البورصة «عصا موسى» لتمويل المشروعات خارج الموازنة.. و135 مليار جنيه يمكن تحصيلها ب«جرة قلم» برغم الظروف الاقتصادية الصعبة التي يعانى منها الاقتصاد المصرى، إلا أنه لا تزال هناك الكثير من الحلول لإصلاح الكثير من الاختلالات الهيكلية داخل الاقتصاد، تعتمد في المقام الأول على إيجاد حلول غير تقليدية للأزمات الاقتصادية، وإيجاد بدائل تمويلية جديدة بعيدًا عن فرض ضرائب جديدة أو زيادة التعريفة الجمركية على الواردات، وغيرها من الحلول التي تؤدى في النهاية إلى الإضرار بمحدودى الدخل والفئات الأولى بالرعاية. واعتمد الرئيس عبد الفتاح السيسي منذ توليه المسئولية في الثامن من يونيو عام 2014 على الحلول التقليدية لإيجاد موارد مالية جديدة للموازنة العامة للدولة للإنفاق على المشروعات القومية من ناحية، والحد من تفاقم عجز الموازنة من ناحية أخرى، إلا أن تلك الحلول، وإن نجحت في توفير موارد مالية لبنود الموازنة، إلا أن تلك القرارات كان لها أثر سلبي على محدودى الدخل. ومنذ وصول الرئيس السيسي إلى الرئاسة اعتمدت الحكومة المصرية على عدد من الحلول التقليدية لتوفير موارد مالية من بينها على سبيل المثال لا الحصر تعديل قانون الضريبة على الدخل بقانون رقم 44 لسنة 2014، بفرض ضريبة إضافية مؤقتة على الدخل، بالإضافة إلى تعديل شرائح الضرائب على الدخل، وفرض ضرائب على الأرباح الرأسمالية بالبورصة، قبل أن يتم وقف العمل بالقرار في مايو عام 2015، وامتدت تلك السياسة على مدى حكم «السيسي» والتي كان آخرها تطبيق قانون الضريبة على القيمة المضافة والذي أقره مجلس النواب، ودخل حيز التنفيذ في الثامن من أغسطس الماضى. وفى ظل الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي تواجهها الحكومة، والتي دفعت بدورها المهندس شريف إسماعيل رئيس مجلس الوزراء لعقد دائرة مستديرة، الأسبوع الماضى، مع مجموعة من خبراء وأساتذة الاقتصاد والقانون حول مقترحاتهم لتوفير حلول لتلك الأزمة دون المساس بمحدودى الدخل، مما يستلزم ضرورة البحث عن بدائل جديدة، لتمويل عجز الموازنة بعيدًا عن الاقتراض الداخلى، والإفراط في طرح أذون وسندات الخزانة، خاصة وأن مستويات الدين العام في مصر قاربت على الوصول إلى نسبة ال 100% من الناتج المحلى الإجمالي. حلول «خارج الصندوق» وبعيدًا عن مناقشات رئيس الحكومة مع خبراء وأساتذة الاقتصاد، والذي يعد الأول من نوعه منذ توليه رئاسة الوزراء منذ أكثر من 15 شهرًا، فإن هناك الكثير من الحلول التمويلية أمام الحكومة بعيدًا عن الحلول التقليدية، والتي تقتصر فقط على جيوب الفقراء ومحدودى الدخل، يأتى في مقدمتها إنهاء أزمة المتأخرات والنزاعات الضريبية، والتي تتعدى قيمتها 135 مليار جنيه، وكذلك علاج ثغرات نظام السماح المؤقت للواردات، ضبط تجارة الترانزيت بالمطارات، والتي تهدر أموالا على الدولة تصل قيمتها لنحو 5 مليارات دولار سنويًا، بالإضافة إلى الاعتماد على البورصة المصرية في تمويل المشروعات القومية، باعتبارها أرخص أدوات التمويل من ناحية، وجذب الاستثمارات الأجنبية من ناحية أخرى. المتأخرات الضريبية مصر بلد المعجزات، خاصة عندما تمر بأزمة اقتصادية ونقص في الموارد المتاحة أمام الحكومة، لإتمام عملية الإصلاح الاقتصادى والاجتماعى، في حين أن المتأخرات الضريبية المستحقة للحكومة لدى المستثمرين ورجال الأعمال، تجاوزت حاجز ال 100 مليار جنيه، من بينها 20 مليار جنيه متأخرات ضريبية غير مًتنازع عليها، فيما تصل قيمة المنازعات الضريبة نحو 35 مليار جنيه، الأمر الذي يستوجب على الحكومة ضرورة إنهاء تلك النزاعات الضريبية عبر استحداث الآليات للإسراع في تحصيل المتأخرات الضريبية، على أن تشمل الاستفادة من الآليات القانونية المتاحة مثل إصدار قانون لتحفيز الممولين على المبادرة في أداء المستحقات الضريبية واجبة الأداء، وكذلك المتأخرات الضريبية. وبالرغم من موافقة مجلس النواب على قانون إنهاء المنازعات الضريبية رقم 79 لسنة 2016، وإقراره من الرئيس عبد الفتاح السيسي وتم نشره بالجريدة