يبدو أن كل شيء فى السياسة مباح، ولا وجود للمحرمات ،وهذا ما يفسر ماحدث خلال 4 أشهر كاملة بين المجلس العسكرى وجماعة الإخوان المسلمين داخل أروقة اللجنة التأسيسية، حيث تم تشكيل الجمعية الأولى بأغلبية ساحقة من تيار الإسلام السياسى، وهو ما اعترضت عليه القوى والأحزاب المدنية، وتم رفع دعوى بمجلس الدولة، والتى قضت ببطلان تشكيل التأسيسية الأولى، وعلى إثر ذلك تعطلت كتابة الدستور لمايزيد علي 3 أشهر، وتم تشكيل جمعية أخرى، ولكن أيضا جماعة الإخوان المسلمين وحزب النور السلفى لم يتنازلا عن الأغلبية الكاسحة داخلها، وهذا ما تصدت له القوى المدنية بالاعتراض والانسحاب من اللجنة، وتم انسحاب مايزيد على 24 حزبا ذوى خلفيات مدنية، وكان على رأسهم الحزب المصرى الديمقراطى الاجتماعى، والمصريين الأحرار، والتحالف الشعبى الإشتراكى، وحزبا الكرامة، والناصرى ،وغيرهما، ورغم هذا الانسحاب إلا أن واصلت الجمعية مهام عملها فى تحد سافر لهذه القوى التى رفضت تشكيلها الأساسى. والمتابع للمشهد السياسى يجد على النقيض تماما أنه تم حل مجلس الشعب فيما يقل عن نصف ساعة، مما يبث الحيرة والقلق فى النفوس، ويجعل المشهد السياسى فى مصر مرتبكا وأشبه بلعبة القط والفأر بين المجلس العسكرى والإخوان المسلمين وبينهما القضاء حيث أراد المجلس سحب الشرعية من يد البرلمان الذى يسيطر عليه الإخوان المسلمون، وأنصفه فى ذلك القضاء، ولكن حينما تولى د محمد مرسى رئاسة الجمهورية أعطاهم فرصة حتى يكتبوا دستور مصر، وهذا ما أكده د ثروت بدوى -الفقيه الدستورى- بأن قضاة المحكمة الدستورية العليا، والقضاء الإدارى يتمتعون بالصفة التقديرية دون غيرهم من القضاة، وهذا ما يفسر حكم حل مجلس الشعب الذى صدر فى دقائق معدودة، وفعلا نحن أمام لعبة بين القط والفأر يريد كل من المجلس العسكرى والإخوان المسلمين فرض سيطرته على الآخر، والضحية القضاء ومصلحة الشعب المصرى، وقضاة الدستورية وقعوا فى خطأ جسيم ، حينما قضوا بحل مجلس الشعب دون مراعاة تعارض هذا الحكم مع الظروف الحالية، وكان على القاضى العدول عن هذا الحكم، فالمسألة هنا ليست دستورية قانون من عدمه بل مصلحة بلد، ومحاولة لإنقاذها من الانهيار بتمرير قوانين تتفق والصالح العام ليس إلا، وأيضا الحكم بحل اللجنة التأسيسية للدستور فى المرة الأولى كان خاطئا تماما ، لأن مصر كانت فى أمس الحاجة لوضع وكتابة دستور يحدد صلاحيات الرئيس القادم واختصاصاته بدلا من أن تكون الأمور عائمة كالذى نشهده الآن . وما يحدث الآن من تأجيل الحكم ببطلان التأسيسية حتى سبتمبر المقبل نوع من المواءمة السياسية بين العسكر والإخوان المسلمين. واتفق معه فى الرأى د أنس جعفر -أستاذ القانون الدستورى بجامعة بنى سويف- مشيرا إلى أن القاضى وخاصة قضاة المحكمة الدستورية والقضاء الإدارى لديهم السلطة التقديرية للأحكام التى يصدرونها ،خاصة انها مست الصالح العام، وهذا ما حدث مع الحكم بحل مجلس الشعب فى نصف ساعة، وترك التأسيسية لتزاول عملها حتى يتم الإنتهاء من وضع الدستور، وبالتالى نجد أنفسنا أمام الواقع الذى سنسلم به، وأعتقد أن حل البرلمان تم لإعطاء كتف من المجلس العسكرى للإخوان لسحب السلطة التشريعية منهم ليس إلا، وتم استخدام القضاء فى الصراع بين العسكرى والإخوان المسلمين لكى يتم حسم موقف البرلمان، ولكن بعد تولى مرسى منصب رئيس الجمهورية تغير الوضع، وبالطبع هو يريد استمرار التأسيسية الحالية حتى يضمن البقاء فى الحكم لأنها ستضع مادة تحصنه ضد إجراء انتخابات رئاسية جديدة . وأكد د شوقى السيد -الفقيه الدستورى- أن لعبة التأسيسية المعيبة مستمرة حتى الآن، ولن يتم حلها لأن مرسى يحاول عن طريق الجمعية التأسيسية المعيبة التشكيل، والتى يسيطر عليها تيار الإسلام السياسى بأغلبية تتعدى ال50%، وقام مرسى بتحصين قرارتها ضد البطلان فى تعد واضح على أحكام القضاء، لكى يضمن بقاءه فى الحكم لمدة ال4 سنوات القادمة، وذلك لأنه فى الأعراف الدستورية وداخل الدول الديمقراطية يتم إجراء انتخابات رئاسية جديدة بعد وضع الدستور، وهذا ما لا يرضى مرسى وجماعة الإخوان المسلمين ، ولذلك يستميت الرئيس فى الدفاع عن التأسيسية التى ستضع نصا داخل الدستور يضمن بقاءه فى الحكم لمدة 4 سنوات، دون إجراء انتخابات رئاسية مرة أخرى.