إسكان النواب: إخلاء سبيل المحبوس على ذمة مخالفة البناء حال تقديم طلب التصالح    بكام الفراخ البيضاء اليوم؟.. أسعار الدواجن والبيض في الشرقية السبت 4 مايو 2024    اليوم، تطبيق أسعار سيارات ميتسوبيشي الجديدة في مصر    شهداء وجرحى في قصف لطيران الاحتلال على مناطق متفرقة بقطاع غزة (فيديو)    5 أندية في 9 أشهر فقط، عمرو وردة موهبة أتلفها الهوى    احذروا ولا تخاطروا، الأرصاد تكشف عن 4 ظواهر جوية تضرب البلاد اليوم    تفاصيل التحقيقات مع 5 متهمين بواقعة قتل «طفل شبرا الخيمة»    الداخلية توجه رسالة للأجانب المقيمين في مصر.. ما هي؟    المطرب هيثم نبيل يكشف كواليس فيلم عيسى    وفاة الإذاعي الكبير أحمد أبو السعود.. شارك في حرب أكتوبر    إغماء ريم أحمد فى عزاء والدتها بمسجد الحامدية الشاذلية    دراسة جديدة تحذر من تربية القطط.. تؤثر على الصحة العقلية    الإسكندرية ترفع درجة الاستعداد القصوى لاستقبال أعياد القيامة وشم النسيم    إسماعيل يوسف: «كولر يستفز كهربا علشان يعمل مشكلة»    صحيفة: ترامب وضع خطة لتسوية سلمية للنزاع في أوكرانيا    رسالة من مشرعين ديمقراطيين لبايدن: أدلة على انتهاك إسرائيل للقانون الأمريكي    لو بتحبي رجل من برج الدلو.. اعرفي أفضل طريقة للتعامل معه    تشكيل الأهلي المتوقع لمواجهة الجونة    المحكمة الجنائية الدولية تحذّر من تهديدات انتقامية ضدها    مالكة عقار واقعة «طفل شبرا الخيمة»: «المتهم استأجر الشقة لمدة عامين» (مستند)    عيار 21 الآن بعد الارتفاع الجديد.. سعر الذهب والسبائك بالمصنعية اليوم السبت في الصاغة    مصطفى بكري عن اتحاد القبائل العربية: سيؤسس وفق قانون الجمعيات الأهلية    دفنوه بجوار المنزل .. زوجان ينهيان حياة ابنهما في البحيرة    جوميز يكتب نهاية شيكابالا رسميا، وإبراهيم سعيد: بداية الإصلاح والزمالك أفضل بدونه    37 قتيلا و74 مفقودا على الأقل جراء الفيضانات في جنوب البرازيل    العالم يتأهب ل«حرب كبرى».. أمريكا تحذر مواطنيها من عمليات عسكرية| عاجل    وكالة فيتش تغير نظرتها المستقبلية لمصر من مستقرة إلى إيجابية    صوت النيل وكوكب الشرق الجديد، كيف استقبل الجمهور آمال ماهر في السعودية؟    رشيد مشهراوي ل منى الشاذلي: جئت للإنسان الصح في البلد الصح    معرض أبو ظبي للكتاب.. جناح مصر يعرض مسيرة إبداع يوسف القعيد    ارتفاع جديد.. أسعار الحديد والأسمنت اليوم السبت 4 مايو 2024 في المصانع والأسواق    حسام موافي يوضح خطورة الإمساك وأسبابه.. وطريقة علاجه دون أدوية    سبت النور.. طقوس الاحتفال بآخر أيام أسبوع الآلام    هبة عبدالحفيظ تكتب: واقعة الدكتور حسام موافي.. هل "الجنيه غلب الكارنيه"؟    مصرع شاب في حادث اليم بطريق الربع دائري بالفيوم    برش خرطوش..