الرسمية في الثامن والعشرين من سبتمبر الماضى، إلا أن القانون لا يزال في «فريزر الحكومة»، ولم يدخل حيز التنفيذ بعد، حيث إنه من المقر أن يسرى على منازعات ضرائب الدخل وباقي القوانين الضريبية الأخرى، ويتيح لوزارة المالية إنهاء المنازعات الضريبية القائمة أو التي تنشأ أمام جميع المحاكم على اختلاف درجاتها، ولجان الطعن الضريبى ولجان التوفيق ولجان التظلمات، بين مصلحة الضرائب المصرية والممولين أو المكلفين الناشئة عن تطبيق أحكام الضريبة على الدخل وغيره من القوانين الضريبية التي تقوم المصلحة على تطبيقها، وذلك أيا كانت الحالة التي عليها الدعوى أو الطعن، وهو ما لم يحدث حتى الآن. الجدير بالذكر أن قيمة المتأخرات الضريبية تعادل إجمالى قرض صندوق النقد الدولى، والبالغ قيمته 12 مليار دولار على 3 سنوات، كما تعادل المتأخرات الضريبية نحو 4% من إجمالى الدين العام في مصر والبالغ نحو 2.5 تريليون جنيه. الأموال الضائعة بالجمارك تعد قواعد السماح المؤقت للواردات ومعاملة نظام الترانزيت أبرز ثغرات قانون الجمارك رقم (95) لسنة 2005، مما يجعل من مهمة ضبط أداء المنافذ الجمركية والسيطرة على عمليات التحايل والتهرب الجمركي أمرًا بعيد المنال وخارج السيطرة في كثير من الأحيان. ويعد نظام السماح المؤقت للواردات أحد أبرز الأبواب الخلفية للواردات، والذي يجيز الإفراج عن رسائل جمركية بغرض إعادة التصنيع دون سداد الرسوم الجمركية، خاصة في ظل التلاعب بتلك الواردات وبيعها في السوق المحلى لتحقيق مكاسب طائلة، بدلًا من إعادة تصدير المنتج النهائى سواء للخارج أو لإحدى المناطق الحرة أو الاقتصادية ذات الطبيعة الخاصة بالجمهورية أو لجهة معفاة. كما تعد تجارة الترانزيت في مصر أحد الأبواب الخلفية التي يستخدمها المهربون للتحايل على مصلحة الجمارك، حيث إنه وفقًا لنظام الترانزيت يتم إعفاء كل راكب من الضرائب لأقل من 4 زجاجات خمور، أو 4 خراطيش سجائر مستوردة، حيث إنه يتم تهريب الخمور والسجائر دون دفع الجمارك المستحقة عليها، وبيعها خارج المنطقة الحرة، الأمر الذي يستوجب إحكام الرقابة على نظام السماح المؤقت للواردات، وتجارة الترانزيت، وتغليظ عقوبة التهرب أو التحايل من سداد الرسوم الجمركية. البورصة «عصا موسى» تعد استخدام سوق المال في تمويل المشروعات بمثابة «عصا موسى» وحل سحري في تمويل المشروعات الكبرى والقومية، بعيدًا عن تحمل الدولة تكلفة تلك المشروعات، كما تعد البورصة أرخص أدوات التمويل على الإطلاق، وأداة لتشجيع الادخار المحلى، وكذلك اداة لجذب الاستثمارات الأجنبية، بالإضافة إلى كونها مؤشرًا مهمًا لتعافى الاقتصاد باعتبارها المرآة الحقيقية للنشاط الاقتصادى. وسبق وأعلنت الحكومة المصرية عن تبنيها برنامجًا لطرح عدد من شركات قطاع الأعمال العام بالبورصة، لتمويل التوسعات المستقبلية، وإعادة هيكلة تلك الشركات، وكذلك توفير فرص جيدة للمواطنين المصريين لاستثمار مدخراتهم في سوق المال. وتستهدف الحكومة المصرية خلال العام المالى الجارى 2016/ 2017 تحصيل نحو 8 مليارات جنيه، من خلال طرح عدد من شركات قطاع الأعمال العام بالبورصة، إلا أنه لم يتم اتخاذ خطوات جادة لتنفيذ تلك الطروحات، خاصة مع اقتراب النصف الأول من العام المالى على الانتهاء. ومن أبرز مميزات تمويل المشروعات عن طريق طرحها بالبورصة هو رفع عبء التمويل عن كأهل الحكومة، وهو أمر يعد فرصة ثمينة على الحكومة اقتناصها للخروج من أزمة نقص السيولة، وضعف الاستثمارات الحكومية، خاصة في ظل العجز الحالى في الموازنة للسنة المالية 2016 /2017. ويبلع إجمالى عجز الموازنة خلال السنة المالية الحالية 2016/ 2017 نحو 319.46 مليار جنيه، تمثل نحو 9.8 % من إجمالى الناتج المحلى الإجمالي، حيث تستهدف الحكومة تحصيل إيرادات خلال السنة المالية الحالية بنحو 631.05 مليار جنيه، في حين أن إجمالي المصروفات خلال السنة المالية ذاتها تبلغ نحو 936.09 مليار جنيه، فيما تصل حجم القروض المستهدفة خلال العام لتمويل هذا العجز نحو 319.17 مليار جنيه.