والعصائر    تنظم مستويات السكر وتدعم صحة العظام.. أبرز فوائد بذور البطيخ وطريقة تحميصها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



البرازيل.. من الاستبداد إلى الديمقراطية
نشر في التحرير يوم 19 - 06 - 2014

يتابع الكثير من المصريين باهتمام بالغ وقائع كأس العالم التى تجرى أحداثها فى البرازيل، أسباب عدة تدفع إلى هذا الاهتمام، ربما هو ولع بكرة القدم يمتزح ببحث عن فرحة غابت عن المصريين لسنوات طوال، يأسا ومللا وهروبا من السياسة، أو بحثا عن نصر معنوى قد يحدث بأن تعلق أنظارك وآمالك على فريق يحقق لك فوزا لطالما تمنيت أن تجده حولك فى أى شىء ناجح. بين الملاعب المجهزة جيدا ذات الإضاءة الباهرة، والمهرجانات والكرنفالات والاحتفالات، وصور المشجعات البرازيليات، وحالة البهجة والابتسامة المرسومة على وجوه المشجعين، هناك قصة قد تبدو أكثر عمقا وأهمية، إنها مبعث للأمل ومشجع لنصر حقيقى ليس معنويا فقط قد تصنعه البلدان، إنها قصة تحول تلك الدولة من دولة ترزح تحت الاستبداد إلى دولة ديمقراطية، ومن دولة تعانى من انهيار اقتصادى إلى قوة اقتصادية كبرى، ومن دولة عانت من التبعية الدولية إلى دولة تلعب دورا قياديا فى محيطها الإقليمى وتسعى لأن تكون قائدا لجنوب العالم وبناء تكتلات قوية له.. إخفاقات ومعاناة وتقلبات وتحديات عانت منها البرازيل وما زالت تواجهها حتى اليوم، ولحظات اضطراب وقلق ربما مماثلة لما نعيشه اليوم وعشناه خلال السنوات السابقة مرت على الشعب البرازيلى بينما ظل النصر (حتى وإن بدا ناقصا) هو النتيجة فى النهاية.. إنها البرازيل صانعة البهجة والأمل..
1- من الاستبداد إلى الديمقراطية
يحكم البرازيل نظام جمهورى فيدرالى، حيث توجد السلطة فى يد رئيس الجمهورية وبمشاركة رئيس الحكومة، أما السلطة التشريعية فهناك مجلس للشيوخ يتكون من 81 عضوا، بينما يتكون مجلس النواب من 513 عضوا ومدة الدورة أيضا أربع سنوات. وتحكم البرازيل الآن ديلما روسيف، التى تصنف على أنها أحد أبرز المناضلين اليساريين إبان فترة الحكم العسكرى.. ولكن كيف تطور النظام السياسى فى البرازيل من الاستبداد إلى الديمقراطية ومن القمع إلى الانفتاح؟ تلك التجربة التى أدت إلى أن يحكم البرازيل امرأة معارضة وأن تتخلى البرازيل عن حكم شخص مثل لولا دى سيلفا، هذا المناضل العمالى الذى تولى حكم البرازيل لمدة دروتين رئاسيتين فقط، ولم تدفعه مطالبات الجمهور الذين رأوه أبا للفقراء أن ينتهك الدستور أو أن يقوم بتعديل نصوصه ويترشح لفترة رئاسية ثالثة. وعن هذا التطور السياسى وعملية الانتقال تلك، يرى البعض أن بداية الحكم العسكرى القمعى فى البرازيل تعود إلى عام 1964 عندما استولى الجيش على السلطة، فى ظل موجة شهدت صعود العسكريين لحكم أجزاء من العالم فى تلك الفترة، لكن النظر إلى التاريخ البرازيلى بشكل أكثر دقة يقودك إلى أن البداية تعود إلى عام 1930 عندما تولى الجنرال غيتويلو فارغاس الحكم، وقد تلا حكمه عدد من الحكومات العسكرية، حيث تراجعت الديمقراطية وقيدت الحريات وتعددت الأزمات السياسية والاقتصادية والحروب الأهلية داخل المجتمع البرازيلى.
فى منتصف السبعينيات تقريبا تولى الجنرال إيرنستوا غيسيل الحكم ومن بعده الجنرال جون بابتيستا فيغوريدو السلطة فى البلاد، وفى منتصف الثمانينيات اتجهت الحركة التدريجية نحو النظام المدنى، تلك الفترة تحديدا التى كانت بداية لتعاقب الرؤساء المدنيين على السلطة فى البرازيل.
