حريق القاهرة مازال لغزاً رغم مرور 60عاماً على تدبيره اغتيال المشير بدوى.. الفاعل لايزال مجهولاً وقيدت القضية ضد مجهول ذلك المجهول الخفى الذى اعتاد أن يطل على مصر، عقب حوادث وأحداث عظام كان الشعب فيها ضحية، بينما الانظمة سعيدة بنجاحها، وإن كانت تظهر عكس ذلك، ومنذ الملك فاروق الأول وحتى المجلس العسكري،لايزال اللهو الخفى يمارس هوايته المفضلة فى حصد أرواح من يعارضون الحاكم، أو ربما من باب التسلية لإلهاء الشعب عن حماقات هذا الحاكم أو ذاك.. فى السطور التالية إطلالة سريعة على تاريخ اللهو الخفي.. والبداية من عهد الملك فاروق آخر ملوك أسرة محمد علي.. ففى عهده ظهر اللهو الخفى تحت اسم «الحرس الحديدي» وهو قوة من ضباط الجيش والبوليس كونها الدكتور يوسف رشاد الطبيب الخاص لفاروق لتكون يد الملك الباطشة ضد خصومه، وتكونت هذه القوة فى آوائل الأربعينيات عقب حادثة 4 فبراير الشهيرة عام 2491 حينما أجبرت بريطانيا الملك فاروق على دعوة مصطفى النحاس باشا زعيم حزب الوفد لتشكيل الوزارة بعد أن حاصرت قصر عابدين بالدبابات وهددت الملك بخلعه من العرش، وكان هذا الحادث لطمة على وجه الملك فأراد أن يرداللطمة بمثلها ولكن عن طريق «اللهو الخفي»، فقام الحرس الحديدى بعمليات عديدة طوال فترة الأربعينيات وحتى قيام ثورة يوليو 2591، منها محاولات اغتيال النحاس باشا، ونائبه رفيق الطرزي، كذلك مجموعة كبيرة من الضباط الانجليز، كما شرع فى محاولة لاغتيال السيرلامبسون المندوب السامى البريطانى فى مصر والمسئول عن عملية 4 فبراير وتهديد الملك ولكن تراجع الحرس الحديدى فى آخر لحظة خوفاً من رد فعل بريطانى عنيف، كما قام الحرس الحديدى باغتيال مجموعة من الضباط سواء كانوا من الجيش أو الشرطة ومنهم عبدالقادر طه، كل هذه العمليات لم يكن أحد فى وقتها يعرف فاعلها، وكانت كلها تقيد ضد مجهول، ولم يعرف عنها شيئاً إلا بعد ثورة يوليو 2591، حيث عرف الناس اسماء الحرس الحديدى الذى اثار الرعب طوال عشر سنوات، وفى تلك الفترة لم يكن الحرس الحديدى يعمل بمفرده إذ كان ايضا التنظيم الخاص بالإخوان المسلمين بقيادة مباشرة من عبدالرحمن السندى وقيادة مستترة من المرشد العام حسن البنا يقوم أيضا بعمليات مماثلة ضد المصالح الانجليزية واليهودية فى مصر بالإضافة إلى بعض المتعاونين معهم وكانت أشهر العمليات التى نفذها التنظيم الخاص اغتيال المستشار الخازندار والنقراشى باشا رئيس الوزراء، وعدة تفجيرات فى المحال المملوكة لليهود فى منطقة وسط البلد، حتى تم القبض على أعضاء التنظيم الخاص واغتيال حسن البنا عام 9491 حيث توقفت هذه العمليات، وربما كانت أشهر الحوادث التى لا يزال اللهو الخفى غيرمعروف فيها حتى الآن، هو حريق القاهرة 62 يناير 2591، حيث تؤكد أدلة أن الانجليز لهم يد فى الحريق وهم مستفيدون منه وهناك أقوال بأن الملك فاروق وحرسه الحديدى وغيرهم من القوى الفاعلة فى هذا الوقت هم الفاعلون، لكن مرت السنوات ولا تزال القضية.. «ضد مجهول». بعد قيام ثورة 2591 تولى الضباط الاحرار السلطة فى مصر، وكانت مصر على موعد مع اللهو الخفى ولكن بشكل آخر، فبعد الثورة اختار البكباشى جمال عبدالناصر القائد الفعلى للضباط الاحرار موقع أركان حرب وزارة الداخلية ليؤسس من هذا الموقع وقبل أن يعتلى رئاسة الجمهورية الأجهزة السرية للثورة والتى كانت اللهو الخفى الذى نفذ عملياته ضد خصومه، كان أول خصم فى هذه المعركة هو محمد نجيب الذى تصدر واجهة الثورة وتولى منصب أول رئيس للجمهورية فى مصر، وأول تنظيم يؤسسه عبدالناصر للثورة هو «هيئة التحرير» وكان يتولاها، الصاوى محمد، وعن طريق هيئة التحرير كسب عبدالناصر المعركة ضد محمد نجيب عندما خرجت المظاهرات تهتف ضد الديمقراطية لأول مرة فى التاريخ وتقوم بعدة تفجيرات فى انحاء مصر لإثارة الفوضي، كل ذلك نفذته هيئة التحرير وبمبلغ 0005 جنيه سلمها جمال عبدالناصر للصاوى محمد وسخر له أجهزة وزارة الداخلية والمباحث الجنائية. بعد أن استقر جمال عبدالناصر رئيسا للجمهورية حل هيئة التحرير وتحولت إلى الاتحاد القومى ثم إلى الاتحاد الاشتراكى وتكونت فى ظلها مراكز القوة من خلال حرب أجهزة المخابرات التى أنشأها عبدالناصر لتكون رقيبة على بعضها