فى زمن الأمانى والآمال رُفع شعار الوحدة أو الاتحاد العربى، وخرجت أفكار وآراء وتساؤلات هل تلتقى النظم العربية مع بعضها، الملكيات والإمارات مع الجمهوريات، ومن يتعامل مع الغرب بعلاقات تاريخية لا يصح أن يتحد مع الديمقراطى الاشتراكى؟! وقطعاً ماتت تلك الأفكار فى مهدها وخاصة بعد فشل الوحدة بين مصر وسوريا.. ثم جددت الدعوة بما يشبه الواقعية السياسية بالمطالبة باتحاد دول النيل ككيان واحد يتكامل جغرافياً وتاريخياً واقتصادياً، ودول الشام والعراق بمنظومة أخرى، كذلك الأمر مع دول مجلس التعاون الخليجى، ودول المغرب العربى حديثة العهد لبعض دولها بالتحرر.. ورغم أن الفكرة إيجابية لمن ينظر للأمة العربية بروابطها وتاريخها كعالم واحد، وأن الزمن سوف يجمع هذه الكيانات فى أمة واحدة تختار نظامها ودستورها، إلاّ أن الواقع سار باتجاه آخر أى جعل التجزئة أساساً ثابتاً، واستحالة توحيد أقاليم ذات رابط جغرافى واحد، وهذا ما حدث فى المشرق والمغرب معاً.. ونتيجة لتبخر هذه الآمال وزوالها من الذهنية الشعبية، برزت حتمية المؤامرة، وخاصة حين تبنى أنصار الوحدة من اليسار، اتهام الغرب بأنه ضد أى مشروع كهذا يهدد الكيان الصهيونى، بينما أطراف يسارية أكثر «راديكالية» قالت بأسبقية نشوء الأيدولوجيا والأحزاب التى تقود هذا العمل، لأن فلسفة العدل فيها، وخاصة للمهمشين والمحرومين، وهم الطبقة الأكثر انتشاراً فى المدن والقرى العربية، هى من سيفرض هذا الاتجاه ومحاكاة لنظام الاتحاد السوفياتى، وبقى طرف ثالث عاصر العديد من العهود العربية زمن الاستعمار والتحرر، قال إن هذه الأفكار لا يمكن تجاوزها بدون تنمية وطنية لكل قطر فى الاقتصاد والتعليم، والتدرج فى إيجاد نظم إصلاحية شاملة، قد ترفع سقف المطالبة بكيانات عربية ثم وحدة (فدرالية، أو كونفدرالية).. وبسبب تعارض هذه الأفكار وتباين نهج حكومة كل بلد راج فكر الهمّ الوطنى على العربى، وتفوق عليه كحتمية ثابتة.. هناك من كان هدفه مثالياً وأمنياً، وآخرون كانوا يريدون إلحاق هذا الوطن إما تحت عجلة المنظومة الشرقية، أو الغربية، لكن لم يأت التحليل السياسى لطبيعة المجتمع العربى، وكيف تقسمه الطبقية والقبلية، والطائفية وغيرها، وأنه فى غياب المشروع الوطنى لكل بلد بتأسيس نظام تكون المساواة فيه متحققة، فإن من الصعب تلاقى حكومات متنافرة فى طبيعة تركيبتها الاجتماعية والسياسية، وقد كان من بين الآراء أنه كيف يتم توحيد الهند، وأوربا والبرازيل وفيها تلك التعدديات التى لا تلتقى مع بعضها، وتفشل مع أمة تملك مقومات وحدتها؟ المشكل العربى ليس فى الروابط التى تعتمد خلق كيان واحد، وإنما فى هشاشة الوعى وضعف التقدم الاقتصادى ووجود قواعد ثابتة وأنظمة ودساتير متقدمة، والتى هى السبب فى خلق وحدات لتلك البلدان، ثم إن العربى نشأ داخل نظام العائلة والدولة الراعية، ولم يكن المواطن يمثل جذر النظام إلاّ بوظيفته الخاصة، وقد نحتاج إلى عقود أو قرون لصنع هدف هذه الوحدة وباشتراطات تحكمها المصلحة لا الأفكار الطوباوية؟ نقلاً عن جريدة الرياض