«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عاشوراء.. كرنفال أسطورى لكل من يعانى الظلم فى العالم.. طقوس الجمعة الحزين فى المسيحية لا تختلف كثيراً عن بكائيات الشيعة فى كربلاء
نشر في اليوم السابع يوم 27 - 12 - 2009

المذهب الشيعى ضخم من شخصية الحسين ومقتله إلى أبعد حد ممكن، فلم يعد مجرد حفيد رسول الله الذى قتل فى كربلاء، أو أحد رموز التاريخ الإسلامى، بل إن الأمر تعدى فى التشيع هذه المرحلة إلى عالم مفتوح من التقديس لشخص الحسين ذاته، فهو الإمام الثالث فى التشيع بعد على بن أبى طالب والحسن بن على.
"قلوب الناس معك وسيوفهم مع بنى أمية" هذه هى بداية مأساة الحسين فى كربلاء، قتيل بنى هاشم، سيد شباب أهل الجنة، كما يوصف فى الأدبيات الدينية الشيعية والسنية على السواء، موقف سياسى لرجل اعتقد أنه على الحق، دفع ثمنه من دمه ودماء أهله وأصحابه، ليتحول مقتله إلى سيرة بطولية، كرنفال أسطورى لكل من يعانى الظلم فى العالم، ورغم أن للحسين مكانته فى التاريخ الإسلامى ككل.
والأئمة فى التشيع لهم مكانة تفوق المنطق والعقل، وتضعهم فى سياق أسطورى يضخم من مكانتهم فى العقل الشيعى، فمن خلال دراسة أكاديمية قمت بها ومنشورة فى كتاب تحت عنوان "كربلاء بين الأسطورة والتاريخ دراسة فى الوعى الشعبى الإيرانى" توصلت إلى أن الحسين، كما يتناوله المذهب الشيعى هو رمز الفداء.
فالأحاديث المنسوبة للأئمة وغيرها من الحكايات الواردة فى أدبيات التشيع تصر على أن الحسين قد قُتل وهو يعلم بمصيره، أى اختار الموت عن الحياة، ليتحمل ذنوب الشيعة فى العالم على مدار التاريخ، فكرة تتشابه إلى حد بعيد مع نظرية الفداء المسيحى، وتحمل المسيح ذنوب البشرية، وإن كان الفداء المسيحى لا يُعد الأصل الوحيد نظرية الفداء الحسينى، ولكنها فكرة أصيلة فى العقل البشرى بشكل عام، فلابد من وجود من يضحى بنفسه لصالح البشر، والحسين قد تحمل هذا الجانب فى السياق الإسلامى الشيعى.
المهم أن الشيعة فى إيران وغيرها من البلاد التى بها نسبة كبيرة من الشيعة حتى العربية منها كالبحرين والعراق، يقيمون احتفالاً سنوياً فى المحرم من كل عام هجرى، تمتد من أول محرم للعاشر منه أو عاشوراء.
وهو نفس الوقت الذى استغرقته المعركة فى كربلاء، فالحسين حوصر فى صحراء كربلاء من الأول من محرم إلى أن قُتل فى اليوم العاشر وفُصلت رأسه عن جسده لتُحمل إلى يزيد بن معاوية فى دمشق، فيُعيد الشيعة تلك المناسبة التاريخية فى طقوس تتسم بدموية تليق بالحدث ذاته حتى إن مصر كانت تحتوى مثل تلك الطقوس إلى وقت قريب.
فى مواكب كانت تُسمى بموكب العجم، وهم الشيعة المصريون، بالإضافة لمن كان يٌقيم فى مصر من الإيرانيين، بحيث يلتفون حول ضريح الحسين فى حى الأزهر، ويبدأون فى سرد قصة الحسين بشكل بكائى، ويضربون أنفسهم بآلات حادة حتى تنزف دماؤهم.
ولكن لم يتبقَ فى مصر من تلك الطقوس إلا ما يقيمه بعض الشيعة المصريين، أو العرب الشيعة المقيمون فى مصر، فى بيوتهم من ذكر لمأساة الحسين والبكاء عليه، على اعتقاد أن كل الدموع التى تزرف فى تلك الأيام مغفرة للذنوب.
بل إن هناك من يجمع الدموع فى زجاجات خاصة لتستخدم فى شفاء الأمراض والجروح، فالعديد من الأحاديث الشيعية التى تنسب للأئمة، تؤكد على تقديس الدموع الحسينية، بل إن الملائكة حسب المذهب الشيعى تنزل من السماء لتجمع تلك الدموع المباركة من أحبة الحسين.
