إلى إخوتى الأحباء.. «عليكم .. النعمة والسلام» «فيليبى 1:2» «وأقول لكم افرحوا دائماً فى الرب: إن الرب قريب» «فيليبى 4:4» قبل ألفى واثنتا عشرة سنة، سمع رعاة بيت لحم أصوات ملائكة من السماء تخترق سكون الليل، وتبشرهم بفرح عظيم يكون للعالم أجمع: «ولد لكم مخلص، وهو المسيح الرب» «لوقا 2:21»، وأعطاهم علامة عنه قائلاً: «ستجدون طفلاً مقمطاً مضجعاً فى مزود» «لوقا 2: 31».. الميلاد فرح عظيم: إنه فرح عظيم،يقول القديس لوقا الإنجيلي، وهذا الفرح لا يقتصر على جماعة صغيرة محددة، بل يخص البشرية كلها ، وبدون استثناء فما هى هذه الأسباب الخارقة للعادة التى تستدعى هذا الفرح الذى لا يوصف؟ وما هى النتائج التى تنجم عنه؟ إنه سؤال يتطلب جواباً وهذا الجواب نعرفه فى الإيمان الذى يعلمنا أن هذا الطفل المولود فى بيت لحم هو ابن الله بالذات، أى كلمته الأزلية الذى اتخذ جسداً من مريم العذراء و«صار إنساناً» «يوحنا 1: 41» وبشخصه يحمل إلينا فيضاً من نعم السماء، لا بل هو الكنز السماوى «المملوء نعمة وحقاً» «يوحنا 1: 71» وصار واحداً منا ليشركنا بخبراته التى لا حد لها. إله من إله، نور من نور: هذا الطفل العجيب إذا ، هو من نور الله ، والشاهد للألوهة من داخل الألوهة، وهوالذى كمل الوحى الإلهى المعطى فى العهد القديم فبعد أن عرف المؤمنون قبل مجيء المسيح أن الله واحد، وأن ما من آلهة متعددة تتناحر فى السماء، كما يتناحر الناس على الأرض ، صاروا يعرفون بالمسيح سر الله العميق، «إنه سر عظيم» «أفسس 5: 23» عرفوا أن الله آب مصدر لكى شيء، وأن له «كلمة» هى كلمته الأزلية التى ظهرت بيسوع الابن المتجسد و«روحاً» يملأ الكون من قداسته ومن حبه اللامتناهي. ومن هذا الوحى الجديد، وبفعل تجسد الابن وولادته فى الزمن من عذراء «غلاطية 4:1» طفلاً كسائر الأطفال واختياره عائلة فقيرة، ومزوداً حقيراً يأوى إليه كالمشردين والمهمشين الذين لا يحسب لهم الناس أى حساب أو اعتبار .. بتواضعه العجيب أذهلنا يسوع حقاً وأدخلنا فى سر نزوله إلى أرضنا ومكوثه فى وسط وجودنا. كلاً للكل: لقد أراد يسوع بتجسده أن يشارك فى حياة كل إنسان، وأن يكون مع كل إنسان فى نضاله ومسيرته نحو الله، لكى لا يضل الطريق ولا يمشى عليها شريدا وحيداً لا هادى له ولا مرشد ولا مشجع، لذلك لن يميز المسيح بين إنسان وإنسان، ولن يكون لأمة دون الأمم الأخري، بل أراد أن يكون مخلصاً، وحارساً ورفيقاً للجميع ، لقد كسر عزلة الأرض وحطم القيود والحواجز بين البشر، وهكذا طمأن قلوبنا بأننا لسنا فى هذا العالم مهملين أو مبعدين، عبد أو حر، بل جميعنا واحد «فى المسيح يسوع» «غلاطية 3: 82». الله محبة: حمل إلينا طفل المغارة العجيب، يسوع المتجسد صورة عن الله لم تكن واضحة من قبل، وهى صورة بهية تدخل مزيداً من الفرح إلى القلوب، وطمأنينة إلى النفوس إنها صورة حقيقية لله مصدر الحب والسعادة.. الميلاد سلام: وهكذا أسس بميلاده عالما جديدا وأخوة جديدة منتشرة على الأرض جمعت بين الكبير والصغير، بين الأسياد والعبيد، بين الرجال والنساء، بين الأمم والقبائل، وذلك بمجرد أن اتخذ يسوع جسماً بشرياً صار فيه ابن الله: «ابناً للإنسان وأخاً لكل إنسان». إن هذه العولمة التى أطلقها يسوع فى إنجيله هى العولمة الصحيحة.. إن الخلاص الذى يحمله طفل المزود كان ومازال خلاصاً بالمحبة والتضحية.. فليعطنا هذا الطفل القدوس أن نعرف أن إنقاذ العالم لا يمر إلا بالمحبة والمحبة فقط.. عندئذ ينزل علينا من السماء فرح عظيم ، نرجو أن يغمر شعبنا، وبلادنا ، ولا ينتزعه أحد منا بحق هذا العيد الذى نتمنى أن يعيده الله عليكم وعلى العالم بفيض من نعمه وبركاته.. المسيح ولد فمجدوه.. هللويا وكل عام وأنتم بخير أسقف الإسكندرية للأرمن الكاثوليك