معلم فيزياء يمتلك مركزين ل«الدروس الخصوصية».. والترتيب للقاء وزير التربية والتعليم أسهل من مقابلته وجها لوجه المراكز تتحايل على قرارات الإغلاق.. ومعلومات عن تورط قيادات داخل الوزارة في «بيزنس الحصص» يضم مكتب رئيس قطاع التعليم العام، بديوان عام وزارة التربية والتعليم 5 موظفين يتولون أعباء أعمال السكرتارية والأعمال الفنية، إلى جانب إعداد كافة الأوراق والملفات التي تلزم العمل في القطاع، الذي يضم عددا من الإدارات المركزية والعامة، كما أنه يعد من أهم القطاعات داخل الوزارة، إضافة إلى أن رئيس القطاع هو الشخص الثالث في ترتيب الهيكل الإدارى بعد الوزير ونائبه، ثم رئيس قطاع التعليم العام. في المقابل.. وعلى أرض الواقع هناك مدرس لديه طاقم سكرتارية ومساعدون أكثر من رئيس القطاع، إنه أشهر معلمى مادة الفيزياء الذي يمتلك مركزين للدروس الخصوصية أحدهما في منطقة شبرا، والثانى في مصر الجديدة، والترتيب للقاء معه بشكل شخصى أصعب من مقابلة وزير التربية والتعليم، وفقا لشهادات عدد من الذين حاولوا التعامل معه، وهو ما يجسد حاله مافيا الدروس الخصوصية في زمن لم يكد المدرس أن يكون رسولًا كما قال أمير الشعراء أحمد شوقى ولكنه كاد أن يكون مليونيرًا أو مليارديرًا. طوال الأشهر التي تسبق امتحانات الثانوية العامة يصبح لقاء رئيس الوزراء أو وزير التعليم أيسر من التفكير في لقاء إمبراطور الفيزياء، فلكى تتواصل معه لابد أن تمر بأكثر من شخص هم مساعدو"الأستاذ" ثم يتم توصيلك بالسكرتارية الخاصة، و"الأستاذ" لا يتعامل مع الطلاب مباشرة في حجز الدروس الخصوصية، ولكى ينال طالب فرصة الالتحاق بمركز الدروس الخصوصية الذي يمتلكه هذا المعلم، عليه أن يدخل اختبارات تحديد مستوى، ويبدأ حجز مكان لتلقى الدروس في مركزه، بدءا من نهاية شهر يونيو أي قبل إعلان نتيجة الثانوية بأيام، على أن تبدأ رحلة الدروس بالنسبة للطلاب الملتحقين بالصف الثالث الثانوى في أوائل شهر أغسطس، حتى إذا جاءت بداية العام الدراسى الرسمية في المدارس مع نهايات شهر سبتمبر، يكون الطلاب في المركز تمكنوا من دراسة نصف المنهج تقريبا. نموذج "إمبراطور الفيزياء" في محافظة القاهرة، تكرر أيضا في محافظة الجيزة، وتحديدا مع أحد المدرسين الذي يتولى تدريس مادة الأحياء، حيث أصبح الحصول على مكان لطالب في مجموعات الطلاب التي يعطيها دروسا خصوصية أشبه بنصر مبين، ويدرس هذا المعلم مادة الأحياء رغم أنه في الأصل حاصل على ليسانس الحقوق، ولم يسبق له العمل في أي مدرسة سواء أكانت خاصة أم حكومية، وقصته مع الدروس الخصوصية أنه بدأ حياته مساعدا لمعلم أحياء -توفى منذ سنوات- وكانت كل مسئولياته تنحصر في الحضور مبكرا إلى المركز وتحضير أوراق المدرس ومتابعة حضور وغياب الطلاب، ومتابعة بيع وتوزيع الملازم، وتجهيز أوراق المراجعة للمدرس قبل كل حصة، وكان يتقاضى نظير ذلك مبلغا لا يتجاوز 300 جنيه، ثم بعد عامين من العمل وصل راتبه إلى 500 جنيه، وفى بعض الأوقات التي كان ينشغل فيها معلمه كان يقوم هو بتدريس الحصة مكانه، ومع مرور الوقت بدأ يستقل ويكون مجموعات طلابية حتى أصبح شهيرا بين الطلاب، فاستأجر