رغم كافة محاولات قيادات وزارة التربية والتعليم السابقين من المنتمين لجماعة الإخوان المسلمين، نفى وجود مشروع لأخونة المناهج الدراسية، أو بث أفكار الجماعة في كتب المدارس، إلا أن اللجنة التي شكلها الدكتور محمود أبو النصر وزير التربية والتعليم، أكدت في تقريرها المبدئى الذي تسلمه الوزير مؤخراً أن عددا من المناهج الدراسية في المراحل التعليمية المختلفة تضمنت الكثير من الأفكار والرؤى الإخوانية. وإزاء ما تضمنه تقرير اللجنة أصدر الدكتور أبو النصر قرارا بتنقيح كافة المناهج الدراسية من أي أفكار إخوانية، أو أي رؤية تخدم فكر فصيل بعينه، الأمر الذي قد يؤدى إلى تأجيل العام الدراسى بضعة أيام لحين الانتهاء من تنقيح المناهج، لأنه وبحسب تعبير الوزير قادر على "فرم المناهج الإخوانية". فرم مناهج الإخوان المسلمين ليس بالأمر الهين ماديا، فهو يعنى تكلفة مالية إضافية على موازنة التربية والتعليم، حيث تكلفت المناهج الدراسية التي أعدتها الجماعة مبلغ 2 مليار جنيه، منها مليار و44 مليونا صرفتها الوزارة على طباعة الكتب المدرسية وفقا للمناقصة العامة التي طرحها الدكتور إبراهيم غنيم وزير التربية والتعليم في عهد الرئيس المعزول. وأنفقت الوزارة باقى المبلغ على مراحل إعداد الكتاب المدرسى المختلفة، حيث استحدثت الوزارة نظاما جديدا هذا العام في وضع وتأليف الكتب المدرسية، يقوم على 10 مراحل، أولها تمثل في إعداد معايير قومية لمحتويات المناهج الدراسية، واستفادت الوزارة في ذلك الجانب بالمعايير التي وضعتها الهيئة القومية لضمان جودة التعليم والاعتماد، وتلا ذلك إعداد فريق عمل من الشعب الدراسية بمركز تطوير المناهج، ثم أعلنت الوزارة عن مسابقة لتأليف الكتاب المدرسي للعام الدراسي المقبل، لتبدأ المرحلة الرابعة في تأليف محتويات الكتب الجديدة وتصميمها وإخراجها، قبل إعداد نماذج التقارير وتجهيز الكتب المعدلة. أثناء رحلة تأليف الكتب المدرسية عملت الوزارة على تعديل كتاب القراءة ذي الموضوع الواحد واستبداله بكتاب يشمل موضوعات متنوعة ومتعددة، وكذلك عملت على إجراء تعديلات كبيرة على الأنشطة المدرسية، باعتبارها مكونا أساسيا من مكونات المعرفة، وفى هذا الشأن ركز واضعو الأنشطة أيام الدكتور غنيم على تحميل أنشطة الطلاب المكملة للمناهج الدراسية في الكتب عددا من الأفكار الإخوانية، مثل إجراء بحوث حول عدد من الشخصيات والرموز الدينية التي تتلاقى أفكارها مع أفكار الجماعة، أو كتابة موضوعات ومقالات، وصنع لوحات تثقيفية عن بعض الرموز الفكرية للجماعة وقيادات التيار الدينى في مصر. جماعة الإخوان المسلمين حاولت في تلك الأثناء التمهيد لطرح أفكارها في المناهج الدراسية، من خلال صنع رأى لا يعارض تلك الأفكار حال خروجها في هيئة كتب مدرسية، وخاصة في كتب التاريخ للمراحل التعليمية الثلاث والتي كان لها نصيب الأسد من هذه الأفكار، فسعت الجماعة من خلال القيادى الإخوانى محمد السروجى الذي كان يعمل متحدثا رسميا للوزارة، إلى ترويج مشروعها الفكرى من خلال تقديمه على أنه رؤية جديدة لتقديم وطرح المناهج الدراسية في مواد التاريخ، من خلال التركيز على الأحداث وليس الأشخاص، وذلك لتحقيق أكثر من هدف في الكتاب الواحد، كتحجيم دور الرؤساء السابقين من أمثال جمال عبد الناصر والسادات ومبارك، وذكرهم في إشارات عابرة للأحداث والوقائع التي مرت في عهدهم. ظهرت الأفكار الإخوانية بقوة في كتاب التاريخ للصف الثالث الثانوى المعد من قبل الجماعة تحت عنوان " تاريخ العرب الحديث والمعاصر" ويدرس فيه الطلاب الدولة العثمانية والوطن العربى، والأوضاع السياسية أثناء الحربين العالميتين، وكفاح الشعوب العربية من أجل الاستقلال، مع التركيز على تاريخ مصر المعاصر وثورات الشعوب العربية، ففى خضم هذه الأحداث يأتى ذكر الرؤساء السابقين لمصر، كأن يذكر عبد الناصر باعتباره أحد أعضاء تنظيم الضباط الأحرار في الجيش مع قيام ثورة 23 يوليو، وثانى رئيس للجمهورية، ثم يذكر باعتباره رئيس الجمهورية والقائد الأعلى للقوات المسلحة في نكسة 1967 في إشارة إلى تحميله المسئولية عن النكسة، وأن يذكر السادات باعتباره الرئيس الذي قامت في عهده حرب أكتوبر 1973 ومظاهرات 18 و19 يناير 1977، وذلك من خلال التركيز على الحدث لتهميش الأشخاص. وفى نفس السياق تستفيد الجماعة أيضا من خلال إبراز دور أكبر للإخوان المسلمين في حرب العرب ضد إسرائيل في عام 1948، والإشارة إلى مؤسس الجماعة وأفكاره، ودور الإخوان في الحراك الاجتماعى الذي حدث في البلاد طوال الأعوام السابقة منذ أيام الملك فاروق، نهاية بذكر ثورة 25 يناير كثورة شعبية خلفت وراءها برلمانا منتخبا ورئيسا منتخبا بإرادة حرة في إشارة إلى مجلس الشعب المنحل، وإلى الرئيس المعزول محمد مرسي. وفى هذا الصدد يأتى أهمية دور النشاط الطلابى بالنسبة للجماعة، من خلال تحقيق الأهداف المعرفية التي تطمح إليها مع المنهج الجديد، كأن يتعرف الطالب على الفكرة الصهيونية، ومراحل تطورها واستيطان فلسطين، وأن يرتب مراحل تطور القضية الفلسطينية في حقب تاريخية رئيسية، وأن يبرهن على أهمية دور مصر في دعم فلسطين وقضيتها، وفى ذلك الجانب يكلف الطلاب بعدد من الأنشطة المدرسية لرصد أهم الشخصيات الدعوية وشخصيات الإصلاح الاجتماعى، والدور الأبرز للجماعات والمنظمات التي شاركت في حرب فلسطين عام 1948، مثل جماعة الإخوان المسلمين، ومؤسسها الشيخ حسن البنا، مع تقديم رؤية مستقبلية بعد ثورات الشعوب العربية، وأن يتعرف على مخاطر الثورات المضادة على زعزعة الأمن القومى المصرى والعربى، والربط بين المشاكل المعاصرة في الوطن العربى وما حدث أيام الاستعمار. واللافت أن الأنشطة المقترحة مع هذا المنهج تضمنت أيضا أن يعتز الطالب بموقف الشعب المصرى في الاستفتاء على الدستور وانتخابات مجلس الشعب.