من الذى لا يحب بورسعيد ؟! .. من الذى لا يعشق بلد الرجال والنضال التى سالت على أرضها دماء المصريين أثناء حفر قناة السويس ، بلد الشهداء والفدائيين ومن قدموا أرواحهم عن طيب خاطر فداء لمصر؟! .. من الذى لا يهيم شوقا إلى بلد دفع أهله "ضريبة الدم" فى عدوان 1956 ونكسة 1967؟! بورسعيد ليست فقط تلك المدينة التى أسسها الفرنسي ديليسبس عندما بدأ مشروع حفر قناة السويس وقاوم أهلها العدوان الأجنبي ببسالة يحسدون عليها، فهى بلد النضال منذ عهد الفراعنة، الذين أسسوا على أرضها مدينة الفرما، وأطلقوا عليها " بر آمون" أى بيت أو مدينة الإله آمون، وقد كانت مقبرة الغزاة منذ عهد رمسيس الثاني وحتى العدوان الثلاثى عام 1956ونكسة 1967. وطبقا لمصادر تاريخية فإن "الفَرَما" البورسعيدية ذكرت في التوراة باسم "سين" ومعناها قوة مصر، وهي أعظم مدن هذه المنطقة خلال فترة حكم الأسر في العصر الفرعوني. وتؤكد البرديات الفرعونية أن "ست" قتل أخاه أوزوريس في هذه المنطقة، وقيل إن بها «مجمع البحرين» الذي ذكر فى القرآن الكريم في سورة الرحمن: "مرج البحرين يلتقيان بينهما برزخ لا يبغيان". وكان بها طريق برى يصل إلى جزيرة قبرص، وكانت مفتاح مصر الشرقي. إذ كانت تشرف على الطريق القادم من الصحراء، وتملك ناصية البحر. وكانت بها ميناء عظيم تطل على الفرع البيلوزي من النيل، لتتوسط بذلك طريق الغزو المشهور القادم من الصحراء أو من ناحية الشرق ومن البحر شما لا، وهو طريق رفح – العريش – الفرما – القرين- العباسة – بلبيس – عين شمس – بابليون. حصن منف الأمامي عن طريق القوافل، وكان الفينيقيون يدخلون مصر بمراكبهم من هذا الطريق الذي شهد تسرب الهكسوس لمصر. وقد أقام الهكسوس مدينة ملاصقة لها اسمها "جات أورات" وبنوا عليها القلاع العظيمة والحصون ووضعوا بها حامية قدرها مئتا ألف جندي. ويؤكد بعض الباحثين أن السيدة هاجر زوجة نبي الله إبراهيم وأم نبي الله إسماعيل جد كل العرب، كانت من مدينة الفرما البورسيعدية . وقد اجتاح الفرس مدينة الفرما عام 616، وحطموا كنائسها وأديرتها، وفي عام 640 استطاع عمرو بن العاص بعد حصار دام ما يقرب من الشهرين أن يفتح الفرما، وقد روى المقريزي أن قب الفرما قد ساعدوا المسلمين أثناء الحصار، ومن الفرما بدأ الفتح الإسلامي لكل مصر. وقام بلدوين الأول ملك بيت المقدس بتدمير المدينة البورسعيدية أثناء الحروب الصليبية عام 1118، وهكذا اختفت الفرما، ولم يبق منها إلا بعض آثارها فقط لتذكر الناس بالمدينة التي شهدت جميع المعارك المصرية مع الآشوريين والفرس، وكان لرجالها دور كبير ضد جيوش كسرى والصليبيين والمماليك والأتراك. وبالعودة إلى تاريخ بورسعيد الحديث، فقد بدأ العمل فى حفر قناة السويس في 25 أبريل 1859، حيث خاطب المهندس الفرنسي فرديناند ديليسبس الفلاحين المصريين في أول يوم عمل بحفر مجري قناة السويس قائلا :" سوف يبدأ كل منكم بمعوله في عمليات الحفر واذكروا أنكم بهذا لن تحفروا الأرض فقط ولكن ستجلبون الرخاء لأسركم ولبلادكم ", ثم صاح: "المجد لأفندينا محمد سعيد باشا", وبعدها أمسك ديليسبس بمعوله وضرب به الأرض إيذانا بالبدء في عمليات الحفر ثم تبعه ممثلو شركة قناة السويس العالمية. بدأ الحفر ب100 فلاح من مدينة دمياط زاد عددهم ووصل الي2700 عامل من محافظات الدقهلية والقاهرة والإسكندرية, ومنذ هذا التاريخ بدأت تظهر معالم ميناء بورسعيد، وكانت كل المهمات والآلات التي تستوردها شركة القناة تأتي تجاه بورسعيد فكان العمل بدءا من بورسعيد أفضل من السويس. وفي مارس1863 أنشأ الخديو اسماعيل محافظة القنال وعين اسماعيل حمدي اول محافظ لها, وكانت شركة قناة السويس المسيطرة