ودعنا مما كان يحدث، ولنركز فيما يحدث الآن بالفعل فى كل بلدان التشيع، وعلى رأسها إيران بالطبع، الاحتفالية تبدأ فى اليوم الأول من محرم بإقامة مسارح العزاء، وهى عبارة عن مسارح خشبية بسيطة شعبية إلى حد كبير، يمثل فيها بعض الهواة معركة كربلاء.
رغم إن تلك المسرحيات لها مؤسسات داعمة من الدولة الإيرانية تحديداً، ولكن تظل تتسم بالبساطة والشعبية، يلبس بعض الممثلين ملابس خضراء وسوداء وبيضاء إشارة لآل بيت الحسين، ومجموعة أخرى ترتدى ملابس صفراء وحمراء دليلاً على الأمويين.
وتدور المسرحية بين الجانبين بجدية تامة، وسط هرج مرج المشاهدين، والذين لديهم يقين أن ما يحدث أمامهم ليس مجرد تمثيلية، ولكنها حقيقة تامة، حتى إن البعض يعتقد فى حضور روح الحسين تجسدها فى جسد الممثل الذى يقوم بدوره، مما يعطى قداسة لكل عناصر العمل المسرحى، وفى تفاعل مبالغ فيه من المشاهدين قد يقتلون أو يضربون من يقوم بأدوار قاتلى الحسين.
كما يأخذون الأدوات المسرحية للتبرك بها طول العام، فالقضية تتعدى مجرد مسرحية عادية إلى طقس مذهبى جماعى، وأحياناً تُقام تلك العروض فيما يسمى "الحسينيات"، وهى أماكن قائمة فقط لاحتفالات عاشوراء، برعاية من الدولة أو بمجهودات شخصية.
وأتذكر أن الشيعة العراقيين المقيمين فى مصر قد تقدموا بطلب تم رفضه للحكومة المصرية بإنشاء حسينيات قريبة من مناطق سكنهم على حسابهم الخاص، ولكن مع رفض الدولة حولوا بيوتهم فى مصر إلى حسينيات.
المسرحية بها مشاهد مؤثرة للغاية، مثل مقتل أبناء الحسين خاصة الطفل على الأصغر بسهم من جيوش الأمويين، حكايات قد قدوم الملائكة والجن لمناصرة الحسين فى كربلاء ورفضه لمساندتهم حتى يحقق الهدف المقدس من قتله، وقصة الأسد الذى كان يحرس جثمان الحسين بعد مقتله.
وأحياناً ما كان يؤتى بأسد حقيقى ليمثل الدور، المثير حكاية تمثل فى المسرحية وواردة فى كتب التشيع عن رأس الحسين، وهى حكاية راهب قد أسلم بعد أن تحدثت له رأس الحسين، ففى رحلة العودة بعد مذبحة كربلاء، قرر الجيش الأموى أن يستريح فى دير مسيحى فى الطريق إلى دمشق.
وهم يحملون الرأس الحسينى، والتى لم تكف طوال الطريق عن قراءة القرآن، المهم يسمح لهم الراهب بالدخول، وفى أثناء الليل يذهب ليشاهد رأس الحسين، فقد جاءه هاتف فى المنام يخبره بقدوم رأس بن بنت رسول الله إلى ديره، فتتحدث الرأس معه ويخبره الحسين بقصته، فيسلم الراهب أمام رأس الحسين، وغيرها الكثير من الحكايات التى تروى وتمثل على خشبة المسارح العزائية.
ولكن لا يتوقف الطقس العزائى عند ذلك الحد، فالمسرحيات تظل قائمة طوال الأيام العشر من محرم فى كل الشوارع والطرقات والحسينيات، فالطقوس الأكثر إثارة وحيرة لم تأتِ بعد، وهى مرحلة الطقوس الدموية وهى مرحلة قد نهى عنها العديد من علماء الشيعة أنفسهم، لما فيها من قسوة وجلد الذات، ولكنها ما زالت مستمرة وإن خفت حدتها فى السنوات القليلة السابقة، فالفكرة خرجت من المعتقد المذهبى لتتأكد فى الوجدان الشعبى الشيعى، وسوف نحاول أن نتابع تلك الطقوس كما يلى:
تخرج من سائر المناطق فى إيران وغيرها، على طول الأيام العشرة من محرم، وإن كانت تزداد حدة كلما اقتربنا من اليوم العاشر، يوم المقتل، مواكب ضخمة للغاية، تنقسم تلك المواكب إلى ثلاثة رئيسيين، الأول هو موكب "اللطم"، وهو عبارة عن مجموعة من الرجال يكشفون صدورهم، يسيرون بشكل منظم، يضربون صدورهم العارية بأيديهم بقوة وقسوة وبشكل منتظم، يتصاحب ذلك مع من يردد أبيات شعرية تسمى بأشعار العزاء، وهى أشعار شعبية أو لمجموعة من قوالى العزاء، وهم شعراء تخصصوا فقط فى مثل تلك الأشعار، ومع تناغم الشعر صعوداً وهبوطاً تزداد حدة الضرب بشكل هستيرى.
