يعرض الدكتور محمود رمضان - خبير الآثار والعمارة الإسلامية، مدير مركز الخليج للبحوث والدراسات التاريخية- موضوعًا مهمًا بصفحته «الصالون الثقافي» عن متحف فرير للفنون بواشنطن بقلم الدكتور أحمد الصاوي - أستاذ الآثار والفنون الإسلامية- في إطار دعوة العالمين الجليلين لنشر الوعي بأهمية التراث الإنساني العالمي والحفاظ عليه. يقول الدكتور الصاوي: فرير جاليري أو متحف فرير للفنون هو أحد المتاحف الستة عشر التي تضمها مؤسسة "سميثونيان" الثقافية بالعاصمة الأمريكيةواشنطن والتي يصل عدد معروضاتها لنحو 142 مليون قطعة أثرية وفنية. وهذه المؤسسة الأشهر من نوعها في العالم ولدت برغبة خاصة من عالم بريطاني توفي عام 1829م دون أن تطأ قدماه الأراضي الأمريكية، إذ أوصى بأنه في حالة وفاة وريثه الوحيد تحول ثروته لواشنطن لبناء مؤسسة ثقافية تحمل اسمه، وبالفعل صدر مرسوم من الكونجرس الأمريكي في أغسطس عام 1846م بإنشاء تلك المؤسسة التي تمتلك وتدير عددا من المتاحف المهمة بالولايات المتحدة. أما متحف "فرير" فمؤسسه هو "تشارلز لانج فرير" الذي توفي عام 1919م، وكان قد ترك مقاعد الدراسة وهو سن الرابعة عشرة، وأصبح محاسبا في قطاع السكك الحديدية،ثم حقق ثروة طائلة من صناعة عربات القطارات وقت ازدهار السكك الحديدية في النصف الثاني من القرن التاسع عشر. وقد اشترى في حياته عددا كبيرا من القطع الفنية من الشرق الأقصى وقام بعرضها على نفقته بمتحف "بالازو" في إيطاليا،وهي تعرض هناك إلى اليوم. وخلال رحلاته المتكررة لكل من سوريا ومصر أعجب فرير بالفنون الإسلامية،وقام بشراء أعداد كبيرة من التحف والمخطوطات المصورة، ليس من مصر وسوريا فقط،بل ومن إيرانوالهند أيضا. وقام فرير أيضا بتمويل مبنى المتحف الذي تعرض فيه مجموعته، وعهد بأمر تصميمه للمعماري الأمريكي "تشارلز بلات" الذي استوحى تصميمه من تقاليد عمائر إيطاليا خلال عصر النهضة، ولا سيما من جهة استخدام الجرانيت والرخام نظرا لأن "فرير" كان مغرما بالقصور الإيطالية التي زارها. وبعد أن قامت الحكومة الأمريكية بضم المتحف لمؤسسة "سميثونيان" وتضاعفت مقتنياته إلى نحو ثلاثة أضعاف جمعها الأول بفضل عمليات الشراء المنظمة،تمددت مساحة التخزين والعرض لتشمل متحفا مجاورا يتبع لنفس المؤسسة،وهو متحف "آرثر سيكلر"،وأصبح المتحف يعرف حاليا بمعرض "فرير وساكلر"،ويخضع لإدارة واحدة، وتتولى العالمة الإيرانية الأصل "معصومة فرهاد" وظيفة كبير أمناء المتحف وأمينة القسم الإسلامي في ذات الوقت. وتعرض بعضا من مقتنيات الفنون الإسلامية بالمتحف وخاصة من الخزف في قاعة "الطاووس"،وهي قاعة شهيرة تم نقلها من لندن إلى المتحف. ولقاعة الطاووس قصة معروفة لمؤرخي الفنون،ذلك أن مصممها هو الفنان الأمريكي "جيمس ويسلر" الذي عرف بأسلوبه الخاص في الرسم والتصميم،والذي يعتمد على الإضاءة المنخفضة والألوان الأحادية،والذي يبدو متأثرا فيه بالفن الياباني التقليدي. وكان قد أبدع التصميم الداخلي لتلك القاعة لمالكها الأصلي "ليلاند" إمبراطور النقل البريطاني قبيل وفاة الفنان في عام 1903م،وقام متحف فرير بشرائها ونقلها بكاملها في بداية الثلاثينايت من القرن العشرين. وفضلا عن مقتنيات المتحف الثمينة فإنه يضم أيضا أكبر مكتبة متخصصة في الفنون الآسيوية بالولايات المتحدة،حيث تحتوي على 86 ألف وحدة تخزين الكتب بكل