2- المعلومات الكاملة تعد البرازيل أو جمهورية البرازيل الاتحادية أكبر دولة فى أمريكا الجنوبية، بينما تعد خامس أكبر دولة فى العالم من حيث المساحة التى تبلغ تقريبا 8.547 مليون كم2، ويبلغ عدد سكانها كما تم تسجيله وفقا لإحصائيات جرت فى عام 2008 ما يزيد على 190 مليونا، وتكتظ البرازيل بالكثافة السكانية على سواحلها، وتقل تلك الكثافة كلما اتجهنا نحو الداخل، ويقترب متوسط الكثافة السكانية نحو 21 نسمة فى الميل المربع، مع تأكيد عدم انتظام التوزيع الجغرافى. وتملك البرازيل معدل نمو سكانى يعد واحدا من أعلى المعدلات فى العالم، وقد بلغ مثلا خلال الفترة ما بين 1950 إلى 1960 نسبة 305 فى المئة.
يخترق الأراضى البرازيلية نهر الأمازون ويمر عبر معظم أجزاء الشمال البرازيلى، ويعد الأمازون ثانى أطول أنهار العالم بعد نهر النيل. وتملك البرازيل مناخا دافئا وأمطارا غزيرة جعلتها واحدة من الدول الأهم فى ما يتعلق بزراعة المحاصيل الزراعية، وإن كان هناك عدد من مناطق الجمهورية التى تعانى جفافا شديدا، هناك أيضا غابات البرازيل الممطرة والمليئة بالآلاف من النباتات، ويعمل فى تلك الدولة الزراعية ما يزيد على ربع القوى العاملة، كما يمثل الرعى أيضا حرفة هامة بسبب الموارد الكثيرة من الثروة العشبية والثروة الحيوانية من الأبقار والأغنام والماعز.. أيضا تملك البرازيل ثروة كبرى من الغابات الاستوائية الغنية بالاخشاب والثروة المعدنية والتى تعد مرفقا حيويا من مرافق الاقتصاد.
3- بداية النظام السياسى الجديد
البرازيليون أسقطوا دى ميلو أول رئيس مدنى منتخب فى مشهد قريب من المشهد المصرى
كان أول الرؤساء المدنيين هؤلاء هو خوسيه سارنى، أول رئيس مدنى منتخب من قبل المجلس التشريعى، ثم تلاه فيرناندو دى ميلو، أول رئيس مدنى ينتخب انتخابا مباشرا من الشعب، وفى مشهد قريب من المشهد المصرى أُسقط الرئيس المدنى المنتخب الأول بعد حراك جماهيرى ضده، على إثر اتهامات وجهت إليه بالفساد، ثم تلاه الرئيس البرازيلى فيرناندو هنريك كاردوسوا الذى بدأ عهده يشهد استقرارا سياسيا حين انتخب رئيسا فى عام 1994، وقد مكنته خبرته الأكاديمية والسياسية -حيث كان وزيرا للخارجية والمالية- فى ارساء دعائم هذا الاستقرار، حيث نجح فى خلق مسارين متوازيين للإصلاح الاقتصادى والسياسى مما دفع الناخبين إلى منحه أصواتهم لمدة رئاسية تالية، وقد التزم أخلاقيا كاردوسو تجاه التجربة الديمقراطية بأنه رفض تعديل الدستور كى يسمح له بالترشح لفترة رئاسية ثالثة نزولا على رغبة مؤيديه، وأعلن أنه على الحياد فى إجراءات انتخاب من تلاه. ويمكن القول إن التحول الديمقراطى فى البرازيل استغرق الفترة ما بين عامى 1974 و 1985، وقد استغرق التطور الديمقراطى كى يصل إلى مرحلة الرسوخ (consolidation) قرابة خمس وعشرين سنة.
