شعب بورسعيد سطر بحروف من نور صفحات للنضال فى تاريخ مصر , الرجال والنساء والشيوخ والأطفال , كانوا عنوان الكرامة والفداء والتضحية, يدفعون الأرواح والدماء والمال دفاعا عن تراب الوطن , بطولاتهم ستظل حاضرة في ضمير وقلب كل مصري وعربي , وقد كان العالم يتابعها بانبهار, ولم لا وهم الذين قادوا العمليات الفدائية ببسالة, في جميع الحروب التى خاضتها مصر, يهتفون في صوت واحد: والله زمان يا سلاحي.. الحاج فوزى ابوالطاهر حماد «82 سنة» أحد الفدائيين الذين خاضوا معارك 1956 يروي حكاية المصادفة التى ساقته لمعرفة خبر إبحار السفن الحربية والفرقاطات العسكرية البريطانية والفرنسية ,التى ابحرت سرا من بلادها فى طريقها إلى بورسعيد عبر البحر المتوسط وإبلاغه للقيادة السياسية رأسا بذلك الخبر.. يقول: وانا فى شبابى كنت اعمل بإحدى شركات تموين السفن بالوقود ب «الرسوة»جنوب بورسعيد وأثناء قيامى بتموين إحدى الناقلات الأمريكية التى توقفت عند الرصيف رقم «3» بالميناء أمام المستودعات مباشرة.. كنا في اوائل اكتوبر 1956... اقترب منى كبير المهندسين على الناقلة وأثنى على أدائى وزملائى فى تموين ناقلته, ثم فاجأنى بقوله إنه يأمل عند عودته للتموين مرة أخرى من ذلك المستودع أن يرانى حيا وألا اموت!! فاصابني بدهشة, فسألته عن سبب كلامه, فأجاب أنه شاهد عدة فرقاطات بحرية عسكرية بريطانية وفرنسية تبحر فى عرض المتوسط فى طريقها الي بورسعيد. أضاف ابوالطاهر: لم أتمالك نفسى.. وفور انتهاء العمل سارعت بإرسال برقية عاجلة إلى الرئيس جمال عبد الناصر بمقر رئاسته بالقاهرة طالبا مقابلته ضروريا لأمر مهم للغاية , وذيلت البرقية ببياناتى الشخصية.. وبعد يوم تقريبا تلقيت برقية من «الصاغ صلاح سالم» عضو مجلس قيادة الثورة حدد فيها موعدا للقاء الرئيس عبد الناصر بقصر الرئاسة بحدائق القبة فى الساعة 10 و45دقيقة صباحا.. وفى الموعد المحدد توجهت إلى هناك واصطحبنى صلاح سالم إلى الرئيس الذي رحب بى, وسألنى عن الحكاية بالتفصيل، فى حضور عدد من ضباط مجلس قيادة الثورة, وبعدما انتهيت من الحكاية ومناقشتى فى كل تفاصيلها، علق عبدالناصر قائلا: أسمعتم ما قاله"علشان تصدقوا الكلام!!" .. ثم عهد إلى ببعض المهام السرية، المتعلقة بذات الأمر وحدد لى مكانا فى بورسعيد للاتصال بمكتبه للإدلاء بأي معلومات جديدة. ويستمرابوالطاهر فى رواية ذكرياته قائلا.. فى اليوم التالى لذلك اللقاء فوجئت بحضور مهندس يدعى «أحمد شوقى خلاف» إلى بورسعيد وقام بعملية سد لقناة السويس بإغراق بعض البواخر القديمة والمعدات المتهالكة وبعض الكراكات من ناحية الجزر التى كانت موجودة آنذاك على مقربة من منطقة الرسوة بالجزء الضيق من مدخل القناة , وتم إغلان القناة تماما أمام حركة مرور السفن القادمة من الشمال , وادركت أن هذه هى أول خطوة لمواجهة القوات المقبلة ,وكنت قد انضممت لفرق الفدائيين بالحرس الوطنى, وتدربت جيدا على حمل السلاح وأعمال القتال بالإسماعيلية وانشاص, مع عدد من الزملاء اذكر منهم «السيد لطفى – السيد ابوزيد – محمد بسام – السيد عبد الله» وغيرهم, وكانت كتائب الحرس الوطنى تابعة آنذاك للقيادة العامة للقوات المسلحة. وقال: فور اندلاع الحرب يوم 29 اكتوبر 1956 صباحا انتشرت القوات البريطانية والفرنسية بأرجاء المدينة، وبدأت فى تمشيط كل البيوت بحثا عن رجال المقاومة من الفدائيين والأسلحة.. وصدرت إلينا التعليمات بتعقب دورياتهم العسكرية والإجهاز على افرادها، فكنا نقوم بقتل جندى الدورية الذى يحمل جهاز اللاسلكى , ثم قتل بقية افراد الدورية المسلحة فى نفس الوقت والاستيلاء على اسلحتهم , مما اثار غضب العدو آنذاك. خضير: كلمة السر«هاتا ماشا» يقول الروائى البورسعيدى «محمد مسعد خضير» مؤلف كتاب «نبض فى ذاكرة الوطنية» إن حرب المنشورات بدأها مفكرو وأدباء المدينة الباسلة، مع اندلاع شرارة العدوان بإصدار أول منشور تعبوى يوم 3 نوفمبر 1956 بعنوان «سنقاتل.. سنقاتل» لشحذ همم الفدائيين ورجال المقاومة