والوحيد الذى كان يمسك بكل خيوطها هو عبدالناصر نفسه وفقط، ففى ظل عبدالناصر تكونت المباحث العامة والتى ورثت البوليس السياسي، كذلك المباحث الجنائية العسكرية والتى تحولت بعد ذلك إلى البوليس الحربي، وجهاز المخابرات العامة، والمخابرات الحربية والسجن الحربى والذى سيطر عليه شمس بدران مع حمزه البسيوني، أضف إلى ذلك مكتب معلومات رئاسة الجمهورية والذى كان يعد مخابرات الرئاسة وكان يديره سامى شرف. بالاضافة إلى الاتحاد الاشتراكى وأجهزته والتنظيم الطليعى وكان يديره أيضا سامى شرف بالإضافة إلى شعراوى جمعة وزير الداخلية فى ذلك الوقت، وعلى صبرى رئيس الوزراء وأول رئيس للمخابرات العامة قبل صلاح نصر. كل هذه الاجهزة كانت تقوم بأعمال الارهاب واللهو الخفى وهو ما أدى فى النهاية إلى هزيمة 7691. لكن بموت عبدالناصر تلاشت هذه الاجهزة وافسحت الطريق لمن يخدمون الرئيس الجديد. الرئيس أنور السادات بدأ حكمه بحركة تمثيلية فى فناء وزارة الداخلية وقام بحرق مجموعة الشرائط والملفات قال إنها الشرائط الخاصة بتسجيلات هذه الاجهزة ضد المواطنين والمتتبع لهذا الحريق المحدود سيعرف أنها لم تكن سوى مجموعة صغيرة جدا من ملفات هذه الاجهزة، وللحق قام السادات بتصفية العديد منها وابقى على المخابرات العامة ومباحث أمن الدولة التى ورثت المباحث العامة التى ورثت بدورها البوليس السياسي. وبدأ اللهو الخفى يعمل فى عهد السادات بقوة فاعلة فى الداخل والخارج، وأول أعمال اللهو الخفى كانت اغتيال الفريق الليثى ناصف قائد الحرس الجمهورى فى عهد عبدالناصر ثم فى بداية عهد السادات وهو صاحب دور كبير فى تصفية مراكز القوة التى تأمرت على السادات حيث قام هو وقواته بالقبض عليهم بدقة متناهية لم تكن فى حسبان مخططى الانقلاب، لكن خرج الليثى ناصف من الرئاسة، وذهب للعلاج فى لندن وكان ينزل فى نفس العمارة التى كان يسكنها أشرف مروان وسعاد حسني، وبنفس الطريقة التى مات بها مروان وسعاد حسنى سقط الليثى ناصف من الشرفة وقيدت الحادث كعملية انتحار، واثيرت الشبهات وقتها حول ضلوع السادات ورجاله فى اغتيال الليثى ناصف، وهو أيضا نفس ما حدث مع على شفيق، أحد الضباط الاحرار وكان يعمل مديرا لمكتب عبدالحكيم عامر بالقيادة العامة وكان له مركزا كبيرا إبان الوحدة مع سوريا وقد تزوج بالمطربة والممثلة المشهورة مها صبرى وبنفس الطريقة سقط من نفس العمارة التى اطلق عليها عمارة الموت وقيدت الحادثة انتحار أيضا. أما أخطر العمليات التى تمت فى عهد السادات ولا يزال اللهو الخفى فيها غير معروف على وجه اليقين فهى عملية اغتيال المشير أحمد بدوى وهو أحد أبطال حرب أكتوبر تولى وزارة الدفاع بداية عام 0891وكان معروفا عنه الاستقامة ودقة العمل، وكان على خلاف كبير مع حسنى مبارك نائب رئيس الجمهورية فى ذلك الوقت وكان دائم الشكوى منه للرئيس السادات نتيجة تدخلاته فى القوات المسلحة، وقبل اغتياله تشير دلائل قوية أنه حصل على معلومات بتورط مبارك مع الفريق ابوغزالة رئيس اركان حرب القوات المسلحة فى ذلك الوقت فى عمولات السلاح عن طريق الشركة التى اسسها حسين سالم فى امريكا وكانا شركاء فيها، عقب هذه المقابلة كان المشير بدوى فى زيارة تفقدية لمواقع القوات بالصحراء الغربية وهبطت بواحة سيوة، وكانت هناك معلومات تؤكد قيام القذافى بتحريك مجموعة من المرتزقة لمهاجمة القوات المصرية على الحدود الغربية وهو ما كان ينفيه المشير ويؤكد عليه السادات ومبارك وابوغزالة، وكان الفريق كمال حسن على رئيسا للمخابرات العامة أيضا فى ذلك الوقت وقيل إنه كان شريكا فى عمولات السلاح، فى طريق العودة من سيوة اصطدمت طائرة بدوى بأسلاك الكهرباء وانفجرت على الفور ومات المشير بدوى هو و31 قيادة من قيادات القوات المسلحة كانت بصحبته فى ذلك الوقت، والوحيد الذى نجا من العملية كان هو الطيار وبعدها ببضعة أشهر وجد الطيار مقتولا بعد أن أطلق عليه اللهو الخفى الرصاص امام بيته بالعجوزة. وكانت هذه حكايات اللهو الخفى عبر السنوات السابقة، الغريب أن أساليب اللهو الخفى فى السبعينيات فى وقت الرئيس السادات ووجود حسنى مبارك نائبا له هى نفس الأساليب التى استمرت بعد ذلك طوال الثلاثين عاما التالية والتى يضمها هذا الملف!!.