"حملات لضبط الأغذية الفاسدة بالإسكندرية".. "إعدام 140 كيلو أغذية فاسدة بالدقهلية".. "صحة الشرقية تعدم 6.5 أطنان أغذية فاسدة".. "غلق 10 مصانع غير مرخصة للحوم".."50 حالة تسمم غذائي"، أصبحت هذه الأخبار هي التي تتصدر عناوين معظم الصحف ووسائل الإعلام يوميًا، وكأنها أشبه بأخبار الطقس التي لا تخلو منها أي صحيفة، ولم تعد قضية الأغذية الفاسدة مجرد حادث طارئ وإنما قضية غياب ضمير عدد من المصريين بمساعدة بعض الدول الأجنبية بدافع الربح السريع والكبير، كل هذا جعلنا نفتح ملف "الأغذية الفاسدة" بكل عناصره وزواياه. يبلغ حجم تجارة الأغذية الفاسدة في مصر حسب تقديرات المراكز البحثية والخبراء 25 مليار جنيه سنويًا وتتمثل في تجارة المواد الغذائية منتهية الصلاحية مثل "الزبيب والعجوة والمكسرات بأنواعها والدقيق واللحوم والفراخ" والأغذية بكل أنواعها؛ حيث إن 90%من الأغذية غير مراقبة ومعظم الأغذية مجهولة المصدر. وترجع الإحصاءات السبب في أن مصر أرض خصبة لتجارة الأغذية الفاسدة إلى استيراد مواد غذائية من أوروبا ومن آسيا انتهت صلاحيتها خلال شهرين أو ثلاثة وتبيعها الشركات في الخارج ويشتريها التجار المصريون المستوردون بأسعار رخيصة ثم يبيعونها بأسعار مرتفعة. وتؤكد الإحصاءات تزايد تجارة الأغذية الفاسدة خلال الأعوام القليلة الماضية بسبب الانفلات الأمني وضعف الرقابة على منافذ إنتاج وبيع السلع الغذائية واللحوم الطازجة وكذلك المجمدة، مما أدى إلى تزايد عدد المصانع والشركات المنتجة للأغذية غير المرخصة وغير الخاضعة للرقابة بنسبة 80%، وهو ما تم الكشف عنه خلال الفترة الأخيرة من ضبط العديد من المصانع والأطعمة غير المرخصة وتقوم ببيع منتجات والأغذية ولحوم فاسدة للمواطنين. ثغرات الإفلات من العقاب كشفت إحصائية صادرة عن اتحاد الصناعات، أن هناك ثغرات يستغلها تجار الأغذية الفاسدة في الإفلات من العقاب، تتمثل في عدم وجود أماكن لحفظ العينات التي يتم أخذها من المنتج للتحليل بالمعامل المركزية لوزارة الصحة بطريقة سليمة. وأشارت الإحصائية إلى أنه يوجد بمصر أكثر من 20 ألف مصنع دون تراخيص والمسجل منها 4 آلاف مصنع فقط. عقوبة الاتجار بالأغذية الفاسدة وفيما يتعلق بعقوبة الاتجار بالأغذية الفاسدة، فإن قانون العقوبات، ينص على الحبس مدة لا تقل عن سنة ولا تزيد على 5 سنوات، أو غرامة لا تقل عن 10 آلاف جنيه، ولا تزيد على ثلاثين ألف جنيه، كل من غش أو شرع في غش أغذية إنسان أو حيوان، أو كانت فاسدة وغير صالحة وهي عقوبة تبدو ضعيفة وهزيلة ولاتتناسب مع الاضرار التي تسببها مافيا الغذاء المسموم. الأغذية الأكثر عرضة للغش وفى دراسة حول الأغذية الأكثر عرضة للغش خلال عملية التصنيع، أجراها الدكتور محمد لبيب سالم، أستاذ علم المناعة، تحت عنوان "المواد المسرطنة والصناعات الغذائية.. لا تبنى الدول والشعوب مريضة"، أكد أن أشهر الأغذية عرضة