اللغات الحية تقريبا،وهي عامرة بالمخطوطات الإسلامية المصورة. وينظم متحف فرير معارض سنوية تشمل أنشطة احتفالية، أشهرها معرضه للفنون الإسلامية والذي نظم في أكتوبر من عام 2003م، ولاقى اهتماما كبيرا من جمهور الزائرين ومؤرخي الفنون على حد سواء. ومن المقتنيات الشهيرة بالمتحف عدد من المخطوطات المصورة من إيران،والتي تغطي الفترة الواقعة بين الغزو المغولي وبداية القرن التاسع عشر،ثم من الهند خلال حكم أباطرة المغول. وتأتي نسخة من كتاب "الشاهنامة" أو تاريخ الملوك في مقدمة تلك المقتنيات المهمة، وكانت في الأصل ضمن مجموعة "ديموت" قبل أن يشتريها المتحف، وهي مزخرفة بعدد من المنمنمات التي توضح ما بالشاهنامة من قصص ملوك الفرس الأقدمين. وترجع أهمية الصور إلى كونها من بواكير منتجات مدرسة التصوير المغولية التي ازدهرت في إيران عقب اجتياح المغول للشرق الإسلامي وتقويض الخلافة العباسية ببغداد في عام 656ه (1258م)،ومن أشهر هذه الصور واحدة تمثل البكاء على موت الاسكندر الأكبر الذي رسم ممددا على سرير،بينما حوله ثلة من النساء يلطمن الوجوه وقد شعثت شعورهن، دلالة على الحزن، وقد رسمت بألوان داكنة من درجات الذهبي والأسود للإيحاء بالأجواء الحزينة لموضوع الصورة. وتتجلى في تصاوير شاهنامة ديموت التأثيرات الصينية في طريقة التعبير عن العمق،وأيضا استخدام العيون الركنية المنحرفة والملامح المغولية في رسم وجوه الأشخاص في صور تلك الفترة. ومن إيران أيضا يقتني المتحف مخطوطة لديوان الشاعر الفارسي "جامي"،وهي ذات صور رقيقة ومفعمة بالحيوية والتفاصيل الزخرفية. ومن صورها واحدة لشيخ متعبد نجد فيها الاستخدام البديع للألوان الزاهية،في تناغم وانسجام تأمين،والعناية أيضا بتسجيل الطابع الفني والزخرفي للقاعات في فترة إنتاج المخطوط في العصر التيموري،ويبدو واضحا أن القاعات كانت أرضياتها وكذا الجدران فيها تغطى ببلاطات من الخزف العامر بالزخارف الهندسية. وبالمتحف عدد كبير من المخطوطات الإسلامية التي ترجع لعصر المغول بالهند،وهي حاشدة بالتصاوير الشخصية لأباطرة المغول، ومنها صورة للإمبراطور "جهانكير" وهو يستقبل أحد العلماء في بلاطه،وقد رسم الإمبراطور جاسا على كرسي العرش وتحته ساعة رملية،بينما تحيط به صورة قرص الشمس الذهبية علامة على أهميته الملكية، بينما يبدو في أسفل يسار الصورة شخص بملابس أوروبية ربما يكون زائرا من زوار البلاط أو رساما ممن دأبوا على زيارة البلاط لرسم صور شخصية للأباطرة وفقا لتقاليد التصوير في عصر النهضة. وبالمتحف بعض الشمعدانات الفضية المكفتة بالفضة، منها شمعدان لا يتجاوز ارتفاعه 50سم،وهو من إنتاج أفغانستان في القرن السادس الهجري (12م)، فضلا عن مجموعة نادرة من الأطباق الخزفية التي اعتنى فرير بجمعها وشرائها بنفسه، ولا سيما من الخزف المنتج بمدينة "الرقة" بشمال سوريا،ويعتبر متحف فرير أكبر مالك لهذا النوع من الخزف في العالم. وهناك أيضا منتجات من الفنون الإسلامية الخاصة بمصر التي زارها فرير ثلاث مرات فيما بين عامي 1903 و1906م،وأطباق خزفية نادرة من إيران،منها أطباق ذات أرضية باللون الكريمي، وقد سجلت عليها بالعجينة الطينية المزججة عبارات عربية بالخط الكوفي،تحوي عبارات دعائية لصاحب الطبق أو نصوص لحكم قديمة،ومنها طبق شهير به جزء من نص حديث نبوي شريف "الحياء شعبة من الإيمان".