شقة في منطقة فيصل سرعان ما جعلها مركز دروس خصوصية، وهو يعطى الحصة حاليا في مجموعته بمبلغ يتراوح بين 70 إلى 100 جنيه، وحصة المراجعة تصل إلى 200 جنيه عن كل طالب، ولا يقل عدد الطلاب في المجموعة الواحدة عن 15 طالبا، ويعمل هذا المعلم 6 أيام في الأسبوع، بواقع 5 مجموعات مدة الحصة لكل مجموعة ساعتين، وفى أيام المراجعة النهائية قبل امتحانات الثانوية العامة يعمل طوال الأسبوع بواقع 7 مجموعات في اليوم الواحد. سيد العراقى معلم الفلسفة، واحد من أشهر معلمى الدروس الخصوصية، بمنطقة فيصل، وأثار ضجة كبيرة العام الماضى بعد تأجيره استاد كلية التربية الرياضية بجامعة حلوان، لإعطاء حصة المراجعة النهائية لطلاب الصف الثالث الثانوي. وأشارت التقديرات إلى أن هذه الحصة حضرها أكثر من ثلاثة آلاف طالب وطالبة، وأن ثمن الحصة لكل طالب كان 60 جنيها، وقد أثارت صور المعلم وهو يقف في وسط الاستاد ممسكا بميكروفون ويقوم بالشرح لطلابه موجات من السخرية، بسبب ضخامة العدد خاصة أنه من المفترض أن من أسباب اللجوء للدروس الخصوصية هو ارتفاع الكثافات في الفصول داخل المدارس الحكومية. ووفقا للأرقام التي تتناقلها الألسنة ب "بيزنس الدروس الخصوصية"، يمكن القول إنْ الدروس الخصوصية صنعت مليارديرات وحيتانا كبيرة تسيطر بشكل كبير على أكبر المراكز وأشهرها، تربطهم علاقات وثيقة مع قيادات كبرى بالتربية والتعليم، وأصبح عدد من القيادات بديوان الوزارة والمديريات ورؤساء قطاعات هم أنفسهم أصحاب أكبر المراكز، والمالك الحقيقى لها، ولهم نصيب الأسد من أرباحها، الأمر الذي تسبب في العديد من الأزمات للدكتور الهلالى الشربينى وزير التربية والتعليم، حينما أقحم نفسه في "عش الدبابير" وحاول تنفيذ قرار الدكتور أحمد زكى بدر الذي أصدره خلال فترة توليه مسئولية التربية والتعليم، الذي كان يسعى من خلاله لإعلان الحرب على مراكز الدروس الخصوصية. ورغم قيام إدارة الأمن التابعة ل"التربية والتعليم"، من خلال لجنة مشكلة بالتنسيق مع المحليات بحصر مراكز الدروس الخصوصية، تمهيدا لإغلاقها، إلا أن متابعة الأمر على الأرض تكشف أن قيادات "التربية والتعليم" تمكنوا من بيع الوهم للوزير، حيث اتضح أن غالبية المراكز التي تم إغلاقها سرعان ما عادت للعمل من جديد، ضاربة عرض الحائط بقرار الإغلاق، والتعليمات الصارمة التي تخرج من مكتب الوزير. المثير في الأمر هنا بعيدا عن عودة مراكز الدروس الخصوصية للعمل، أن التقرير الذي أعدته اللجنة ذاته كشف مفاجآت عدة أبرزها قيام عدد من المعلمين بالحصول على إجازة بدون راتب، ليتمكنوا من اللحاق بموسم "الدروس الخصوصية" دون الوقوع تحت طائلة اللوائح والقوانين التي تطبقها الوزارة على من يعطى دروسا خصوصية أثناء فترة عمله. كما كشف تقرير اللجنة ذاته قيام عدد من مراكز الحاسب الآلى الحاصلة على ترخيص بالعمل من جانب الوزارة، بتغيير النشاط وإعطاء دروس خصوصية للطلاب، بالمخالفة لما نص عليه الترخيص الذي منحته وزارة التعليم لهم. مفاجأة أخرى فجرها تقرير الوزارة حينما اكتشف تأجير أحد تلك الحيتان لدور كامل في أحد الأبراج الشهيرة لإعطاء الدروس الخصوصية بمبلغ يتجاوز ثلاثة ملايين سنويا، وهو ما يعكس مدى الربح المحقق من وراء تلك "السبوبة" ويؤكد صعوبة إن لم يكن استحالة القضاء عليها. الأمر لم يختلف كثيرا بالنسبة للتعليم الجامعى، حيث تحولت مكاتب التصوير بمحيط المعاهد والجامعات إلى وكر لبيع الملخصات والملازم طوال العام، الأمر الذي ترتب عليه إهدار قيمة الكتاب الجامعى، بالإضافة إلى فتح العديد من المراكز التي يستغلها المعيدون وصغار أساتذة الجامعات لإعطاء دروس خصوصية بها، ويتم ذلك في أغلب الأحيان بالتنسيق مع أستاذ المادة مقابل حصوله على جزء من الأرباح، ويتراوح سعر المحاضرة فيها بين 25 و30 جنيها، وفى أوقات الامتحانات ترتفع تلك الأسعار للضعف في أغلب المراكز، ويأى ذلك بالإضافة إلى المحاضرات في المعاهد الخاصة، والتي يصل سعر كل 4 منها قبل الامتحان نحو 750 جنيها. من جانبه قال الدكتور حسنى السيد، الخبير التربوي: أمر مراكز الدروس الخصوصية استفحل وبات من الصعب جدا السيطرة عليها، وبعض معلمى الدروس الخصوصية يحققون أرباحا خيالية وهم في الأصل غير مؤهلين تربويا، كما أن تلك المراكز تقدم جرعة تعليمية لكنها لا تقدم قيمة تربوية، وتختصر العملية التعليمية في تحفيظ الطلاب لإجابات على أسئلة متوقعة كنوع من التدريب على الامتحانات، وهذا لا يقدم طالبا سويا، وإنما يخرج طالبا قادرا على الحفظ وتحصيل الدرجات وهذا أخطر ما في الأمر. أما أحمد الأشقر، نقيب معلمى أكتوبر السابق، فقد عقب على الأمر بقوله: الدروس الخصوصية أصبحت الخطر الأكبر أمام تطوير العملية التعليمية لما تمثله من عبء على كأهل أولياء الأمور، والأسر المصرية التي تعانى الأمرين طوال العام الدراسى، ما بين توفير نفقات الحياة والمدارس من جانب، وسداد قيمة الدروس الخصوصية من جانب آخر. نقيب معلمى أكتوبر السابق، تابع قائلا: السواد الأعظم من المعلمين يتمنون القضاء على ظاهرة الدروس الخصوصية لأنها سبة في جبينهم، مؤكدا أن عدد العاملين في الدروس الخصوصية محدود قياسا بإجمالى عدد المعلمين في المدارس المصرية، كما أن النسبة الغالبة من هؤلاء يعطون دروسا تساعدهم بالكاد على ظروف الحياة الصعبة، وأن من يطلق عليهم أباطرة الدروس الخصوصية عبارة عن عدد محدود للغاية ولا يمكن أن يقاس عليه، وأن النسبة العامة من المعلمين الذين لا يعطون دروسا خصوصية هم النموذج الذي يجب أن يبنى عليه. والواقع يؤكد –والحديث لا يزال للأشقر- أن شبكة "السناتر" تمثل تجارة رابحة للمعلمين العاملين بها في تحصيل عوائد مالية كبيرة خلال فترة الدراسة، وبعضهم حقق ثروات طائلة من ورائها، وقد حولت ظاهرة مراكز الدروس الخصوصية التعليم إلى مجرد "سبوبة" لجنى أكبر قدر ممكن من الأرباح من وراء الطلاب خاصة طلاب الثانوية العامة، وتسببت في تدهور التعليم وضياع قيمة المدرسة والفصل حيث أصبح مجرد مكان لعقد الاتفاقات ما بين المعليمن والطلبة ومحاولة كل معلم جذب أكبر عدد ممكن من الطلاب من داخل المدرسة للالتحاق بالمركز الذي يعمل به أو عمل مجموعات خاصة في منزل أحدهم، وبالتالى أصبح الاعتماد الأكبر على تلك الحصص الخارجية،ولم تعد للمدرسة أية أهمية ولاتحقق أي هدف من وراء عملها.