الموكب الثانى، وهو أكثر خطورة، موكب "الجنازير"، وهو طقس يتم مساء كل يوم من أيام محرم، عبارة عن مجموعة من الرجال يرتدون الملابس السوداء، إشارة إلى الحزن الجماعى لمقتل الحسين، كاشفين ظهورهم، ممسكين بعصيان أخرها سلاسل صغيرة تنتهى تلك السلاسل بشفرات حادة كسكاكين، ويضربون بها ظهورهم حتى تدمى، فى إيقاع منتظم ودائم، وسط صيحات النساء والأطفال.
والجدير بالذكر أن هناك بعض الأطفال يشاركون فى هذه الطقوس، كنوع من البركة وإعلان الطاعة والوفاء للحسين منذ الصغر.
وتزداد حدة الضرب الدموى كلما ذُكر اسم الحسين، أو غيره من أبطال كربلاء مثل العباس بن على أخو الحسين من أبيه، والذى قتل كذلك وتحول إلى رمز للقوة والشجاعة، ومن العناصر الغربية التى تستخدم فى ذلك الطقس تحديداً.
علم ضخم يمسكه من على رأس الموكب، معلق فى آخره شىء يشبه اللسان المتدلى، يقال عنه "لسان الشمر"، وهو تجسد لحكاية تحكى عن شخص يُدعى "الشمر من ذى الجوشن"، أحد قواد الجيش الأموى، والذى تجرأ وتمكن من قطع رأس الحسين بعد موته، وتحكى الحكاية المذهبية، أنه بعد ذلك قد مُسخ كلباً، ومات عطشاناً مثل الحسين، المهم تستمر تلك المواكب طوال أيام عاشوراء، فى طول البلاد وعرضها.
ثم يأتى الموكب الأخير، وهو موكب "التطبير"، ومعناه جرح الرؤوس الحليقة بالسيوف، وهو عبارة عن مجموعة من الرجال حليقى الرؤوس، يلبسون ملابس بيضاء، فى رمزية واضحة للكفن، ممسكين سيوفاً صغيرة وكبيرة، يضربون بها رؤوسهم ضربات ليست بعميقة، على إيقاع موسيقى جنائزى عالٍ، والغريب فى الأمر أن هناك مجموعة من المساعدين يعطون الممارسين لطق التطبير بعض الحلوى، لتمنحهم مزيداً من القوة والطاقة وتعوضهم عن الدماء المسالة منهم على جباهم وأجسادهم.
ولا يمنع أن يموت أحد المطبرين فى حالة حماسية، فينسى كون الطقس منتهياً، ويضرب نفسه ضربات قوية تفضى لموته، مما يحتم وجود جيش آخر من حاملى العصيان الغليظة يضعونها على رأس المطربين فى حال توحد أحد الممارسين مع حالة الوجد الدموى، وانفعل إلى أن يقتل نفسه.
وفى اليوم الأخير، وهو اليوم العاشر من محرم، تتجمع كل تلك المواكب فى الميادين العامة، حاملين لنعش أخضر اللون يرمز لجثمان الحسين، رافعين على عصيان طويلة رأس خشبى يرمز إلى رأس الحسين، وتقام كل تلك الطقوس بشكل جماعى فى كل الميادين فى حالة هستيرية، لتنتهى فى النهاية بإعادة تمثيل لحادثة كربلاء ثانية ولكن فى الساحات، وتنتهى الطقوس المقدسة لعاشوراء فى اليوم العاشر كمرحلة أولى.