على ايجار تمليك الأراضى فى أول عهد المدينة, وبعد الانتهاء من حفر القناة وافتتاحها في السابع عشر من نوفمبر1869 بدأ وضع الاستقرار السكاني للمدينة, وبدأ العمال سواء مصريين أو أجانب في احضار أسرهم من أوطانهم الأصلية, وكان المجتمع البورسعيدي السكاني مجتمعا غريبا. نظرا لتوافد اناس من كل جنس ولون, وكان لكل منهم طابع معين خاص. تحتفل بورسعيد في 23 ديسمبر من كل عام بالعيد القومي لها، الذى يوافق يوم جلاء قوات العدوان الثلاثي عام 1956، حيث قدم أبناء بورسعيد تضحيات غالية من أجل دحر هذا العدوان . وفي غرة يناير 1976، صدر قرار بتحويل بورسعيد إلى منطقة حرة واعتبرت هذه المنطقة أحد عوامل الجذب السياحي بالمحافظة حيث يصل إليها الآن عديد من السفن السياحية لقضاء سياحة اليوم الواحد بما يؤدى إلى زيادة الدخل وتنشيط حركة التجارة. تبلغ مساحة المحافظة 1351.14 كيلو متر مربع، وهي تتكون من 5 أحياء حي بورفؤاد الشرق المناخ العرب الضواحي. ويعتبر حي بورفؤاد أحد الضواحي الذي يتميز بالنظام العمراني والهدوء ويمثل إحدى مناطق الجذب السياحي بحدائقه ونواديه المطلة على ضفة القناة. من أهم المعالم في المحافظة متحف بورسعيد القومي للآثار الذي يقع عند التقاء مياه قناة السويس بالبحر الأبيض المتوسط ويعتبر أول متحف من نوعه في تاريخ مصر حيث أنه يضم آثارا من كل العصور بدءاً من العصر الفرعوني وعبوراً بالعصر اليوناني والروماني وبالعصر القبطي والإسلامي وانتهاءً بالعصر الحديث، وكذا يوجد من ضمن مناطق الجذب السياحي المتحف الحربي وقاعدة تمثال ديليسبس ومبنى هيئة قناة السويس. بورسعيد هى سيدة المدن، شعبها جزء أصيل لا يتجزأ من شعب مصر ، كانوا، ولا يزالون مرضى بعشق الوطن، لا يضرهم من فرط فى أمنه، لأنهم يرابطون عند إحدى أهم ثغوره، لا يتراجعون أو يتخاذلون، وما راماهم رام إلا كان مصيره الهزيمة والانكسار والاندحار. أما الشخصية البورسعيدية فهى ثائرة بالفطرة، وطنية بالطبع لا التطبع عنيدة وساخرة بامتياز، ولم لا وهى التى أنجبت السيد عسران ومحمد مهران وغيرهما من أبطال المقاومة الشعبية ،الذين لقنوا العدوان فى 1956، دروسا قاسية، ولم لا وهى بلد "البمبوطي" و"أبوالعربي"، ومئات من الكتاب والمفكرين ونجوم الفن والإبداع والرياضة، ونذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر المفكر والفيلسوف الراحل فؤاد زكريا، والشاعر عبدالرحمن شكري والمؤرخ رؤوف عباس والمفكر السياسي الراحل محمد السيد سعيد والكاتبة سكينة فؤاد وجورج اسحاق وفايزة أبوالنجا، وزيرة التعاون الدولي السابقة وسمير فرج، محافظ الأقصر السابق. ومن نجوم الفن: محسن سرحان، والمخرج حسام الدين مصطفى ومحمود ياسين والمخرج محمد فاضل ، وعمرو دياب وسيد بدرية، الممثل المصري الذى عمل فى هوليوود، أما نجوم الرياضة، فأبرزهم : السيد الضظوي، اللاعب الشهير الذى لعب للمصري والأهلي، ويعد أحد أبرز الهدافين التاريخيين للدوري المصري، ومسعد نور، نجم النادي المصري ومنتخب مصر خلال السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضى ومحسن صالح مدرب منتخب مصر السابق، و هاني أبو ريدة، عضو اللجنة التنفيذية للاتحاد الدولي لكرة القدم، واللاعبان محمد زيدان ومحمد شوقى. فى هذا الملحق، والذى يليه فى العددين القادمين ملحقان آخران عن السويس والاسماعيلية، ليكتمل عقد مدن القنال والقتال والنضال ضد العدوان, تتناول "فيتو" تاريخ "المدينة الباسلة" فى النضال والكفاح، وترصد تفاصيل وأسرار الأحداث الأخيرة التى أعقبت الحكم فى قضية "مجزرة بورسعيد" فضلا عن مجموعة من الحوارات وأشياء أخرى . صورة الغلاف نقلا عن مجلة المصور