مصر من أولى الدول التي أسست لحفظ الوثائق على مستوى الأحداث التاريخية، فإن غياب الوثائق لثورة 25 يناير التي تم تمجيدها في البداية ويجرى تشويهها في أقل من ثلاثة أعوام أمر يدعو للبحث عن الحقيقة -نريدها مدعمة بالوثائق كى يكتب التاريخ دون تزييف أو أهواء- وكما سيذكر التاريخ أن ثورة 30 يونيو 2013 صاحبة الفضل في استعادة مصر المختطفة إخوانيا، وتأمين جيش الشعب للثورة وإفشال سيناريو تقسيم مصر، الذي جاء في مذكرات السيدة هيلارى عام 2014 «الخيارات الصعبة». يعانى تاريخ مصر المعاصر من ندرة الوثائق، وحديث العالم عن تاريخ مصر العريق عُرف مما دون على جدران المعابد وما كتبه المؤرخون والمستعمرون عنها، ومنه كتاب وصف مصر أثناء الحملة الفرنسية، وآثارنا وعمارتنا الفرعونية والقبطية والإسلامية خير دليل على ما كان لمصرنا من تاريخ نفاخر به الأمم، ومصر لا تقل مكانة عن دول عظيمة لديها قوانين للإفراج عن الوثائق تلتزم بها الحكومات المتعاقبة، فلدينا قوانين حددت نظم إيداع الوثائق من الحكومة لدار الوثائق القومية أما الإفراج عنها فيحتاج لقرار غائب حتى كتابة المقال، ورغم جهود تبذل من مراكز ووحدات أبحاث إلا أن أغلبها يذهب أدراج الرياح بسبب غياب الوثائق ومن أهمها: الجمعية المصرية للدراسات التاريخية /1945، ومركز تاريخ مصر المعاصر/1964 (دار الوثائق القومية)، ووحدة دراسات الثورة المصرية (مؤسسة الأهرام)، ولجنة تاريخ ثورة يوليو برئاسة الجمهورية 1975م، ولجنة التاريخ بالمجلس الأعلى للثقافة /1982، ومشروع ذاكرة مصر المعاصرة في مكتبة الإسكندرية، ووحدة البحوث الوثائقية بدار الكتب المصرية/2000م، ومركز الوثائق الإستراتيجية /2004 بالتعاون مع مركز معلومات مجلس الوزراء،هذا غير لجنة تسجيل تاريخ مصر المعاصر برئاسة الجمهورية 2003م، وغيرها من المراكز بالجامعات المصرية، وتركيزى على الوثائق الغائبة عن الأحداث التاريخية التي أثرت في تاريخ العالم والمنطقة العربية، ولما كان للحدث أطراف عديدة منها من يسمح قانون بلادهم بالإفراج عنها، أصبح الباحثون في مصر أمام نصف الحقيقة لغياب وثائقنا. ومصر من أولى الدول التي أسست لقواعد حفظ وثائق الدولة منذ أن أسست الدفتر خانة 1828م، وطورها إسماعيل باشا إلى دار المحفوظات العمومية كما اسس على باشا مباركدار الكتب منذ 1870م، ولهذا السبب تمتلك مصر أرشيفا متميزا بالعثمانية عن أسرة محمد على باشا، ولقد ملأت الصحافة فراغا كبيرا وجهدها عظيم، لكنه غير كاف أمام الأحداث الجسام، ومما زاد الأمر تعقيدًا تباين المصادر، وكتابة المذكرات والسير الذاتية التي تعالج الحدث الواحد، وممن شاركوا فيه وعاصروه ورغم ذلك جاءت شهادتهم متباينة ومتضاربة في نقاطها الحرجة، ولازال الجدل دائرا حول مفاوضات السلام المصرية الإسرائيلية من مبادرة السلام 1977م إلى مباحثات قلعة ليدز 1978م إلى معاهدة كامب ديفيد 1979م ولم نطلع على بعض حقائقها إلا من وثائق الأرشيف الأمريكى في مجلدات Foreign Relation. وعلى الجانب الآخر هناك بعض الأحداث كتب عنها بإسهاب وتحدث صانعوها عن أدق تفاصيلها منها تأميم قناة السويس 1956م، وقوانين يوليو الاشتراكية 1961م وثورة التصحيح مايو 1971م، والندرة في كل الأحوال تضع الباحث في مأزق الرؤية الأحادية، ويرى البعض أن حجب المعلومات والوثائق إنما متعمد لأسباب منها التستر على أخطاء كبيرة، والأمر المفهوم أن نشر وثائق خاصة بالحروب منطقيًا أن يحجب لاستمرار الصراع. يعترف مؤرخو العالم أن مصر شهدت أحداثا عظيمة غابت وثائقها المصرية نسرد منها على سبيل المثال: اتفاقية الجلاء عام 1954م وهى منشورة بريطانيا – وأزمة السويس وهى منشورة بريطانيا