لقد جاء لولا دى سيلفا، أحد أشهر زعماء اليسار فى البرازيل، إلى الحكم فى عام 2002 بعد أن فاز فى تلك الانتخابات بنسبة 61% وقضى فترتين رئاسيتين هو الآخر ثم تلته الرئيسة الحالية ديلما روسيف. ولعل اللافت فى تلك التجربة أنه بعد إسقاط النظام العسكرى تبنت البرازيل فى تسعينيات القرن الماضى نهجا إصلاحيا لتوجيه البلاد نحو الديمقراطية، وتعكس التجربة البرازيلية أهمية الأحزاب السياسية فى صياغة المشهد السياسى، خصوصا الحركة الديمقراطية التى شكلت المعارضة الأساسية داخل البلاد واستطاعت أن تحظى بثقة المؤسسة العسكرية، أيضا بادرت الحكومة العسكرية بتقديم بعض التنازلات بعد تآلف جزء من قادتها مع المعارضة لإجراء تعديلات هيكلية للنظام السياسى لتحقيق الانتقال الديمقراطى.. حيث لم تتصرف الحكومة والمعارضة كأعداء وإنما كشركاء غير مباشرين. وعلى الرغم من خضوع البرازيل للحكم العسكرى عبر فترات، فإن احتفاظها بمؤسسات مهمة تتسم بالديمقراطية الليبرالية كان عاملا مهمّا فى إتمام عملية التحول، حيث كانت الأحزاب والبرلمان تعمل فى أثناء الحكم العسكرى على الرغم من تعرضها للتضييق.
4- البرازيل.. من الاستبداد إلى الديمقراطية وعلى صعيد تفعيل سياسات الضمان الاجتماعى فقد بدأ منذ منتصف التسعينيات، أى فى عهد كاردوسو قبل وصول لولا إلى الحكم، لكن الأخير استمر فى متابعة هذا البرنامج، وعمليا ينسب إليه الفضل فى توسيع نطاق الاستفادة منه وضخ طاقة أكبر وأموال أكثر فيه. وقد كان إجمالى الإنفاق على البرنامج يصل إلى 0.5 فى المئة من إجمالى الناتج المحلى بتكلفة تقدر ب9.6 مليار دولار، ويقوم البرنامج على أساس إعطاء الأسر الفقيرة معونات مالية بقصد رفع مستواها وتحسين معيشتها على أساس أن تعرف الأسر الفقيرة بأنها الأسر التى يقل دخلها عن 28 دولارا شهريا.
والأهم هو ربط هذه المعونات بشروط صارمة تشمل التزام الأسرة بإرسال أطفالها للتعليم والالتزام بالحصول على الأمصال واللقاحات للأطفال بشكل منتظم، وبعد التأكد من التزام الأسرة بالشروط السابقة تحصل الأسرة على دعم بمتوسط يبلغ تقريبا 87 دولارا شهريا، وهو ما يعادل 40 فى المئة من الحد الأدنى للأجر فى البلاد، وتصرف الإعانة عن كل طفل بحد أقصى ثلاثة أطفال. كما تصرف هذه الإعانات للأم بضمان صرفها لتحسين ظروف الأطفال والأسرة. وقد كانت إنجازات هذا البرنامج باهرة، فقد وصل عدد المستفيدين إلى 11 مليون أسرة، وهو يعنى 64 مليون شخص بما يعادل نحو 33 فى المئة من الشعب البرازيلى. ويمكن توضيح معنى استفادة الأسر الفقيرة من البرنامج على النحو التالى: انه لم يكن مشروعا سحريا للقضاء على الفقر ولكنه كان مشروعا واقعيا أدى إلى نتائج ملموسة مثل التمكن من العيش بشكل أفضل والحصول على الطعام واقتناء بعض السلع المعمرة لأول مرة فى حياتهم. وبالتالى فإن برامج لولا لم تقضِ على الفقر تماما ولكنها حركت ملايين من الأسر من منطقة الفقر إلى منطقة الطبقة الوسطى الجديدة، حيث تقول مؤسسة «سيتيليم» المتخصصة فى أبحاث المستهلكين إنه قد صعد أكثر من 23 مليون شخص من الطبقتين «د» و«و» إلى الطبقة «ج»، وهى الطبقة التى يتراوح دخلها ما بين 457 و753 دولارا شهريا. وبشكل عام فقد ساعد برنامج بولس فاميليا مثلا فى خفض مؤشرات جينى بنسبة 21 فى المئة، فى حين أدت عمليات رفع الحد الأدنى من الأجور إلى خفض المؤشر بنسبة 32 فى المئة، ويقول البنك الدولى إن دخل أفقر 10 فى المئة من السكان يزيد بنسبة 9 فى المئة سنويا، فى حين يزيد دخل الطبقات الأغنى بنسبة تتراوح ما بين 2 و4 فى المئة سنويا، وهذا يعنى تقليل الفجوة بين الطبقات بصورة تدريجية. وإن كان الواقع يقول إن الفقر ما زال موجودا والتفاوت الاجتماعى كذلك لكن المهم أنه قد قل وبنسب ومعدلات كبيرة مقارنة بالماضى، والاستمرار على هذ المنوال سيعنى مزيدا من النجاح فى إتمام الهدف.