على الصمود وبث الذعر فى نفوس جنود الاعداء ,وتوالت بعده العديد من المنشورات التى كان يتم تذييلها بعبارة «هاتا شاما» أى هيئة تحرير شعب مصر. أضاف أن تلك المنشورات كانت تكتب بصياغة زجلية نثرية شارك فى كتابتها كل من « مصطفى كمال الغرباوى – عبد الرحمن الرشيدى – حسنى عوض – أمين العصفورى – حلمى الساعى– أحمد عبد اللطيف بدر – الدسوقى مختار» وآخرين من ادباء وشعراء بورسعيد , وكان يتم طبع تلك المنشورات سرا «بمطبعة مخلوف» القديمة بحى الافرنج و«مطبعة المغربي» بحى العرب, لدرجة أن العدو عندما علم بمدى تأثيرها فى نفوس المناضلين وابناء المدينة بدأ هو الآخر فى إلقاء منشورات مناهضة تحث على الاقلاع عن المقاومة التى لن تفيد مع تلك القوات الجرارة والإبقاء على بورسعيد كبلد جميل, وبالطبع كانت تلك المنشورات تثير سخرية المواطنين وتشحذ الهمم للاستبسال فى المقاومة على عكس ما توقع العدو,والإعلام كان له دور بارز أيضا أثناء فترة العدوان, فقد قام الصحفى الكبير الراحل مصطفى شردى « مؤسس صحيفة الوفد » بتصوير كل مظاهر الدمار الذى لحق بالمدينة الباسلة , فلفت انظار العالم الي ما يحدث في بورسعيد , وتناولت الصحف العالمية القضية كشاهد عيان لإدانة أفعال الامبراطورية البريطانية العظمى, فى ذلك الوقت. «فاروق» طفل المقاومة الحاج فاروق طه الجندى, أحد أطفال المقاومة الشعبية فى معارك 1956, يقص حكايته فى إخفاء السلاح والفدائيين وكيفية قيام «السيد عسران» بقتل الجنرال «ويليامز» قائد المخابرات البريطانية فى تلك الحرب, يقول: كنت فى العاشرة من العمر وقت العدوان الثلاثى, وشاركت مع الصبية والنساء بالمدينة فى توصيل السلاح للفدائيين المقاتلين وإخفائهم داخل منازلنا وسط حملات البحث الهيستيرى والعشوائى لقوات العدو لضبط واسر رجال المقاومة والفدائيين, ولم نخش تهديداتهم بقتلنا إذا ما اخفينا السلاح أو الذخيرة أو الفدائيين. فاروق مضيفا: علمنا جميعا بالدور البطولى الذى قام به «السيد عسران» الذى كان يبلغ من العمر آنذاك 17 عاما، وانضم للفدائيين والمقاومة الشعبية بعد مشاهدته لإحدى دبابات العدو تدهس عنوة وبأمر ضباطها شقيقه الأكبر الذى وقع تحت ايديهم أثناء مقاومته لهم , فزاده المشهد حماسة لا حزنا على موت شقيقه, لينضم بعدها لأفراد المقاومة ومجموعات الفدائيين, منها مجموعة كانت تضم كلا من «محمد حمد الله – على زنجير – أحمد هلال – حسين عثمان» تمكنت من اختطاف الضابط البريطانى الشاب «الميجور انطونى مور هاوس» أثناء مطاردته لمجموعة اخرى من الفدائيين, وقد تمكن أفراد هذه المجموعة من محاصرته وشل حركته وأسره والتوجه به داخل سيارة أجرة إلى أحد المنازل الخشبية القديمة بشارع عرابي، وقاموا بوضعه داخل صندوق خشبى كبير واحكموا إغلاقه بعد تجريده من سلاحه, ليلقى الضابط حتفه داخل الصندوق, كما تم قتل الجنرال ويليامز. وعن هذه اللحظات المجيدة فى صفحات الوطن أشارالحاج فاروق إلى أنه فورعلم قيادة القوات المعتدية باختفاء الضابط الشاب «انطونى مور هاوس» - ابن عم ملكة بريطانيا- جن جنونهم وراحوا يبحثون عنه فى كل مكان وبوحشية بشعة, وكشر الجنرال «جيمس ويليامز» - قائد المخابرات البريطانية- عن انيابه، وراح يضيق الخناق على المدينة ويكثف إطلاق نيران الجنود والدبابات على المنازل بحثا عن «مور هاوس», فانتظره الفدائى «السيد عسران» صباح يوم 14 ديسمبر 1956 بالقرب من مكتبه بمقر قيادة القوات البريطانية بشارع اوجينى «وهو المبنى الخشبى المعروف حاليا بمقر شعبة البحث الجنائى القديم» وتظاهر أن بيده "سندويتش" ملفوفا داخل ورقة جريدة بينما كان الملفوف بداخلها هو قنبلة يدوية جاهزة للانفجار, وبمجرد خروج الجنرال بسيارته استوقفه مانحا إياه ورقة بيضاء ظن الجنرال أنها ربما تكون طلبا أو معلومة، وأثناء النظر فيها باغته «عسران» بإلقاء القنبلة اليدوية الموقوتة داخل سيارته ليصاب ببتر فى ساقه يتسبب فى مقتله بعد أيام, ويموت سائقه ومعاونه الكولونيل «جريفز» فى الحال.