لا حديث للأهالى فى محافظة الإسكنرية هذه الأيام، سوى عن تلك الجريمة البشعة التى راح ضحيتها شاب فى التاسعة عشرة من عمره، على أيدى ثلاثة أشخاص من بينهم ابن عمه.. فالجناة دفنوا ضحيتهم حيا داخل برميل مملوء بالخرسانة، ثم ألقوه فى الملاحات حتى يتآكل وتذوب معه الجثة.. الأغرب من ذلك أنهم اتصلوا بأسرة القتيل وطلبوا منها فدية 2 مليون جنيه.. ترى كيف خطط الجناة لجريمتهم، وكيف نفذوها، وكيف توصل رجال المباحث إليهم بعد 48 ساعة فقط من ارتكاب الحادث؟.. هذه الأسئلة وغيرها، يجيب عنها محقق "فيتو" من خلال عدة مشاهد متتالية فى السيناريو التالى: المشهد الأول: جثة فى الملاحات. عقارب الساعة تشير إلى السابعة صباحا.. عدد كبير من رجال الأمن فى مديرية أمن الإسكندرية وبعض الأهالى، يقفون على شاطئ إحدى الملاحات على الطريق الدولى بمنطقة الهانوفيل.. الجميع يتابع بتركيز شديد رجال الإنقاذ النهرى، وهم يبحثون عن شئ ما داخل مياه الملاحة.. بعد نحو الساعة من العمل الجاد خرجت الضفادع البشرية حاملة برميلا من الصاج مملوءا بالخرسانة.. وضعوه فى سيارة نقل وانطلقت به إلى مشرحة المستشفى ومن خلفها سيارات رجال الشرطة.. داخل المشرحة، تم تكسير البرميل وإفراغ ما به من خرسانة، ليفاجأ الجميع بجثة لشاب فى نهاية العقد الثانى من العمر بها العديد من الإصابات بالرأس والطعنات بأماكن متفرقة من الجسم.. رجل تبدو على ملامحه علامات الحزن والانهيار الشديد، وسيدة لا تقوى قدماها على حملها.. يتجهان ببطء نحو الجثة.. ينظران إليها بفزع ويطلقان صرخات مدوية تفقد بعدها السيدة الوعى. المشهد الثانى: تخطيط على دخان البانجو والحشيش قبل 48 ساعة.. الأصدقاء الثلاثة "إسلام"، و"محمد"، و"عمرو".. يجلسون فى شقة الثانى بمنطقة الهانوفيل وأمامهم مجموعة من زجاجات البيرة ويدخنون السجائر المحشوة بالبانجو والحشيش.. يتبادل الثلاثة الحديث عن الانفلات الأمنى وغياب رجال الشرطة.. قال محمد: " يا سلام لو الواحد يغمض عينه ويفتحها يلاقى نفسه غنى من غير شغل ولا تعب".. ضحك عمرو ضحكة ساخرة قبل أن يقول: " ليه هتلاقى خاتم سليمان ولا هتخطف عيال وتطلب فدية".. انتبه "إسلام" للعبارة الأخيرة واعتدل فى جلسته وقال فى حماس: "وليه لأ.. إحنا ممكن نخطف الواد "محمد" ابن عمى، ونطلب فدية كبيرة.. وأبوه وأمه هيتصرفوا ويدفعوا".. بدا الاهتمام على وجه "محمد" وأضاف: " وعلشان محدش يكشفنا، إحنا نقتله ونسرق كل اللى معاه ونخلص من الجثة، ونطلب الفدية برضه".. رفع الثلاثة زجاجات البيرة وتبادلوا الضحكات والقفشات وراح كل منهم يحلم بالأموال التى ستنهال عليه. المشهد الثالث: دفن فى الخرسانة صباح اليوم التالى.. استأجر الثلاثة سيارة ملاكى، وتوجه إسلام إلى مقر معهد خاص يتلقى فيه ابن عمه محمد، درسا خصوصيا، وأقنعه بالذهاب معه لقضاء وقتا ممتعا مع بعض الأصدقاء ويتناولون البيرة والمواد المخدرة.. داخل السيارة تعرف الجميع على "محمد. ك" وراحوا يتبادلون الضحكات والقفشات، ثم أعطوه زجاجة بيرة وهم يقولون: "خد صبر نفسك بدى".. داخل شقة "محمد" بمنطقة مينا البصل يجلس الأربعة يحتسون البيرة والعصائر.. صاحب الشقة يتوجه إلى المطبخ ويعد أكوابا من العصير لضيوفه، ويضع فى إحداها مادة مخدرة ثم قدمها ل "محمد .