5- التقدم الاقتصادى.. كلمة السر
لقد قدم الرئيس الأسبق كاردوسو (1995-2002) محاولات عديدة لإصلاح الاقتصاد البرازيلى، حيث وضع خطة «الريال» التى كان هدفها دمج الاقتصاد المحلى فى الاقتصاد العالمى. وأخذت محاولاته الإصلاحية منحى تبنى سياسات السوق الحرة والاستدانة الخارجية، حيث ارتفع الدين الخارجى من 150 إلى 250 مليار دولار خلال فترة رئاسته، وقد أدى هذا التضخم فى الدين إلى أزمة انعدام الثقة فى الاقتصاد البرازيلى سواء من الجهات الدولية المانحة أو من المستثمرين المحليين والأجانب. كما اتجهت سياسات كاردوسو أيضا نحو طرح سندات الدين الداخلى بفوائد مرتفعة مما شجع المستثمرين على التخلى عن الاستثمار المنتج لصالح شراء السندات الحكومية حتى ارتفع الدين الداخلى بنسبة 900%، وهكذا انحرفت محاولاته إلى مزيد من الأعباء على الأجيال القادمة ولم تحقق تقدما فى الإنتاج، بل كان تقدما فقط فى قطاع المال وزيادة فى الديون وتعقيدا أكبر لأزمة الثقة، وبالطبع استمرار الأوضاع الاقتصادية المتردية للطبقات الفقيرة. وقبيل انتهاء فترة رئاسته وبالتحديد فى يوليو 2002 سعى كاردوسو سعيا مستميتا للحصول على قرض جديد من صندوق النقد الدولى، وراح يتعهد باتخاذ خطوات للتصدى لانعدام الثقة. ثم جاء لولا دى سيلفا لتولى الحكم حيث كانت البلاد محملة بتركة ضخمة من المشكلات الاقتصادية مثل انخفاض قيمة الريال البرازيلى أمام الدولار الأمريكى، والتضخم، وارتفاع مستويات الدين العام سواء الخارجى أو الداخلى، وهو الأمر الذى أدى إلى ما عرف بأزمة الثقة وضعف معدلات النمو، بالإضافة إلى مشكلة النقص الحاد فى توصيل الكهرباء إلى مساحات شاسعة من البلاد، وهو ما يعيق مشروعات التنمية الزراعية والصناعية بشكل كبير، ومن ثم أيضا معدلات النمو، ومشكلة التسرب من التعليم وتردى أحوال المدارس بشكل عام. بالإضافة إلى انتشار الفقر والجريمة المنظمة، وخصوصا تجارة المخدرات، شأنها فى ذلك شأن معظم دول القارة والتفاوت الشديد بين طبقات المجتمع، الذى كان ينقسم بوضوح شديد إلى طبقتين، الأولى عبارة عن شريحة رفيعة جدا من الأغنياء غنى فاحشا فى مقابل شريحة عريضة من الفقراء فقرا مدقعا، بينما تكاد تكون الطبقة الوسطى غير مرئية على الإطلاق فى مشهد صارخ للتفاوت الاقتصادى وانعدام شبه كامل للعدالة الاجتماعية.