وأمريكيا، ومفاوضات تعويضات تأميم القناة 1957م، وهى منشورة فرنسيًا وبريطانيًا، الخطورة Bki قد يسفر الاجتهاد به عن تزييف التاريخ تليه مرحلة الاندفاع نحو نظرية المؤامرة بحثًا عن تفسير. أما فترة حكم مبارك فقد صاحبها الغموض منذ بدايتها إلى نهايتها ومن خطأ إلى خطأ مسكوتًا عنه تحول الحكم تدريجيًا من نخبة حاكمة إلى عصابة حاكمة تجلت صورها في تحالف الفساد مع الاستبداد، ورغم ما كان يذكر إعلاميا عن هذه الفترة من فساد الإدارة يرى باحثون أنها الأخطر في تاريخ مصر لأنها نهجت الإدارة بالفساد، ويستشهدون بحادث غرق العبارة سالم إكسبرس 1991م كدالة لحالة الفساد التي عاشها النظام تمهيدا للتوريث. ويبقى السؤال أين وثائق وملفات مبارك، ويمكننا القول ولغياب آلية للأرشفة والحفظ، وبعد تنحى مبارك أن منحت إدارته فرصة متعمدة لإخفاء وتهريب الوثائق، ومصادفة عثر على ملف ترميم القصور الرئاسية الذي تداولته أروقة المحاكم، ومما طرحه الإعلام من قضايا الفساد يدفعنا للبحث عن ملفات العمولات التي كانت تتلقاها رئاسة الجمهورية في شكل تبرعات للحزب الوطنى، وكذا ملفات الصناديق الخاصة التي اختفت، وهناك رأيان بشأن حفظ الوثائق وعدم الإفراج عنها الأول يرى أن الإعلان يضر بمصلحة الوطن، لأنه سيشوه مسئولين كان يتحركون بحسن نية من أجل المصلحة والثانى يرجعها للتسلطية والديكتاتورية التي أسس لها بعض منظرى النظام باعتبارها آلية حماية الأمن والاستقرار وكلاهما مخالف كل الأعراف والقواعد القانونية. وللبرهنة على مدى خطورة إخفاء الوثائق، استعرض نماذج من الأحداث والقرارات التي لم تعلن في تاريخنا المعاصر، مما أضر الأمن القومى المصرى وساهم تدريجيًا في إضعاف الدولة، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر على المستوى السياسي: مذبحة القضاة 1969م، حريق الأوبرا الخديوة 1971، وقف نشاط هيئة الرقابة الإدارية 1980م، اعتقالات سبتمبر 1980، أزمة الأمن المركزى 1986، تعديل الدستور 2005 – تزوير الانتخابات 2010، وغيرها وعلى الجانب الاقتصادي: الانفتاح الاقتصادى منتصف السبعينيات، برنامج الحكومة للخصخصة في مصر في 1991، ومشروع تنمية سيناء 1994م، ملف تأسيس مدينة الإنتاج الإعلامي 1996م، وتعديل خريطة محافظات مصر 2008م، وعلى الجانب الاجتماعى: مظاهرات الطلاب 1969م، انتفاضة الخبز 1977م، المظاهرات الفئوية العديدة من 2005 إلى 2010م وغيرها. وفى نهاية مقالى هناك مشروع قانون للمعلومات والوثائق في أدراج الرئاسة جمده نظام مبارك، وبعد ثورتين لم يعد الأمر مبررًا بل هناك ضرورة لإصدار هذا القانون خاصة بعد أن عادت دورة الحياة التشريعية إلى طبيعتها، باستكمال خريطة الطريق، فليس هناك ما نخاف منه، خاصة بعد فترتين انتقاليتين أزعم أن وثائقهما ستعيد أمورا كثيرة إلى نصابها، الأولى فترة المجلس العسكري الذي أدار البلاد في ظروف استثنائية، تحمل فيها ضغوطا خارجية تداول بعضها وسائل الإعلام، منها زيارات الوفود الأمريكية لمصر ومحاولة فرض إملاءاتها على مصر، وإلى أن يفرج عن الوثائق طبقًا لمشروع القانون،عندها سيكتب التاريخ الحقيقى دون مزايدة على قادة شرفاء كانت مصر وأمنها نصب أعينهم، الفترة الانتقالية الثانية وهى حكم الإخوان الإرهابية، وأزعم أنه العام الأسود في تاريخ مصر المعاصر، فهل نقرأ يوما ما عن سيناريو تقسيم مصر بدءا من تفاوضهم مع واشنطن قبل عام 2005م إلى بيع سيناء 2012م في مقايضة البقاء. أن إعلان قانون المعلومات والوثائق المصرية سيكشف حقائق لا نعرفها، خاصة وأن مخططات أعداء مصر لم تتوقف منذ أسس محمد على باشا مصر الحديثة 1805 م. وعدم الإفراج عن وثائقنا يعد مساهمة في جريمة الشروع في موت مصر حية.