ك".. بعد أن شرب العصير بدأ الضحية يترنح.. ينهال الثلاثة على رأسه بالضرب وعلى جسده بالطعن، وقبل أن يموت.. أسرعوا بإحضار برميل من الصاج ووضعوه حيا فيه وصبوا عليه الخرسانة، ليموت الشاب بطريقة بشعة.. حملوا البرميل ووضعوه فى السيارة المستأجرة وانطلقوا به على الطريق الدولى، وألقوه فى إحدى الملاحات بمنطقة الهانوفيل، ثم عادوا إلى الشقة ونظفوها من آثار الجريمة، وجلسوا يفكرون فى الجزء الثانى من الجريمة. المشهد الرابع: حكاية 2 مليون جنيه فدية مساء ذات اليوم.. بعصبية شديدة أمسك "كمال" تليفونه المحمول، وراح يسأل جميع أصدقاء ابنه محمد عنه وعن سبب تأخره فى العودة إلى المنزل، بينما وضعت الأم يدها على صدرها وهى تتحرك بعصبية فى الشقة وتقول "استرها يا رب".. مرت الساعات طويلة بطيئة ولم يتوصل الأبوان إلى شىء عن سر اختفاء نجلهما ولم يتذوقا طعم النوم فى تلك الليلة.. فى صباح اليوم التالى توجه الأب إلى قسم شرطة الدخيلة، وأبلغ أجهزة الأمن بغياب نجله.. وعندما عاد إلى المنزل استقبلته زوجته بلهفة قائلة: "الحقنى.. فيه واحد اتصل وقال إنه ضمن عصابة خطفت محمد وعاوز 2 مليون جنيه علشان يسيبوه.. عاد الرجل مسرعا إلى قسم الشرطة وأعطى رجال المباحث المعلومات الجديدة. المشهد الخامس: اعترافات مثيرة داخل مديرية أمن الإسكندرية.. اجتمع عدد من القيادات الأمنية ورجال المباحث الجنائية لفحص البلاغ ووضع خطة لكشف ملابسات اختفاء الشاب "محمد".. اعتمدت الخطة على تتبع أرقام التليفونات التى اتصلت بوالدة الشاب ومعرفة صاحبها.. وبعد ساعات تمكن رجال المباحث من تحديد شخصيات المتصلين، وكانت المفاجأة أن "إسلام" ابن عم المختطف من بينهم.. بعد اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة، نجح رجال الشرطة فى إلقاء القبض على إسلام ومن خلاله تم ضبط شريكيه.. فى التحقيقات قال الثلاثة: "فى لحظة غبنا فيها عن الوعى، قررنا استدراج محمد والتخلص منه وسرقة موبايله ومتعلقاته الشخصية، ثم طلب فدية من أسرته.. وزين لنا الشيطان التخلص من جثته بدفنها فى برميل خرسانة حتى لا تفوح الرائحة، ثم إلقائها فى الملاحات حتى يذوب البرميل ثم تتحلل الجثة بفعل الملح، وظننا أنه لن ينكشف أمرنا".. بعد هذا الاعتراف انطلقت قوة من الشرطة ورجال الإنقاذ النهرى إلى المكان الذى حدده الجناة، واستطاعوا انتشال البرميل وبداخله الجثة.. وفى مشرحة المستشفى تعرف والدا الضحية عليه.