سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
الحلقة الأولى من مذكرات سامح فهمى.. لم أكن من "شلة" جمال ولم أنضم إلى لجنة السياسات ولم ألتق مبارك منفرداً إلا مرة واحدة.. ورفضت تعليمات "الأمن القومى" وعبيد بالسفر إلى إسرائيل
من قمة السلطة إلى قفص المحاكمة، ومن آمر إلى مأمور، ومن بريق الأضواء إلى ظلمات التجاهل والنسيان، ومن السفر والتنقل بين دول العالم ووزير تفتح له كل الأبواب والقلوب وتربطه صداقات بملوك ورؤساء وأمراء إلى سجين يسير وفق تعليمات حراسه وسجانيه، حبيسا بين جدران زنزانته. إنه سامح فهمى، وزير البترول الأسبق وأحد أشهر وزراء البترول فى تاريخ مصر، والذى التقته «فيتو» فى محبسه وأجرت معه حوارًا منذ أكثر من شهر لكننا آثرنا عدم نشره حتى لا نؤثر فى أحكام القضاء الذى قضى بعد ذلك بنقض الحكم الصادر ضده وبالتالى خروجه من السجن فى انتظار إعادة محاكمته رحلة إلى طرة كانت الساعة تجاوزت العاشرة بقليل من صباح الأحد 15 أكتوبر.. الدخول من الباب رقم واحد عند مدخل شارع جانبى ينحدر من الأوتوستراد وبعد تسجيل البطاقات استقللنا الطفطف لينطلق بنا مع العديد من الزوار.. على اليمين عدد من المبانى والمكاتب والأراضى التى تغطى بعضها الأشجار بعضه أصابه الجفاف حتى نخيل الزينة المتناثر عن بعض أوراقه الجافة المتهدلة تنبثق من بينها أخرى خضراء وكأنها تتمسك بالأمل.. كان على اليسار أسوار السجن بحوائطها المدهونة باللون الطوبى ترتفع لعدة أمتار تضم بين لبناتها آهات لكل ألوان البشر من مذنبين وربما أبرياء تعلوها أسلاك شائكة تمزق نسمات الهواء وتمنع وصولها إلى أرواح تخاصمها الحرية والحياة. جال بخاطرى حكمة الخالق عز وجل فى قوله (قُلِ اللَهُمَ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِى الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَن تَشَاء وَتُعِزُ مَن تَشَاء وَتُذِلُ مَن تَشَاء بِيَدِكَ الْخَيْرُ أنكَ عَلَىَ كُلِ شَيْءٍ قَدِيرٌ). فهنا بين تلك الأسوار يعيش النظام الذى شيدها لخصومه بينما الخصوم ينعمون بعيش القصور! أشعر بالانقباض فهى أبشع من أطلال تنعق فوقها الغربان.. إنها مساحة من الأرض التى خلقها الله ربما تكون جزءا من نار الدنيا ربما تتطهر بها نفوس مذنبة وقد تنحشر بحناجر العديد منهم صرخات الشعور بالظلم. الكآبة هى الصفة الوحيدة التى يمكن أن تطلق على هذا المكان.. لولا هجوم العمران الخارجى والذى يطل عليها بعمارات شاهقة تراها من ساحة سجن طرة بمنطقة طرة البلد والذى يضم عددًا من السجون تحت مسميات عدة. وصلنا إلى بوابة سجن المزرعة بعد عبور ساحة بها عدد 6 مظلات من الصاج ترتفع فوق أعمدة حديدية مفتوحة من كل الجوانب تحتها مقاعد خشبية طويلة فى حالة متوسطة فهى منطقة انتظار لأصحاب القلوب الموجوعة من أهالى السجناء، عبرنا تلك المنطقة إلى بوابة سجن المزرعة بوابة حديدية ضخمة تنزل إليها بأربع درجات سلم كالنزول إلى القبر بها باب صغير يمكن من خلاله عبور الأفراد.. وبالباب الصغير فتحة مربعة لا تزيد على بضعة سنتيمترات يمكن وصول صوتك فقط لا صورتك من خلالها.. تسلم الصول ذو الملابس البيضاء البطاقات وانتظرنا للكشف عنها بالكمبيوتر بعده سمعنا صرير الباب ليسمح بدخول كل من كانوا معى وجاء صوت الصول موجها لى وبأدب سوف تنتظر قليلا.. انتظرت حتى مرت دقائق تشعرك بنوع من الاختناق.. حضرت سيدة سلمته البطاقة عبر الفتحة وبعد دقائق يفتح الباب وينطق باسمها لتدخل.. قلت لماذا التأخير فى دخولى كزائر؟ قال الصول الذى لا يوجد علاقة بينه وبين حوائط السجن سوى خطوط الزمن المتعرجة على وجهه ومن خلال ابتسامة ودودة معلهش يا بيه أنت مهنتك صحفى وإحنا فى انتظار التعليمات من إدارة السجن. مرت دقائق أخرى كأنها دهر وفتح الباب: اتفضل.. مكتب يجلس عليه ضابط بدرجة نقيب قمحى اللون ببدلة زرقاء وعلى وجهه ابتسامة خفيفة.. بينما يرتدى أفراد الشرطة الزى المدنى.. عمليات تفتيش يدوى دقيقة تضاف إلى أجهزة المسح على الملابس والبوابة الإلكترونية.. قالوا هل معك تليفون أو أجهزة تصوير أو تسجيل دقيقة قلت مثلما ترونى أنا وملابسى فقط ضحك الجنود وسمحوا لى بدخول طرقة إلى اليسار تعبر بك إلى قاعة لها فتحات تهوية عرضية تشبه وسائل تهوية مستودعات الكراكيب ومخازن البضائع.. كل أسرة تزور سجينها تلتقط كراسى بلاستيكية وترابيزات من المتراصة فى الركن وتجلس عليها كان هناك أسرة سجين واحد.. الحوائط تزيد من وصف ومعنى الاكتئاب.. يسمح بتناول المأكولات.. كان سامح فهمى بزيه الأزرق يجلس مع أسرته التى سبقتنى إلى الداخل بمجرد رؤيته لى علت وجهه الدهشة وعقد لسانه وللحظات.. ربما لمفاجأة وجودى ثم ما لبثت الدهشة وقد تبدلت بابتسامة عريضة ملأت وجهه تصافحنا.. كان وجهه شاحبًا.. ناحل الجسد.. لكنه متماسك.. فأنا لم أره منذ أكثر من عامين قضى منهما عاما ونصف العام داخل السجن.. ما بين حبس احتياطى وسجن بعد الحكم.. عرفت سبب دهشته عندما قال أنت أول واحد أراه من خارج أسرتى منذ عام ونصف العام.. أنت أول زائر لى.. كانت دموعه قد سبقته وبكلمات متتالية وكأنه يريد أن يخرج صرخاته المتحجرة فى صدره دفعة واحدة بعدما عجز عن أن يستطيع أن ينقلها للفضاء خارج حيطان السجن لحوالى 18 شهرا.. قال أنا هنا بسبب بلاغ كيدى.. استبعد فى التحقيقات كل الوثائق وشهود النفى واعتراف المسئولين الحقيقيين عن عمليات التصدير.. أنا لم أوقع على ورقة.. كنت أعرض الأوراق الواردة من الأمن القومى على مجلس الوزراء وأتحدى أى مسئول فى مصر أن يستطيع أن يقول للأمن القومى لا فهو أعلى سلطة ويعمل وفق ما يراه لصالح البلد هذا هو المفروض ولم أتخل عن مبادئى.. بل كنت أعرقل تقدم المباحثات التى لم أكن أعلم عن تفاصيلها أى شيء.. أنا من تطوعت فى الجيش الشعبى وأنا فى الثانوية العامة بعد نكسة 67 رغبة منى فى قتال إسرائيل.. أنا لم أتفاوض ولم أحدد سعرًا ولم أبرم صفقة بالأمر المباشر بل رفضت مرات عديدة تعليمات من عمر سليمان وعاطف عبيد بالسفر لإسرائيل هما أنفسهما قالا هذا واعترفا به.. أنا من عمل على وقف تصدير البترول لإسرائيل وكانوا يحصلون عليه منذ كامب ديفيد وحتى بعد وصولى للوزارة. والآن الكل براءة وسامح فهمى يحكم عليه بالمؤبد دون جُرم، أنا منُعت من الدفاع عن نفسى.. إنهم يشوهون صورتى حتى من كنت سببا فى إنصافهم الآن يتجاهلوننى.. إننى أشعر بمرارة الظلم من الجميع حتى الإعلام والصحافة كان واجبًا عليه أن يفتش ويكشف للرأى العام الحقائق. لا أن يستسهل فى نقل الاتهامات فقط. حقيقة مسجون مظلوم اسمه سامح فهمى.. حسبى الله ونعم الوكيل فيمن ظلمنى. ربنا موجود ولن يَترك من ظلمونى. إنهم يذبحوننى يحاصروننى يريدون القضاء على. ربنا لن يتركهم.. أين هم من مقولة عمر بن الخطاب رضى الله عنه "والله أن تبرئة مائة مذنب خير عند الله من اتهام برىء واحد".. لحظات صمت فتنساب دموعه ثم يضع كفيه على وجهه. لكنه يقاوم وتخرج الكلمات متحشرجة، كان كمن يريد أن يطلق كل مخزون الكلمات المتحجرة التى اختلطت بدموعه الساخنة والمحبوسة مع جسده وروحه لأكثر من 18 شهرا متصلة.. كلمات ودموع سامح فهمى تمزق القلوب قاطعته سائلا.. هل تظن أنك كبش فداء لأحد؟ أنا معرفش، كل ما أعرفه أن مبارك وعمر سليمان وعاطف عبيد هم من عملوا كل حاجة ولم ينكر أحد منهم ذلك.. فكانت التعليمات يصدرها مبارك لعمر سليمان وكان الأخير يخاطبنى كتابة ولكننى لم أكن أنفذ شيئا، وكنت أقدم تلك الأوراق فقط لعاطف عبيد رئيس الوزراء وفى التحقيق معى وكان يوم خميس وبعدها بيومين تم التحقيق مع مبارك فى نفس القضية وقال أنا من أصدرت التعليمات بتصدير الغاز لإسرائيل والغريب أنه لم يؤخذ بكلامه بالنسبة لى وتم تجاهله وتبرئته هو وإدانتى. أنا أصبحت أشك هل علاقة زواج خالد عبد الناصر بشقيقتى هى السبب رغم أنها تعود إلى السبعينيات؟! هل أنت نادم أنك عينت وزيرا للبترول وماذا لو عاد بك الزمن للوراء؟ أنا نادم أننى عملت من الأساس بقطاع البترول وليس أننى قبلت الوزارة. إننى أحيانا أتمنى الموت لأننى فى الموت سأكون فى ذمة من لا يُظلم عنده أحد. هل كنت تنتظر حكما بالسجن أم البراءة يوم الحكم؟ كنت أنتظر البراءة حتى أن شنطتى كانت معى وواحد محامى قال لى يعنى مفيهاش حاجة لو حكم عليك بسنة أو ستة أشهر.. قلت طبعا لا. ما هى جريمتى التى يمكن أن يصدر على بسببها حكم بالحبس ولو ليوم واحد أنا خلال التحقيقات كنت أحضر بمفردى ودون احتجاز ولم أكن أصدق أن هناك حكما ضدى، وأصبت بالذهول المرة الأولى أثناء اتصال رئيس النيابة بى يوم 21 أبريل 2011 وفوجئت بأنه تم حبسى احتياطيا ثم المرة الثانية التى قصم ظهرى فيها كانت مع نطق القاضى بالحكم لأن ذلك يعنى أنهم تجاهلوا كل الوثائق وكل الشهادات التى جاءت على لسان خبراء وأصحاب الشأن أيضا مبارك وعمر سليمان الذى لم ينكر أنه كان مكلفا من الرئيس بإتمام الصفقة واعتمدوا على شهادات ليست سليمة وغير منطقية. فى الحلقة المقبلة: سامح فهمي: هذه قصتى مع البترول كل زملائى تنبؤا لى بتولى الوزارة وأنا مهندس صغير خدعت إسرائيل وأخرجتها من "ميدور".. وحسين سالم من أشد خصومى سالم كان يبعدنى عن موقع الوزير لصالح صديقه عبد الخالق عياد لم أظلم أحدا يوما وأشعر بدفء مصافحة العمال والسعاة لى