إصابة 4 من أبناء العمومة بمشاجرة بسوهاج    هييجي امتي بقى.. موعد إجازة عيد شم النسيم 2024    حازم خميس يكشف مصير مباراة الأهلي والترجي بعد إيقاف تونس بسبب المنشطات    عرض غريب يظهر لأول مرة.. عامل أمريكي يصاب بفيروس أنفلونزا الطيور من بقرة    عضو «تعليم النواب»: ملف التعليم المفتوح مهم ويتم مناقشته حاليا بمجلس النواب    «البيطريين» تُطلق قناة جديدة لاطلاع أعضاء النقابة على كافة المستجدات    سلوي طالبة فنون جميلة ببني سويف : أتمني تزيين شوارع وميادين بلدنا    دينا عمرو: فوز الأهلي بكأس السلة دافع قوي للتتويج بدوري السوبر    أول تعليق من الخطيب على تتويج الأهلي بكأس السلة للسيدات    تعثر أمام هوفنهايم.. لايبزيج يفرط في انتزاع المركز الثالث بالبوندسليجا    250 مليون دولار .. انشاء أول مصنع لكمبوريسر التكييف في بني سويف    برلماني: تدشين اتحاد القبائل رسالة للجميع بإصطفاف المصريين خلف القيادة السياسية    توفيق عكاشة: الجلاد وعيسى أصدقائي.. وهذا رأيي في أحمد موسى    أحمد ياسر يكتب: التاريخ السري لحرب المعلومات المُضللة    دعاء الفجر مكتوب مستجاب.. 9 أدعية تزيل الهموم وتجلب الخير    دعاء الستر وراحة البال .. اقرأ هذه الأدعية والسور    كندا توقف 3 أشخاص تشتبه في ضلوعهم باغتيال ناشط انفصالي من السيخ    تقرير: 26% زيادة في أسعار الطيران السياحي خلال الصيف    وكالة فيتش ترفع نظرتها المستقبلية لمصر وتثبت تصنيفها عند -B    طبيب يكشف سبب الشعور بالرغبة في النوم أثناء العمل.. عادة خاطئة لا تفعلها    أخبار التوك شو| مصر تستقبل وفدًا من حركة حماس لبحث موقف تطورات الهدنة بغزة.. بكري يرد على منتقدي صورة حسام موافي .. عمر كمال بفجر مفاجأة    «يباع أمام المساجد».. أحمد كريمة يهاجم العلاج ببول الإبل: حالة واحدة فقط بعهد الرسول (فيديو)    المفتي: تهنئة شركاء الوطن في أعيادهم ومناسباتهم من قبيل السلام والمحبة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«اللعب في الدماغ».. «الوزارة» تدين بالولاء لمن يجلس على سدة الحكم ولا عزاء للحقيقة.. قبل 25 يناير كان مبارك بطل نصر أكتوبر الأوحد.. وبعد إسقاط نظامه: «تابع لأمريكا»
نشر في فيتو يوم 22 - 09 - 2016

في أعقاب ثورة 25 يناير عام 2011 كثرت الأحاديث عن التداخل بين المناهج التي تدرس للطلاب في المدارس، والنظام السياسي الذي يحكم البلاد وتوجهاته، وصدرت اتهامات كثيرة لنظام الرئيس الأسبق حسنى مبارك بأنه استغل المناهج الدراسية من أجل بث الأفكار التي يريدها في عقول الطلاب الصغار لتكوين أجيال تؤمن بما يؤمن به مبارك ونظامه، وكانت الظاهرة الأكثر وضوحا في مناهج كتب التاريخ والتي كانت تمجد بطولات مبارك وتصوره البطل الأوحد في حرب أكتوبر عام 1973، وعندما سقط مبارك في 2011 أعادت وزارة التربية والتعليم كتابة التاريخ الذي يدرس للطلاب في المدارس، وحولت مبارك – في منهج التاريخ للصف الثالث الثانوى والذي يدرس منذ عام 2013/ 2014 من "صاحب الضربة الجوية" ل"سطرين في المنهج الجديد".. ومن "الرئيس الزاهد" ل"التابع لأمريكا".. ومن "اخترناك" ل"الثورة على فساده".. هكذا كان تعبير وزارة التربية والتعليم عن تأييدها لثورة 25 يناير.
