فى بداية كل عام هجرى من الاول الى العاشر من محرم تشتعل ايران والعراق وغيرهما من البلدان ذات الاقلية او الاغلبية الشيعة بإحياء ذكرى الحسين وآله، ولكن أشد الطقوس وضوحا هى التى تقام فى ايران وأهمها مسرح وموكب العزاء. ويتميز المسرح العزائى أو الشبيه الحسينى بطابع كرنفالى اسطورى إذ تقام العروض المسرحية فى الشوارع والميادين أو الحسينيات وتكون تابعة للدولة أو لجمعيات اهلية ويقوم المتطوعون والمعينون لهذه الوظيفة التمثيلية بتمثيل ملحمة استشهاد الحسين فى معركة كربلاء باستخدام ادوات بسيطة وازياء ويطلق عليها الشبيه وترتفع اصوات الطبول اشارة الى بداية المعركة وينقسم المتطوعون الى «بنى أمية» الذين يرتدون ملابس حمراء وصفراء «وآل الحسين» الذين يرتدون ملابس خضراء وسوداء وبيضاء اشارة للحزن والنقاء. اما «مسيرة العزاء» فهى من اهم طقوس العزاء وأكثرها اثارة للجدل وتمثل حالة من تعذيب وجلد الذات لنيل الشفاعة من الحسين والأئمة يوم القيامة كما يؤكد الفكر الشيعى فكلما زاد الالم زادت المغفرة وكلما تعاظم الذنب ازداد الامل فى الشفاعة. وتبدأ المسيرة فى شكل مواكب تبدأ منذ اليوم الاول الى اليوم العاشر من محرم سنويا وتتنوع المواكب «اللطامة أو ضرب الصدور» وتتكون من مجموعة من الكاشفين عن صدورهم ويضربون عليها بعنف وهم يلقون قصائد الرثاء التى تمثل الجانب الشعرى من المأساة الحسينية. وموكب «الجنازير أو الضرب بالجنازير» وفيها يحمل البعض جنازير تنتهى بسكاكين صغيرة يضربون بها ظهورهم العارية بشكل ايقاعى حتى تسيل دماؤهم ويحمل هذا الموكب عصا طويلة مرفوع عليها ما يرمز الى لسان تشير الى نهاية «الشمر بن ذى الجوشن» كما ذكرتها الحكاية الدينية بتحوله الى كلب اسود عطشان. ثم موكب «التطبير أو الضرب بالسيوف» ويتكون من مجموعة يرتدون ملابس بيضاء كأنها كفن ويضربون رءوسهم الحليقة بالسيوف ويصاحبهم فريق آخر يوزع الحلوى عليهم لإعطائهم الطاقة وتجتمع تلك المواكب فى اليوم العاشر فى الميادين العامة فى حالة هياج دموى قوي. واللافت فى هذه الطقوس ان المتفرجين يتوحدون مع الاحتفالية فقد نجدهم يتدافعون للدفاع عن شبيه الحسين ويهاجمون اشباه بنى أمية كما انهم يأخذون الادوات البسيطة المستخدمة للتبرك مثل السيوف والملابس. الدكتور زين العابدين عبدالبصير- استاذ الفلسفة الاسلامية بجامعة المنيا- أكد أن الطقوس الاحتفالية التى يقوم بها الشيعة فى ذكرى استشهاد الحسين رضى الله عنه ترجع الى اصل ايرانى فارسى فإيران هى احدي دعائم الدولة الفارسية القديمة التى صدرت الى دول العالم العربى مثل هذه الطقوس بداية من العراق ومصر مرورا بالبحرين والكويت ثم الجزائر بالاضافة الى انها كادت تنتقل الى دول الغرب حيث تقام بعض الحسينيات فى بريطانيا. وأشار زين العابدين الى ان هذه الاحتفالات هى جزء من مكونات الثقافة الشيعية المتوارثة فهى تعبر عن الندم والتوبة والتكفير لتخلى شيعة الحسين عنه فى الكوفة والتى يستخدمها الشيعة لاستمالة عواطف المسلمين فى نشر مذهبهم حيث تعود اقدم المؤشرات التاريخية لنشوء الحسينية الى ما كان يقوم به المناصرون لآل البيت بالذهاب الى كربلاء والتجمع حول قبر الامام الحسين خاصة يوم العاشر من محرم من كل عام لإحياء مراسم العزاء والندب على ما حل بالإمام الحسين من ظلم وجور. وأضاف الدكتور زين العابدين: فى العاشر من محرم «353ه/963م» جرت لاول مرة شعائر فريدة للاحتفال بذكرى استشهاد الإمام الحسين فى بغداد وكربلاء حيث امر معز الدولة البويهى بغلق الاسواق حزنا ومواساة لمقتل الامام ومن هنا يمكن أن نعد فترة الحكم البويهى فى العراق من أهم الفترات فى تاريخ نشوء وتطور الشعائر الحسينية لإقامة مناسبات لوفيات وولادات الأئمة وبالخصوص الشعائر الحسينية اما فى ايران فتعود الاحتفالات الى القرن «10ه/16م» عندما اعتلى الصفويون سدة الحكم فى ايران واتخذوا من التشيع عقيدة رسمية لدولتهم، فأقيمت الحسينيات فى كل بقعة من بقاعها وسميت هناك «مأتم سرائي» وكان لهم دور فى انتقالهم الى الهند وأذربيجان التركية والأناضول وبعض مناطق سيبيريا.