للغش خلال عملية التصنيع، الحلاوة الطحينية، وتكمن المشكلة في أن بعض التجار والمصنعين الذين يبحثون عن الربح السريع يقومون بعملية لغش هذا المنتج بغرض الحصول على درجة نقاوة أعلى مما يحقق الربح السريع وذلك على حساب صحة البعض؛ حيث يستخدمون مواد تسبب السرطان وكثيرا من الأمراض الخطيرة التي تفتك بصحة متناولها. تستخدم مادة "ثانى أكسيد التيتانيوم" في غش الحلاوة الطحينية، وهى المادة المستخدمة لإضفاء اللون الأبيض الناصع على هذا المنتج بغرض الحصول على أعلى ربح منها. وفى الأساس تستخدم مادة ثانى أكسيد التيتانيوم في صناعة الجلود لتبييضها وإعطائها المرونة المطلوبة، وتستخدم أيضًا في صناعة القيشانى والسيراميك والبورسلين لإعطائها اللمعان الأبيض المناسب، وكذلك في بعض أنواع الطلاء الأبيض وفى طلاء الأطباق الصاج وملمعات الأرضيات. وتوجد مادة ثانى أكسيد التيتانيوم في صورتين.. الصورة النقية والتي تستخدم بنسب محدودة جدًا لا تتعدى 5% في بعض الصناعات الغذائية تحت رقابة عالية جدًا.. والصورة غير النقية هي التي تحتوى على بعض الشوائب في التصنيع مثل الرصاص والزرنيخ والأنتيمون وبعض العناصر الثقيلة والتي تستخدم فقط في صناعة السيراميك والبورسلين، والتي عند استخدمها في التصنيع الغذائى تسبب الإصابة بالتسمم والسرطان. ووفقًا لدراسة الدكتور محمد لبيب سالم؛ فإن صناعة اللبن من أكثر الصناعات عرضة للغش، حيث يستخدم "الفورمالين" في تصنيعه، وهو من المواد عالية السمية حتى لو تم التعرض له بكميات قليلة جدًا، فهو يعد من المواد المسرطنة من الدرجة الأولى ويسبب أيضًا أضرارًا للجلد وتصاب العين بنوع من الحساسية عند التعرض له بشكل مباشرة، ويؤدى استنشاقه إلى تهيج الأغشية المخاطية في الأنف والتهاب في القصبة الهوائية وضيق في التنفس. وتستخدم مادة الفورمالين من قبل بعض العاملين بصناعة الألبان لقتل البكتيريا والجراثيم وللحصول على مواصفات في الجبن لتصبح مقاومة للتحلل والسماح بفترة تخزين عالية وإعطاء هذه المنتجات رواجًا في الأسواق ومنافسة عالية، وهو ما يؤدى إلى أضرار جسيمة مثل تقرحات والتهابات في المريء والجهاز الهضمى والفشل الكلوى والالتهاب الكبدى وغير ذلك من الأمراض الخطيرة، ويظهر تأثير مادة الفورمالين على المدى الطويل في حدوث الأورام التي تظهر في الكبد وفى مناطق أخرى من الجسد. دراسة الدكتور محمد لبيب سالم، المتعلقة بالصناعات الغذائية الأكثر عرضة للغش، أكدت أنه يكثر استخدام حامض الجبريلك في الزراعات مثل العنب والموز والتفاح والبصل والنباتات المتدرنة مثل البطاطس والبطاطا. ويرش حامض الجبريلك على الأشجار في فترة الإثمار وقبل الإثمار وذلك لزيادة عدد الثمار وحجمها بصورة غير طبيعية، ويغمس به عناقيد العنب قبل النضوج مما يساعد على تكبير حجم الحبات واصفرارها وزيادتها قبل أوانها، وهو ما يؤدى إلى الإصابة بمرض السرطان نتيجة