وفى عهد المجلس العسكري، وقبل انتخابات الرئاسة المصرية عام 2012 والتي فاز فيها ممثل جماعة الإخوان – الإرهابية- محمد مرسي وأصبح رئيسًا للبلاد لمدة عام حتى تم خلعه إثر ثورة 30 يونيو عام 2013، جاملت وزارة التربية والتعليم جماعة الإخوان بوضع جزء من أفكار ورؤية الجماعة في كتاب التربية الوطنية للصف الأول الثانوى وهو الكتاب الذي تم إعداده وكان بمثابة فضيحة، خاصة أنه كان من المفترض تدريسه في سنة إسقاط الإخوان ضمن خطة كانت تشمل تغيير المناهج بناء على أفكار الجماعة ورؤيتها على مدى الأعوام القادمة؛ لكن جاءت ثورة 30 يونيو 2013 لتقضى على أحلام الجماعة الإرهابية الآثمة في غسيل أدمغة الطلاب، ومع سقوط الجماعة المحظورة عادت "التربية والتعليم" تمارس هوايتها الأولى، وألغت كتاب التربية الوطنية وتم بيعه كورق دشت في واقعة تمثل إهدارا للمال العام، وبدأت حملة وصفتها بتنقيح المناهج فكانت تشويهًا لا تنقيحًا؛ حيث تم حذف مجموعة من الدروس التي تتحدث عن أبطال في التاريخ الإسلامى مثل عقبة بن نافع وصلاح الدين الأيوبي، وبرر وزير التربية والتعليم الأسبق الدكتور محب الرافعى هذا التطرف بأن تلك الدروس كانت تضم أفكارًا تحث على العنف، وهى المبررات التي اعتبرها خبراء تربويون بمثابة عذر أقبح من ذنب، وأن الوزارة تحاول تملق النظام الجديد الذي بدأ يتكون في أعقاب سقوط جماعة الإخوان.
عاش الملك.. مات الملك
يعتقد البعض أن قضية "تسييس المناهج" وهو مصطلح حديث بدأ انتشاره بعد ثورة 25 يناير، قضية حديثة مرتبطة بنظام الرئيس الأسبق حسنى مبارك؛ لكن حقيقة الأمر أن تاريخ التعليم المصرى يؤكد أنه لا توجد سياسة تعليمية مستقلة عن النظام الحاكم، وأنه منذ وضع أركان التعليم النظامى في مصر مع تأسيس محمد على باشا- بانى النهضة الحديثة لمصر- لديوان المدارس عام 1837 أي قبل 180 عامًا، وهو يسير بمنطق "عاش الملك.. مات الملك"، فعندما تأسس ديوان المدارس ظلت مناهج التعليم والكتب التي يتم اختيارها لتدريسها للطلاب مرتبطة بالوالى وأنه الحاكم الملهم، ورغم أن المناهج في ذلك التوقيت كان يتم اختيارها في الغالب من كتب مؤلفة بالفعل إلا أنه كان يتم تأليف كتب تضم دروسًا عن الدولة المصرية وحاكمها من أجل إجلال الحاكم أو الوالى في نفوس الطلاب، والذي اختلفت ألقابه فيما بعد بين الخديو والسلطان وأخيرًا الملك، واستمرت الأوضاع في المدارس المصرية على هذه الحال حتى وقع الاحتلال الإنجليزى عام 1882 بعد هزيمة الجيش المصرى في معركة التل الكبير، بعدها أصبحت مصر مستعمرة إنجليزية وظلت تعانى من الاحتلال حتى ثورة 23 يوليو عام 1952.
ولأنه كما يقول أساتذة التربية "كما يكون المجتمع تكون التربية" فقد أصبحت المدارس المصرية محتلة بالمعلمين الإنجليز وآل أمر ديوان المدارس الذي أصبح فيما بعد نظارة المعارف إلى إنجليزى يدير شئون التعليم في مصر، وكانت بريطانيا العظمى وقتها تسعى إلى تخريج أجيال من المتعلمين المصريين وفقًا لخطتها الاستعمارية يكونون ناطقين بالإنجليزية، ويؤمنون بأفكار المستعمر، ليمر التعليم في مصر في تلك الحقبة بمرحلة جديدة من مراحل "غسيل أدمغة الطلاب"؛ ولأنه كانت في مصر في تلك الأثناء جاليات أجنبية متعددة بعيدًا عن الإنجليز، وكان أغلبهم من الفرنسيين فقد كثرت المدارس الأجنبية في مصر والتي أنشأها أبناء تلك الجاليات لتعليم أبنائهم فيها وفقًا لأفكارهم ومعتقداتهم، وفى المقابل فإنه في ظل حركة "الجلنزة" (محاولة تحويل الشعب المصرى إلى إنجليزى عن طريق التعليم والثقافة) حتى تسهل السيطرة على أفراده، ظهرت حركة قومية تمردت على تلك الممارسات، وضمت عددًا من الرموز الوطنية على رأسها سعد باشا زغلول وأنشأ هؤلاء عدة مدارس أهلية بجهود ذاتية من أجل تعليم الطلاب المصريين فيها باللغة العربية للحفاظ على الهوية المصرية، وعدم السماح بتنفيذ خطة الإنجليز في هذا الاتجاه، وقد كان لهذه المدارس فضل كبير في الحفاظ على الهوية المصرية وعدم الرضوخ للإنجليز، وعدم تحويل مصر إلى مستعمرة يتخلى أبناؤها عن لغتهم كما كان الحال مع دول شمال أفريقيا التي كانت تقع تحت الاحتلال الفرنسى وتمكن الاحتلال من تحويل تلك الدول من ناطقة باللغة العربية إلى ناطقين باللغة الفرنسية وأصبحت الفرنسية هي اللغة الأم.