دى سيلفا اتبع سياسات رأسمالية.. لكنه قام بتنفيذ مشاريع كبرى لمحاربة الفقر حققت نتائج باهرة
بعد سنوات وعلى يد لولا دى سيلفا أعلنت البرازيل استئناف النمو بعد ستة أشهر فقط من الانكماش، وذلك بعد أن أعلن عن زيادة إجمالى الناتج الداخلى بنسبة 1.9 فى المئة فى الفصل التانى من عام 2008، كما شهدت البرازيل نموا بنسبة 5.35 فى المئة خلال الأشهر الستة الأولى من عام 2009، وهو الأمر الذى يمكن معه التأكد أن العملاق الأمريكى اللاتينى قد خرج رسميا على يد دى سيلفا رسميا من مرحلة الانكماش التى شهدها طوال الأعوام التى سبقت توليه الرئاسة. وكانت الصناعة أكثر قطاع شهد العودة إلى الانتعاش مسجلا ارتفاعا بنسبة 2.1 فى المئة فى الفصل الثانى مقارنة بالأشهر الثلاثة الأولى من العام. وشهد قطاع الخدمات نموا بنسبة 1.2 فى المئة تقريبا مقارنة ب2008 التى شهد خلالها الاقتصاد البرازيلى نموا لافتا قبل أن تطاله الأزمة لتتراجع الصناعة بنسبة 7.9 فى المئة والزراعة وتربية المواشى بنسبة 4.2 فى المئة فى حين شهدت الخدمات نموا بنسبة 2.4 فى المئة آنذاك. وقد سعى دى سيلفا إلى تبنى برنامج اقصادى قائم على عدة محاور، أبرزها تنفيذ برنامج تقشف وفقا لخطة صندوق النقد الدولى بهدف سد عجز الموازنة والقضاء على أزمة الثقة، والأهم أنه عندما تولى الرئاسة لم يتراجع عن هذا البرنامج الذى كان قد وضعه سابقه كاردوسو، بل استمر فيه على غير توقعات ومخاوف الطبقات الدنيا، حيث لجأ إلى الصراحة والمكاشفة وأعلن أن سياسة التقشف هى الحل الأول والأمثل لحل مشكلات الاقتصاد. وقد أدى ذلك إلى خفض عجز الموازنة وارتفاع التصنيف الائتمانى ومن ثم القضاء على ضعف الثقة فى الاقتصاد البرازيلى، وبناء عليه تلقت البرازيل 200 مليار دولار استثمارات مباشرة من 2004 إلى 2011 بالإضافة إلى ذلك دخل ما يقرب من 1.5 مليون أجنبى للإقامة فى البرازيل فى 2011 وعاد نحو مليونى مهاجر برازيلى إلى البلاد، وقد أدت هذه الاستثمارات إلى رفع الطاقة الإنتاجية للدولة، وهو ما يعين توفير فرص عمل جديدة ومن ثم المساهمة فى حل مشكلة الفقر، وبعد أن كان صندوق النقد يرفض إقراض البرازيل فى أواخر عام 2002 أصبح الآن بعد ثمانية أعوام من العمل فى برنامج لولا الاقتصادى مدينا للبرازيل ب14 مليار دولار. وقد اتبع دى سيلفا أيضا منهجا جديدا لسياسات الإقراض، حيث تم توفير تسهيلات ائتمانية بخفض سعر الفائدة من 13.25 إلى 8.75 فى المئة، وهو ما سهَّل الإقراض بالنسبة إلى المستثمرين، ومن ثم أدى ذلك إلى تسهيل إقامة المشروعات الصغيرة، وتوفير فرص عمل ورفع مستوى الطاقة الإنتاجية والنمو، وهو ما أسهم أيضا فى حل مشكلة الفقر. وتشير الإحصاءات إلى أن نصف سكان البلاد قد ارتفع دخلهم خلال العقد الأخير بنسبة 68 فى المئة. كما اتجهت السياسات الاقتصادية فى هذا الشأن إلى الاهتمام بشقين للصناعة، الأول هو الصناعات البسيطة القائمة على المواد الخام مثل تعدين المعادن والصناعات الغذائية والجلدية والنسيج، وهى كانت بالفعل قائمة من قبل، لكن حدث فيها توسعات ناتجة عن التوسع فى الزراعة والاكتشافات البترولية، ومن ثم التوسع فى هذه الصناعات والتصدير كما سبقت الإشارة. أما الشق الآخر فهو الصناعات التقنية المتقدمة حيث خطت البلاد خطوات واسعة فى العقد الأخير فى صناعة السيارات والطائرات ومن أهم الأمثلة شركة «إمبراير» التى تعتبر ثالث أكبر شركة تصنيع طائرات تجارية بعد «إيرباص» و«بوينج» وأكبر شركة مصدرة فى كل البرازيل. أيضا شهدت البرازيل مجهودات كبرى فى مجال السياحة، وأطلقت المساحة للإبداع فى هذا الشأن وما عرف بسياحة المهرجانات


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.