فلتلك الطقوس امتداد آخر يوم الأربعين، أى يوم العاشر من شهر سفر، بعد أربعين يوماً من مقتل الحسين، فلهذا طقوس أخرى، هدفها الاحتفال بعودة رأس الحسين إلى كربلاء ثانية بعد أن عفا عنها يزيد بن معاوية وأمر بدفنها فى كربلاء، كما تروى بعض الروايات التاريخية، وفى ذلك اليوم تقام الولائم، ويقدم الطعام، وتنشد أبيات العزاء وتنهمر الدموع ثانية على مصاب بنى هاشم حفيد الرسول الحسين.
المثير فى الأمر هو موقف النساء فى تلك الطقوس العاشورائية، فأغلب النساء يهبطن إلى الشوارع ليشاهدن الاحتفالات والطقوس الدموية أثناء الأيام العشر، ويقمن بتشجيع الرجال وحثهم على مزيد من القوة والدموية والإخلاص فى ممارسة الطقس الحسينى، بل إن بعض النساء اللاتى لم يتزوجن بعتبرن ذلك الوقت مناسباً لاختيار رجل قوى يتحمل العذاب.
ومخلص فى ولائه للإمام الحسين، لتختاره زوجاً لها، كما أن الرجال يستعرضون قوتهم أمامهن حتى يكتسبوا مزيداً من التواجد وإثبات الذات، وبعض النساء يجعلن أحد أطفال العائلة الذى لم يبلغ الحلم بعد يشارك فى مسيرات العزاء، كهبة منها للحسين حتى يباركها ويشفع لها أمام الله لتنجب مثلاً إن كانت عقيمة.
أى أن الطقوس تخرج عن مجرد طقس دينى إلى حالة من الهرج والكرنفال الجماعى، والمعتقدات الأصيلة فى العقل الشعبى الشيعى، ومرتبطة بكل الأفكار الاجتماعية، مثل ما يحدث فى مصر أحياناً من الذهاب للأولياء والأضرحة خاصة الحسين، من النساء تحديداً لتندر ندراً أو تطلب شفاعته أمام الله لتلبية طلب لها أو أمنية، فالفكر الشعبى واحد، ولكن الأساليب مختلفة.
وقد أثارت تلط الطقوس الحسينية الشيعية حيرة ودهشة كل من حاول مشاهدتها أو دراستها، فبأى عقل يمكن لإنسان أن يقطع جسده بكامل إرادته، وقد حاول العديد من الباحثين وأنا منهم التوصل لأسباب تلك الطقوس الدموية، فحقيقة أن الهدف من تلك الممارسات هو الإقرار بإمامة الحسين تقديراً لقيمته المذهبية والدينية من وجهة نظر التشيع، كما أنها تعبر بشكل واضح عن حالة الذنب الذى يتحمله الشيعة لمقتل الحسين وتركه يُقتل فى كربلاء دون مساندة أو مساعدة.
حتى من أهل الكوفة الذين خانوه وتركوه لمصيره، فيحاولون فى حالة من جلد الذات وتعذيب النفس التكفير عن بعض ذنبهم التاريخى، فكما يتحمل الحسين ذنوب كل أتباعه من الشيعة، فلكل شيعى مكلف بإظهار امتنانه للحسين، وعليه أن يعانى معاناة الحسين.
أياً كان موطنه إيران أو العراق أو لبنان، فالحسين رمز الفداء الشيعى، كما أن الحسين يقوم بدور الشفيع أمام الله لشيعته، كما تؤكد النصوص الدينية فى المذهب الشيعى، وبالتالى فإن كل شيعى مخلص سوف ينال شفاعة الحسين يوم القيامة وفى الدنيا، ولكن بالبحث وجدت تشابهاً غريباً فى تاريخ الطقوس القديمة عند الحضارات القديمة وطقوس العزاء.
فمثلاً وُجدت مثل تلك الطقوس فى العراق القديمة، أى منذ ما يزيد عن ثلاثة آلاف عام قبل الميلاد، فقد كانت تُقام طقوس مشابهة، على إله الربيع تموز الذى اختفى فى العالم السفلى ويعود ليظهر مرة واحدة كل عام فى وقت الربيع، فكانت تُقام طقوس العزاء بنفس القدر من الدموية حزناً على زوال إله الربيع والرغبة فى عودته، كما أن هناك بعض البلاد فى آسيا الوسطى تقوم بنفس الطقوس لصالح أحد الإلهة الذى قُتل غدراً، وبنفس الطريقة.