الإخوان ومحاولات السيطرة
في الفترة التي سبقت ثورة 1952، كان هناك العديد من التيارات السياسية التي تتصارع على استقطاب أكبر عدد من شباب المتعلمين لاتجاهاتها، وكانت الأحزاب السياسية تلعب دورًا كبيرًا في تزكية الحركة الثقافية والسياسية، وبرز واضحًا أمام مختلف التيارات أهمية التعليم وخطورته في توجيه الطلاب لقضية معينة، حيث كان الطلاب في الأساس هم الوقود لأى مظاهرة أو تحرك شعبى ضد قضية معينة، وكما أسس سعد زغلول ورفاقه المدارس الأهلية لتقديم تعليم مدنى بعيدًا عن الاستعمار، اهتمت جماعة "الإخوان" ومؤسسها حسن البنا بالتعليم، خاصة أنه عمل في بداية حياته مدرسا في المرحلة الابتدائية، وأدرك مدى تأثير المدرس على تلاميذه خاصة في هذه السن الصغيرة وهو ما دفعه منذ بداية تأسيسه لجماعته للعمل على أخونة التعليم في مصر بصفة عامة وإنشاء مدارس تديرها الجماعة بصفة خاصة، ففى إحدى رسائل حسن البنا أنه في عام 1935 قام وفد من الجماعة بزيارة وزير المعارف العمومية آنذاك وطالبه بتعديل أسس التعليم في مصر لتتفق مع مبادئ حسن البنا وجماعته، وفى عام 1946، هناك رسالة أرسلها وزير المعارف آنذاك محمد حسن العشماوى وكان صديقًا شخصيًا للبنا يقول فيها إن وزارته ستقدم دعما لمدارس الإخوان يقدر ب 75 قرشا لكل تلميذ، بالإضافة إلى تحمل نفقات كل الكتب الدراسية وأدوات الكتابة ومشتملاتها لكل المدارس، ثم أرسلت الوزارة رسالة أخرى بعد ذلك تؤكد فيها دعمها الكامل لكل مدارس الإخوان؛ ويعلل البعض السبب وراء ذلك بأن رئيس الوزراء آنذاك إسماعيل باشا صدقى استغل الإخوان لدعم المفاوضات التي كانت تجرى بينه وبين الإنجليز لترتيبات ما بعد الحرب العالمية، وهى المفاوضات التي رفضها حزب الوفد وعارضها بشدة، فكان الإخوان هم الواجهة التي يمكن لها ضرب شعبية الوفد، ولذلك خرج أحد قادة الإخوان في الجامعة آنذاك وهتف لرئيس الوزراء قائلا: (واذكر في الكتاب إسماعيل إنه كان صادق الوعد) وهذا جزء من آية كريمة من سورة مريم، وهكذا أصبح صدقى باشا رسولًا نبيًا على يد الإخوان فاستحقوا دعم مدارسهم!!
وفى عام 1938 تقدم وزير المعارف إلى شيخ الأزهر بدراسة مدى إمكانية الدمج بين التعليم الأزهرى والتعليم العام، وهى المبادرة التي تبناها الشيخ حسن البنا وحث في رسالة إلى وزير المعارف على المضى قدما في هذه المحاولة لكى تهزم العلمانية وينتصر الإسلام!! وهو ما يفسر موقف الإخوان من بعد ثورة يناير وسعيهم لخطفهم للثورة وتشويههم لليبراليين بذريعة العلمانية.
وبالطبع لم تستجب الحكومة لمحاولات البنا باعتبارها محاولة لأخونة التعليم في مصر، خاصة أن مشايخ الأزهر لم يبدوا اعتراضا على مناهج التعليم العام كما فعل، وهو ما فسر بالرغبة في السيطرة على التعليم وبالتالى إخراج جيل إخوانى يدين بالولاء للبنا وجماعته.
