سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
أيمن عبد التواب يكتب: هل تتخلى السعودية عن «المذهب الوهابي»؟.. استقبال الملك سلمان للبابا تواضروس «صفعة» لشيوخ الوهابية الذين يحرمون «تحية المسيحيين» وتهنئتهم.. ويفتح قنوات اتصال بين المملكة والكنيسة
بينما كانت وسائل الإعلام مشغولة بتوصل الملك سلمان بن عبد العزيز والرئيس عبد الفتاح السيسي إلى اتفاق بشأن إنشاء «جسر بري» يربط بين السعودية ومصر، كان تركيزي منصبًا على الحدث الأهم -من وجهة نظري- وهو استقبال العاهل السعودي للبابا تواضروس الثاني، بابا الإسكندرية بطريرك الكرازة المرقسية. الاحتفاء بتغيير الفكر والمنهج المتطرف أهم آلاف المرات من إنشاء الجسور، والاهتمام بإعادة بناء العقول، وتنقيتها من شوائب الكراهية أولى من تعيين الحدود.. لكن للأسف لم يحتفِ الإعلام باستقبال الملك سلمان للبابا تواضروس، كما كان متوقعًا، خاصة أنها المرة الأولى في التاريخ التي يلتقي فيها ملك سعودي بطريرك الأقباط، ما يعني -من وجهة نظري على الأقل- خطوة لتغيير المنهج السعودي المتشدد، واعتناق الفكر «الوهابي» الذي كان يُحرِّم مجرد السلام على المسيحيين أو اليهود. فهذا أحد أئمتهم الشيخ محمد بن صالح العثيمين رد في «باب الولاء والبراء في مجموع فتاوى ورسائل» على هذه المسألة فقال: «لا يجوز أن يُبدأ غير المسلمين بالسلام»، مستشهدًا بالحديث الشريف الذي أورده الإمام مسلم في صحيحه: «لا تبدءوا اليهود والنصارى بالسلام، وإذا لقيتموهم في طريق فاضطروهم إلى أضيقه»، مبررًا ذلك بقوله: «لأن في هذا إذلالًا للمسلم، حيث يبدأ بتعظيم غير المسلم، والمسلم أعلى مرتبة عند الله عز وجل، فلا ينبغي أن يذل نفسه في هذا، أما إذا سلموا علينا فإننا نرد عليهم مثل ما سلموا، وكذلك أيضًا لا يجوز أن نبدأهم بالتحية مثل أهلًا وسهلًا ومرحبًا، وما أشبه ذلك؛ لما في ذلك من تعظيمهم، فهو كابتداء السلام عليهم». وما أفتى به «العثيمين»، وعبد العزيز بن باز وغيرهما من أئمة السعودية، صار منهاجًا، ودينًا يأخذ منه بعض دعاتنا الذين ينتمون إلى التيار «السلفي» بفروعه المتعددة، وكانوا أحد أهم أسباب «الفتنة الطائفية» التي ضربت مجتمعاتنا التي لم تعرف يومًا غلوًا ولا تطرفًا. وباستقباله أيضا للإمام الأكبر شيخ الأزهر، الدكتور أحمد الطيب، يبدو أن الملك سلمان أراد أن يبعث برسالة مفادها الانتصار ل«المذهب الوسطي»، الذي يقبل الآخر، ويتعايش ويتعاون معه دون النظر إلى لونه، وجنسه، ومعتقده، منطلقًا من قوله تعالي: «لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ»، ويؤكد على أن الإسلام لا يعترف بالتمييز، ولا يمارس الإقصاء ضد أحد. إذن كان ينبغي على الإعلام التركيز على هذا الاستقبال التاريخي بين «سلمان وتواضروس»، الذي يشير إلى نمو العلاقات بين السعودية والكنيسة، ويؤكد على روح المحبة والسلام بين أبناء الشعب المصري، بمسلميه ومسيحييه، كما يفتح -للمرة الأولى- قنوات اتصال مباشرة مع المسيحيين في مختلف أنحاء العالم، بعيدًا عن العباءة «المتشددة» التي يتدثر بها شيوخ ودعاة ينظرون إلى المسيحيين نظرة دونية، بل ويتطرف بعضهم ويفتي بقتالهم ومحاربتهم؛ حتى يعلنوا إسلامهم أو يُعطوا الجزية عن يدٍ وهم صاغرون. وللحقيقة، فإن الملك سلمان لم يكن العاهل السعودي الأول الذي يمد جسور الود والتواصل مع المسيحيين، مخالفًا بذلك شيوخ بلده المروجين لأفكار «محمد بن عبد الوهاب»، فقد سبقه في ذلك سلفه الراحل الملك عبد الله بن عبد العزيز، الذي التقى بابا الفاتيكان السابق بندكتوس السادس عشر في العام 2007. إن لقاء الملك سلمان والبابا تواضروس يعد بمثابة «لطمة»، أو «صفعة» قوية لما يسمى ب«المذهب الوهابي»، الذي يتهمه المعتدلون بأنه يُؤسس للفتنة، ويدعو إلى التحريض، ويُصدِّر العنف والكراهية، ويسيء إلى سماحة الدين الإسلامي؛ خاصة أن هناك مَنْ يربط أفعال تنظيم «داعش» الإرهابي بالإسلام، والإسلام منه براء. ومن الغريب أن استقبال سلمان لتواضروس جاء بعد نحو شهرين من تصريحات وزير الخارجية السعودي، عادل الجبير، التي نفى فيها الاتهامات الموجهة إلى السعودية باعتناقها المذهب الوهابي المحرض على العنف، مشددًا -خلال مؤتمر صحفي مع نظيره الألماني فرانك فالتر شتاينماير في 4 فبراير الماضي- على عدم وجود مسمى بهذا الاسم، مؤكدًا: «الشيخ محمد بن عبد الوهاب كان رجلًا إصلاحيا، وليس مؤسسًا لمذهب»، فهل ستشهد السنوات المقبلة عودة السعودية للمنهج الأزهري الوسطي، وتغسل يدها من المذهب المتطرف، الذي يتخذه الإرهابيون دينًا لهم؟