للتغيرات الجينية التي تطرأ على الثمار، مما يؤدى إلى الإصابة بالأمراض الخطيرة ومنها السرطان والفشل الكلوى والكبدى والعديد من الأمراض المناعية والأمراض الأخرى التي قد تؤدى إلى الوفاة. دور سلبى لوسائل الإعلام من يدقق النظر في مسألة انتشار الأغذية الفاسدة في مصر، سيجد أن لوسائل الإعلام دورًا في هذه الزيادة؛ وهو ما أكده عاطف يعقوب، رئيس جهاز حماية المستهلك، مشيرًا إلى رصد إعلانات مضللة تبث على شاشات قنوات فضائية للترويج لمنتجات طبية بادعاء قدرتها على علاج عدد من الأمراض على خلاف الحقيقة. وأشار يعقوب إلى، إلى أن مجهود الجهاز في مكافحة ظاهرة الإعلانات المضللة خلال شهر ديسمبر الماضى أسفر عن إحالة 28 قناة فضائية في 57 قضية للنيابة العامة بتهمة الإعلان المضلل، وذلك بفضل التكنولوجيا المتوفرة في المرصد الإعلامي للجهاز، موضحًا أن الجهاز تمكن من توفير الدليل المادى على مخالفة الشركات المعلنة لقانون حماية المستهلك. المناديل الورقية الرخيصة وبعيدًا عن المواد الغذائية؛ فإن هناك منتجات أخرى، الغش في تصنيعها يؤدى بالإنسان إلى الهلاك، كالمناديل الورقية الرخيصة، التي تصنف على أنها غير صالحة للاستخدام الآدمى؛ حيث أشارت إحدى الدراسات الطبية الحديثة إلى أنه يتم تصنيع المناديل التي تباع بمبالغ رخيصة من بقايا الورق الموجود في القمامة ومخلفات المستشفيات من خلال فرمها ووضع مادة مبيضة عليها. وأكدت أنها تحتوى على نوع من البكتيريا التي تعيش في الورق مما يسبب العديد من الأضرار الصحية مثل ضيق التنفس الذي يعد مؤشرًا على أمراض خطيرة لذلك ينصح بعدم استخدام تلك المناديل التي تشكل خطرًا على صحة الإنسان، والحرص على شراء مناديل تثق في طرق تصنيعها والتأكد من عدم استخدام مخلفات المستشفيات والقمامة لإنتاجها. جهاز لسلامة الغذاء ويرى بعض المهتمين بهذه القضية، أن الحل الجذري، يكمن في تفعيل عمل جهاز لسلامة الغذاء، للقضاء على عشوائية تداول الأغذية الفاسدة، لافتين إلى أن هناك العديد من الجهات الرقابية إلا أنها تعانى من التضارب فيما بينها، ولا يتم استغلال الموارد البشرية الموجودة في كل جهة الاستغلال الأمثل للرقابة على الأسواق. وطالبوا بضرورة وجود جهة واحدة منوطة بسلامة الغذاء، مشددين على ضرورة عدم قصر مهمة التفتيش على خبراء الصحة لأنهم لا يكونون على درجة عالية من التعليم أو الخبرة في بعض الأحيان لأنهم من خريجى معاهد متوسطة "المعهد الفنى الصحي"، ومع ذلك يحملون لقب "مراقب صحي". كما طالبوا بضرورة تحقيق التعاون والتكاتف بين الخبراء وجهات الرقابة المختلفة وزيادة عدد المفتشين، مشيرين إلى أن عددهم الحالى 3000 مفتش فقط على مستوى الجمهورية وهو عدد لا يكفى للقيام بمهامهم التي تتضمن أخذ عينات من الأغذية وفحصها وكذلك التفتيش على الرخص الخاصة بالمطاعم والمصانع والشهادات الصحية للعاملين في مجال إنتاج الأغذية.