على الجانب الآخر، كان البنا يستخدم أموال الاشتراكات التي يدفعها كل أعضاء الجماعة ثم أموال التبرعات التي يتلقاها البنا من الأثرياء المتعاطفين مع الفكرة الإسلامية دون الاهتمام بفكر الجماعة، ثم الشركات التي أنشأها البنا ويديرها لصالح الجماعة، وأخيرًا الإعانات التي كانت تتلقاها الجماعة من الحكومات التي تدعمها.
وبهذه الأموال بدأ البنا بناء المدارس الخاصة بالجماعة، والتي تسهم بأكبر قدر في نشر فكر الإخوان وتوغله داخل المجتمع بصورة غير مباشرة، ويؤكد حسن البنا نفسه أنه في عام 1946 كانت شعبة من شعب الإخوان تقوم ببناء مدرسة على الأقل، وهناك شعب قد بنت مدرستين وثلاث!!
ولم تكن مدارس الإخوان هادفة لتقديم خدمة تعليمية بعيدة عن الأغراض السياسية؛ بل إنها نشأت في الأساس من أجل تكوين قاعدة عريضة من المتعلمين المشبعين بأفكار الجماعة ومعتقداتها، والذين أصبحوا فيما بعد قيادات في الجماعة، وكانت تلك المدارس تعتمد على مناهج تعليمية تهدف إلى إخراج طلاب يؤمنون بأفكارها حتى وإن تعارضت مع المجتمع، ويرون جماعتهم على صواب حتى وإن كان القتل سبيلا لتحقيق صوابهم المزعوم، وكان هؤلاء النبتة التي تشعبت منها الجماعات الراديكالية المتطرفة.
ثورة 23 يوليو والقومية العربية
المتابع لملف المناهج الدراسية في تاريخ التعليم المصرى يجد أنها لم تكن في عهد من العهود السابقة بمنأى عن السياسة بل كانت تعكس صورة لتوجهات الدولة وسياستها والتي تحددها في الغالب رؤية الحاكم الفرد، ففى أعقاب ثورة 23 يوليو عام 1952، بدأت المناهج الدراسية التي تطبق على الطلاب تتغير شيئًا فشيئا، وبحسب ما تكشف عنه وثائق وزارة التربية والتعليم من خلال الفترة الناصرية غلبت على المناهج الدراسية فكرة القومية العربية، فكانت هناك العديد من الدروس التي تتحدث عن الوحدة العربية وعن القومية، بالإضافة إلى تدريس التاريخ العربي، وتركزت الدروس عن المشاريع العملاقة التي بدأت في عهد عبد الناصر، وعن بطولات وأمجاد ناصر 56، ومعركة السد العالي، ومع الوحدة العربية بين مصر وسوريا وضعت دروس كانت مقررة على الطلاب المصريين والسوريين تتحدث عن تلك الوحدة وعن أهمية الاتحاد، وظلت تلك الدروس حتى بعد انتهاء الوحدة، ولم تحذف إلا فيما بعد نكسة 1967 بعدة سنوات.
قبل عام 1967 كان الطلاب المصريون في المدارس يتلقون دروسًا حول العزة والكرامة، وحول قيم العروبة والوحدة، وهم يثقون في ذلك ويصدقون ما يتلقونه من دروس ويشعرون بفخر الانتماء إلى دولة فتية؛ ولكن حدثت نكسة 1967 فكانت لها آثار سلبية على الواقع الاجتماعى والتعليم جزء من النسيج المجتمعي، فتولد شعور بالنقمة على كل شيء خاصة أنه لم يكن هناك سبب عقلانى يقنع الجميع بتقبل الهزيمة، وتصديق ما كانوا يصدقونه قبلها خاصة بين الطلاب في مرحلتى الثانوية العامة والجامعة وهى فترة فورة الشباب.
يرى الدكتور قدرى حنفى أستاذ علم النفس الاجتماعي- في إحدى محاضراته التي ألقاها في مكتبة الإسكندرية- أن هزيمة يونيو 67 أحدثت تغييرات جذرية في المجتمع المصرى وأحدثت تغييرات عميقة في التعليم، وأن فترة السبعينيات بعد 67 تحولت النظرة المجتمعية للتعليم إلى شهادة تمثل جواز مرور للعمل أو الهروب من واقع اجتماعي، وفى ظل هذا المستوى القيمى تحولت الشهادة إلى هدف بصرف النظر عن المضمون، وأصبح الغش وسيلة مشروعة لتحقيق ذلك الهدف خاصة إذا اعتبره من يمارسه نوعًا من المساعدة أو التكافل الاجتماعي، ومع تدهور القيم أصبح هناك قناعات بأن التمايز الكبير بين تعليم العامة وتعليم الخاصة في المصروفات أمر مقبول رغم تدهور مضمون التعليم في كل منهما بسبب القناعة بأن ذلك تعبير عن تفاوت الأرزاق.