بل إن فى إيران نفسها كانت تقام نفس الطقوس ولوقت قريب على أحد الأبطال الفرس القدماء، والذى يُعد بمثابة إله قديم فى الديانات الفارسية القديمة قبل الإسلام، وقد قتله أحد الأعداء غدراً، كذلك لأنه صدقه ولجأ إليه.
أى أن كل طقوس العزاء لها مثيلاتها على مدار التاريخ الإنسانى، بل إن هناك بعض المسرحيات والطقوس المسيحية والتى كانت تُقام إلى فترة قريبة فى الكنائس يوم الجمعة الحزين، وهو يوم صلب المسيح، كانت تقام بنفس الحدة فى طقوس مشابهة لطقس كربلاء، ولا أقول إنه من الضرورى أن تشابه تلك الطقوس تكون هى المصدر الوحيد لطقوس العزاء الحسينى.
ولكنى أردت فقط أن أدلل أن مكانة الحسين فى المذهب الشيعى جاءت متشابهة مع مكانة الإله فى الديانات القديمة، أو مكانة المسيح فى الديانة المسيحية، فالعقل الإنسانى دائماً ما ينتج المتشابهات طوال الوقت على اختلاف الأزمان.
وحتى تكتمل لدينا الفكرة، ينقصنا مرحلة أخيرة وهامة من طقوس العزاء الحسينى، وهى مرحلة الزيارة، أى زيارة ضريح الحسين فى كربلاء، حسب ما يرد فى المذهب الشيعى أن زيارة الحسين فى قبره لها منزلة دينية عالية، لمن يستطيع الذهاب لكربلاء والصلاة أمام المشهد الحسينى، وهذا متشابه مع ما يحدث من زيارة قبر الحسين فى مصر، ولكن الاختلاف الأصيل، أن المذهب الشيعى يعتبر طقس الزيارة من الطقوس الدينية الأصيلة التى لا فكاك منها.
بل يرد عن لسان الإمام جعفر الصادق أو فيما يروى عنه "أن زيارة الحسين فى قبره تساوى ألف حجة" أو "من زار ضريح الحسين كمن زار الله فى عرشه"، فى شكل تضخيمى لمقام ضريح الحسين، فالملائكة تحج لقبر الحسين كل يوم وتسكن فيه ولا تغادره.
بل إن تربة ضريح الحسين أو حرم الضريح، وهو كل ما يحيط بالمقام الحسينى، قادرة على شفاء الأمراض إذا أُكلت، أو تشفى الجروح، فهى تربة طاهرة لا دنس فيها كما فى المذهب، بل إن الصلاة لا تصح فى التشيع دون قطعة من التربة المقدسة توضع أسفل رأس الساجد أثناء السجود، ويطلق عليها المسجدة، وإذا لم يستطع المسلم الشيعى زيارة القبر أو السفر لكربلاء، فهناك طقوس خاصة من الممكن أن يمارسها المتشيع بأدعية معينه يقولها فى بيته تحل محل الزيارة.
وهناك ركام ضخب من كتب الدعاء المتوافرة فى معظم البلاد ذات النسبة الشيعية الضخمة، فزيارة الحسين تحقيق لفكرة الشفاعة التى يرجوها الشيعة من الحسين، فالحسين هو شفيع المؤمنين الشيعة تحديداً بالطبع.
وليس معنى ما ذكرت أن كل شيعة العالم بكل أصنافهم يقومون بكل تلك الطقوس، خاصة الدموى منها، بل هناك العديد منهم يعتبر جزءاً من تلك الممارسات لا تعدو كونها ممارسات شعبية لا تمت للدين بصلة، وإن كان هؤلاء نسبة ضئيلة من المنفتحين عقلياً أو دينياً.
وعامة لم نقصد تشويه صورة التشيع كمذهب أو إعطاء صورة ناقصة عن الشيعة، ولكنها مجرد محاولة لعرض جانب طقسى موجود فى مجتمعاتنا الإسلامية، له جذوره فى التاريخ الحضارى للمنطقة عامة، ولا يحق لنا تقيمه دينياً أو أخلاقياً، فالكل حر فيما يعتقد أو يفكر، ومن المؤكد أن لنا الحق فى عرضه ودراسته، خاصة أن الموضوع متعلق بالحسين، فنحن فى مصر نحتفل بمولده وفى إيران وغيرها يحتفون بموته، فكلنا نمجد الحسين ولكن كلاً على طريقته.
*أكاديمى وباحث فى الدراسات الشيعية الإيرانية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.