وقبل 1967 كان هناك اهتمام بغرس قيم معينة في نفوس طلاب المدارس، فبسبب اهتمام عبد الناصر ببناء الجيش وغرس قيم العسكرية في الطلاب استحدثت مادة التربية العسكرية على الطلاب في المدارس، وظلت تدرس على طلاب الثانوية العامة حتى انتهت في أعقاب توقيع اتفاقية كامب ديفيد عام 1979، ومنذ ذلك التاريخ أخذت المناهج المصرية منحى جديدا وبدأت في وضع الكتب المدرسية التي تبرز قيما جديدة، وبدأت مرحلة تخفيف المناهج من الدروس التي تتحدث عن الحروب، وظهرت أفكار جديدة تتوافق وقناعات الرئيس الراحل أنور السادات.
الرئيس المؤمن
تحولات جذرية طرأت على المناهج الدراسية منذ منتصف السبعينيات وتحديدًا بعد انتصارات أكتوبر 1973، فقد تمكنت انتصارات أكتوبر من رد الاعتبار العسكري للمصريين، وأعادت الثقة كاملة في القوات المسلحة المصرية وأنها درع للأمة تحميها من أي محاولة للاعتداء عليها؛ ولكن الآثار التي تركتها الهزيمة في المجتمع وفى الواقع التعليمى كانت تحتاج إلى جهد مضاعف لإعادة الأمور إلى مسارها الصحيح؛ لكن ما حدث كان عكس ذلك؛ فقد كانت هناك قيم مشبعة لدى الكثيرين بأن الهزيمة وقعت بسبب ابتعاد الناس عن الدين، وعندما سافر العديد من المصريين للالتحاق بالعمل في الخليج، كانت تلك الفكرة تسيطر على الغالبية منهم؛ ولذلك كان منهم من تشدد في أحكام الدين وبين هؤلاء كان عدد كبير من المعلمين المصريين الذين جاءوا محملين بأفكار متطرفة، وساعد على تنامى الفكر المتطرف في المدارس والجامعات المصرية إفساح المجال لهؤلاء المعلمين بتلقين أفكارهم للطلاب الصغار، وفكرة الرئيس المؤمن التي اشتهر بها الرئيس الراحل أنور السادات، والتغييرات الجذرية التي طرأت على المناهج المصرية في تلك الفترة.
مبارك.. تزييف الحقائق
واستكمل القائمون على أمر التعليم في مصر في ظل الحكومات المتعاقبة أثناء حكم الرئيس الأسبق حسنى مبارك، والذي امتد لثلاثة عقود كاملة، حلقات مسلسل "غسيل أدمغة الطلاب" وتحويل التعليم إلى وسيلة للتلقين، والمناهج إلى أداة من أدوات تمجيد الحاكم، وبدلًا من وضع دروس تعلم الطلاب الفكر الناقد القائم على حرية الرأى والتعبير تحولت المناهج إلى مجموعة من الكتب التي تتصف بالحشو والتكرار، وأصبح الرئيس الأسبق - الذي ثار عليه شعبه في 25 يناير- بطلًا لحرب أكتوبر وأنه بانى النهضة وراعى كل شيء صالح، وتبلورت صور حرم سيادة الرئيس وتم تغطية أنشطتها ودورها الاجتماعى في دروس يتعلمها الطلاب.
وبعد ثورة 25 يناير أسقطت المناهج الدراسية مبارك وعائلته من عليائهم، واختصرت تاريخه العسكري الممتد لأكثر من عقدين من الزمان إلى سطرين ونصف في كتاب التاريخ للصف الثالث الثانوي، وكذلك فإن المناهج التي زعمت أن جماعة الإخوان في كتاب التربية الوطنية عام 2012/ 2013 باعتبارها جماعة "تحمل الخير لمصر" هي ذاتها المناهج التي تداركت خطأها وأيقنت أنها جماعة محظورة وإرهابية أرادت خطف البلاد في مناهج عام 2013/ 2014 وما تلاها.
"نقلا عن العدد الورقي.."


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.